معركة قانون النفط والغاز في العراق تطوّق حكومة المالكي بين خيارين احلاهما مرُّ

يحاول الرئيس بوش الابن وقبل الوصول الى الشهر التاسع موعد رفع القائد العام للقوات الاميركية تقريره المرتقب قطف ثمار ما وعد به اصحاب الشركات العالمية الكبرى عشية ليلة اندلاع الحرب على العراق لجلب مكاسب نفعية لهذه الشركات العملاقة في امريكا وانكلترا المتلهفة شوقا للعمل داخل العراق وكان ايضا قد صرح يومها وزير خارجية انكلترا جاك سترو حسب ما اشير الى الصحف البرطانية (ان روسيا وفرنسا سوف لن يكون لهم نصيب من حصة العراق ) خاصة في مجال الاستثمارات النفطية من خلال عقود تقاسم الانتاج ذات الارباح الباهضة يتحمل اعباءها الفرد العراقي لمدة تتراوح مابين 30 -50 عاما، وبخسارة قدرت بـ 200 مليار عراقي. تلك النوعية من العقود التي يشكل فيها المفاوض العراقي الان وفي ظل الاوضاع الامنية الراهنة الطرف الاضعف في وضع الشروط لصالح البلد. وسيكون ايضاً الطرف الاضعف قانونيا ً في ملاحقة هذه الشركات العالمية في حال اخلالها بشروط العقد خاصة عندما تتعرض الى هجمات ارهابية وتترك مواقع الانتاج النفطي في مراحل غير مستكملة.فمعروف لهذه الشركات العملاقة انها تملك كادر قانوني يملك من المؤهلات والخبرات العالمية قلما تمتلكه حتى شركات عالمية اخرى تستطيع ان تخرجها من احلك واعقد الحالات هذا الكادر القانوني العملاق قد لايتوفر عند الجانب العراقي حالياً. لذا سوف لن يستطيع الجانب العراقي ان يلجأ الى المحاكم الجزائية.وفي كل الحالات ان الارباح ستؤخذ سلفا حسب نوعية هذه العقود.

وقد انتابتني داخل نفسي اسئلة كثيرة حول طبيعة هذه العقود وسألت هل فعلا ان الثروة النفطية بالعراق مهددة بالرجوع الى عشرينيات القرن الماضي حيث ستباع المواقع النفطية كأرضٍ وماتملك الارض بباطنها كما حصل ابان الاستعمار الانكليزي. و يخصص فيها للعراق نسبة من الاموال؟ ام انه الرجوع الى حالة شبيهة بما حدث في جنوب افريقيا عندما جُردت من ماسها وذهبها؟ ولأقطع عليّ هذه الاسئلة قررت ان اجري مقابلة صحفية مع الخبيرالنفطي الدكتور فاضل الجلبي الرئيس والخبير في مركز الدراسات للطاقة العالمية في لندن وطرحت عليه سؤال عن الكيفية التي يتم فيها اسلوب التعامل مع هذه العقود بأجابني وحسب اطلاعه على مسودة عقود تقاسم الانتاج لشركة توتال الفرنسية التي جرت اثناء الحرب العراقية الايرانية (حقول بزركان) القريبة من خط النار مع ايران (وللظروف القاهرة تركت الشركة اعمالها ) قال والكلام الى الجلبي: ان الاجنبي يستثمر امواله اللازمة في حقل نفطي لفترة زمنية مابين 24 ndash;50 وحالما يبدء الحقل بالانتاج تبدء الشركة بأسترجاع اموالها بنسبة 40 % تؤخذ على شكل نفط خام وبالاسعار السائدة بالاسواق العالمية وهذه المرحلة والاموال تسمى( بنفط الكلفة ) ((Cost Oil وتبقى نسبة ال 60 % تحت تصرف الحكومة المفاوضة. واسترسل الجلبي قائلا: ان اهم عنصر في هذه العقود هي مخاطرة تشغيل الاموال من قبل المستثمر ولضمان هذه المخاطر هناك ربح يؤخذ على نفط خام ايضا يسمى ( الارباح النفطية)Profit Oil ) (لصالح المستثمر ويقول الجلبي عندما كان سعر البرميل 20 دولارا كانت نسبة الارباح لاتتعدى الـ 8 ndash; 10 بالمائة. اما الاى وقد وصل سعر البرميل اكثر من 60 دولارا هذا يعني حصول زيادة في تلك الارباح. من اهم القضايا التي تدخل في مسألة الارباح هي عامل المرونة التي تتحكم به امور مهمة منها قوة المفاوض من كلا الطرفين واسعار الاسواق العالمية ومعدلات الخطورة بخاصة في ظل ظرف امني صعب في العراق. في حين قال لي الخبير محمد علي زيني: ان هذه العقود ليست جديدة لقد استعملت منذ ستينات القرن الماضي في بلدان عدة منها قطر وروسيا واندنوسيا وليبيا فبالرغم من انها مكلفة جدا لكن لايعني تجاهلها او انزال الستار عليها. لكن في ظل ظروف صعبة يعيشها العراق امنيا وسياسيا وماليا قد يَضعف الجانب العراقي امام شروط جائرة تستغلها هذه الشركات لهذا السبب علينا ان ننظر الى خيارات اخرى وبدائل اخرى يمكن اللجوء اليها في المراحل الاولى لتقليل الكلفة وهي البدء بمشاريع نفطية صغيرة ذات كلفة اقل من الاستثمار المباشر من قبل الاجنبي تتم عن طريق مستثمرين عراقيين وعرب وسيكون العطاء قليل ثم تأتي المرحلة الاخرى وهي الاتفاق مع شركات عقود خدمية وبعدها في المرحلة الثالثة تأتي شركات تقاسم الانتاج.


الان الدستور العراقي الحالي يجيز لهذه الشركات العمل داخل العراق تحت تسمية هذه العقود ومباشرة. لكن العقبة الرئيسية امام هذه العقود هي تمرير قانون النفط العراقي على مجلس البرلمان.
في هذا الصدد تضغط أالادارة الاميركية بقوة على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي نحو
الاتجاه السريع لتفعيل قانون النفط المثير للجدل على البرلمان العراقي قبل الوصول الى الشهر التاسع بما له من تأثيرات ايجابية تنعكس على مستقبل الرئيس بوش والحزب الجمهوري والمنافع الاقتصادية للشركات العملاقة مثل shell و bp و قد صادقت عليه الحكومة العراقية مؤخرا في الاسبوع الماضي. القانون يواجه اعتراضات لسيت قلية من قبل كتل شيعية وسنية.كما انه واجه اعتراضا من قبل الكتلة الكردستانية فيما يخص الفقرات والبنود التي تشير الى ضرورة التنسيق مع بغداد عند ابرام العقود النفطية. كذلك يرفض الاكراد البنود الخاصة بكيفية توزيع الثروات بما يخص الغاز والنفط حسب النسب السكانية، وقد خصص نسبة 17% الى اقليم كردستان.


اذن تمرير القانون على البرلمان بشكله الحالي سيواجه مشاكل كبيرة وسيطوق الحكومة الحالية بكماشتين وخيارين احلاهما مرُّ الخيار الاول اذا قررت الحكومة تمريره على البرلمان معتمدة على اصوات الاغلبية المنقوصة من الكتلة الصدرية ومتجاهلة الاصوات المعارضة من الكتل الاخرى يعني انها في هذا الخيار ستجعل من هذا القانون والثروة النفطية بالعراق مصدر تفكيك وتناحر بين المكونات العراقية وستوقع نفسها في مستنقع ووابل من الهجمات الارهابية وارتفاع في وتيرة العنف و الاعمال التخريبية للمنشآت االنفطية مع الازدياد في كميات التهريب الهائلة الحاصلة للمسرقات النفطية داخليا واقليميا والتي تقدر خسائرها الان بمعدل 85 مليون دولار يوميا وسيتلاشى مصير هذه الثروة الغنية التي يعتمد عليها البلد بمقدار اكثر من 75%. بعدها تتعالى الصيحات تطالب المالكي بالتنحى عن منصبه، بحجة عدم كفاءته وانه لم يفعل شيئا يذكر خلال عام من حكمه للحد من الارهاب و توفير الخدمات لأبناء الشعب. معظم هذه الصيحات تصدر عن اناس يرغبون فى استمرار الوضع كما هو. او أسوأ لتسنح لهم الفرصة للوثوب على الحكم، سواء من البعثيين الصداميين، او الطائفيين. وفي هذه الحالة ستزداد الضغوط الاميركية للمالكي تطالبه بالاسراع عن اعلان الاستقالة.


اما الخيار الثاني هو اذا استجابت الحكومة االى طلبات المعارضة يعني ان الحكومة ستفتح لها بابا واسعا من الجدل العنيف والاجتهادات المختلفة والمتضاربة لاينغلق بين الكتل السياسية فكل فرد سواء كان سياسيا ام اقتصاديا او حتى يحمل مهنة بسيطة اخرى سيجتهد وسيضع نفسه موضع الخبير النفطي للسياسة النفطية وستتصاعد التناحرات بين الكتل السياسية وكل كتلة تريد للقانون ان يخدم مصالحها وتريد ان تقفز على الاخرى. الشيعة الذين يملكون الذهب الاسود في مناطقهم لم يروا من هذا المعدن الثمين إلا القتل والدمار واهمال مناطقهم بشكل لا يصدق عقود من الزمن. كذلك الاكراد الذين عانوا الحرمان القومي يطالبون الان باالتصرف بهذه الثروة بمعزل عن قرارات المركز ويعتبرون ان استقلاليتهم بهذه الثروة هو بمثابة خطوة مهمة وقوية تمهدهم نحو الاستقلال الجغرافي.

اما السنة فهم المتخوفون الرئيسيون من هذا القانون ومن مستقبل مجهول يقلب عليهم التوازنات القديمة في عهد النظام السابق. نتيجة هذه المشاحنات ربما قد تخلق بعض الجماعات المعارضة للعملية السياسية كلها وليس لقانون النفط فقط مشكلة اخرى اكثر تعقيدا من ثروة النفط واشكالياته الا وهي معركة الماء وتوزيعه والتحكم به حسب النسب السكانية او اغراق الناس به. فالنفط بدل ان يغني الشعوب ويوحدها ويرفع رصيدها الدولي للرخاء بات نقمة على الشعب العراقي قد يفتح عليه ابواباً اخرى من الحرمان لثروة اخرى منّها الله عليه وهي الماء. وقد جاء ذلك على لسان رئيس هيئة علماء المسلمين حارث الضاري في يوم 20 / 3 / 2006 في رسالة قرئت على الشعب العراقي بمناسبة مرور ثلاث سنوات على الحرب جاء فيها ( أما الارض التي يعيش عليها العراقيون فهي لاتقبل التجزئة، فإذا كان النفط في الجنوب فالماء في الوسط والشمال فيمكن حبسه حتى نبادل برميلاً من الماء ببرميل من النفط ويمكن ان ينفرط عقده فيغرق الجنوب ). اضافة الى ذلك ايضاً صدرت مؤخرا من قبل جماعات تهديدات لكل من يصادق على القرار. بناءاً على ذلك فإذا اختار المالكي الرضوخ الى خيار المعارضة ؛ فسيكون بالمعنى الامريكي إنها حكومة ضعيفة لاتقوى على تمرير قانون يلملم تحت ظله كل الكتل السياسية ويجلب الهدوء الى البلد. وبالتالي من المحتمل ان يكون قرار الحكومة لتمرير قانون النفط والغاز على البرلمان بأي خيار بمثابة القشة التي تقصم ظهر الحكومة الحالية.

ليلى البحراني