نحن غير معنيين بالتلعثم الذي يطبع لغة الساسة العراقيين حين يتجنبون ذكر هوية quot;المصادر الخارجيةquot; التي تدعم القتل اليومي للعراقيين. فلدينا هنا دليل حي على دعم إعلامي لهذا الإجرام، ومثال على المجانية وإنعدام الضمير في إشاعة ثقافة الإرهاب. ففي الوقت الذي يتولى فيه بعض شيوخ البترول تمويل قتل المواطنين العراقيين وتدمير بلدهم باسم الإسلام والجهاد ضد الكفار (بمن فيهم الشيعة!)، تتولى أصوات أخرى تسويغ ذلك وترويجه باسم المقاومة، مستخدمة المساجد تارة ووسائل الإعلام تارة أخرى. هذه quot;المصادر الخارجيةquot; غير معنية بالإحتلال بدليل أنها لا توجه أموالها الى قوى تقاوم الإحتلال فقط وإنما هي تدعم القوى التكفيرية والإرهابية وجلادي النظام السابق، والقتلة المأجورين لها ولغيرها من القوى الإقليمية، أولئك الذين يستهدفون التخريب لذاته لخلق المستوى المطلوب من الفوضى، فتغدو الجسور والأسواق ومصادر الطاقة ودور العلم ومظاهر الحياة المدنية أهدافا لأعمالها quot;البطوليةquot;. وفي المثال الطازج الذي بين أيدينا تمجيد صريح لهذه الأعمال يصفها بالمقاومة، وذلك في تقرير رئيسي لصحيفة رسمية للحكومة المصرية.


فقد نقل quot;المرصد الإعلامي العراقيquot; في القاهرة ما نشرته جريدة الجمهورية ليوم الأحد 3 حزيران (يونيو) تحت عنوان quot;قتل 6 جنود أميركيين والمقاومة تدمر جسرا إستراتيجيا بين بغداد وكركوكquot; الذي يهلل لنسف جسر مدني في مدينة كركوك. الجسر هو الرابط الوحيد للمدينة بالطريق الدولي الى بغداد، وبتدميره تضرر آلاف المواطنين، لكن ما تروجه الصحيفة هو أن المتضرر الوحيد من ذلك هو المحتل حيث أن الدافع لنسف الجسر هو كما تذكر الصحيفة quot;منع وصول قوات الى المنطقةquot;، الأمر الذي يسوغ نسف أي جسر في أي مكان آخر في العراق.


قبل ذلك باسابيع كان جسر الصرافية الشهير في بغداد قد نسف في تفجير ضخم راح ضحيته عشرات المواطنين، وحصل الأمر نفسه في جسور أخرى، لكن ذلك كان ـ حسب تقرير الصحيفة ـ من أجل quot;إرباك القوات الأميركية وخفض معنوياتهاquot;!


لا أدري إن كان كاتب التقرير يفترض له قراء بها القدر من الغفلة. هل يمكن حقا أن نصدق أن من الأفضل أن ندمر بلادنا ونقتل مواطنينا على أمل أن ذلك quot;يربك القوات الأميركية ويخفض معنوياتهاquot;؟! ولماذا ستنخفض معنويات هذه القوات إذا كانت هي لم تصب بضُرّ وإنما المتضررون والضحايا هم فقط عراقيون؟! بل لعلمك إن معنويات هذه القوات سترتفع وهي تشكر هذه quot;المقاومةquot; الظريفة على حفظها حياة الأميركان وإستهدافها العراقيين. وفي نهاية التقرير نقرأ هذه الخاتمة الموحية: quot; سادت بغداد أمس حالة من الهدوء النسبي والتعتيم الإعلامي علي ما يجريquot;، وكأن تفجير الجسور بمن عليها عمل لا يخزي القائمين به وإنما يخزي ضحاياه المدنيين فيعتّم الإعلام العراقي عليه. أي بؤس عقلي هذا..
مرة أخرى يفرض السؤال نفسه: هل كنتم سترضون لبلدكم الشيء ذاته؟ هل كنتم ستسوغون تدمير جسوركم ومصادر طاقتكم وقتل مواطنيكم لو كان في بلادكم محتل؟ هل حصل مثل هذا في أي بلد من بلدانكم إبان الإحتلال الأجنبي لها؟ بأي حق إذن تسوغون ذلك في العراق؟


تقرير جريدة الجمهورية هذا مجرد غيض من فيض. فالصحافة المصرية، وسواء في ذلك الرسمية والخاصة، فقدت منذ زمن مصداقيتها في ما يخص الوضع العراقي، وذلك بتأثير عدد من مسؤولي النظام السابق الهاربين في مصر حيث يستثمرون هناك رصيدهم الإجتماعي والثقافي والمالي في ترويج الثنوية المشروخة: أن القمع الصدامي ـ رغم كل شيء ـ خير من الإحتلال الأميركي، وهي الثنوية التي يشتركون فيها مع الأميركان فالأخيرون يرددونها أيضا ولكن بالمقلوب.


نحن غير معنيين بتلعثم الساسة العراقيين وهم يزوقون العلاقة مع حكومة مصر وغيرها، ولا بنفاق المسؤولين المصريين، والعرب، وهم يعلنون دعمهم للشعب العراقي. فما يرشح من وسائل الإعلام، مثل نموذجنا الطازج أعلاه، يؤكد أن الأميركان، وquot;القاعدةquot;، ليسا الخائضين الوحيدين في الدم العراقي، إنما قد تقاسمت إراقة هذا الدم سيوف كثيرة في هذا البر المجدب الممتد من المحيط الى الخليج.

سمير طاهر
[email protected]