يطلع علينا بعض الدعاة، من يوم لآخر، بتصورات جديدة يسوقونها أمام اليتامى والبؤساء والمساكين وأبناء السبيل، ممن تقطعت بهم السبل أمام الشاشات. وآخر مستجداتهم التي يروونها ويخدعون بها الرأي العام، في هذه الأيام، أن الإسلام هو واحد من أسرع الأديان انتشاراً في العالم، وهو الدين الذي يستحوذ على قلوب وأفئدة الملايين من الهواة الجدد يومياً. وأنه بعد غزوتي نيويورك وواشنطون جرى إقبال شديد، ولا مثيل، على دراسة الدين الإسلامي والدخول فيه أفواجاً وأفواج. وإذا استمر الحال على ما هو عليه، بمشيئة الله تعالى ونصره، فإن أوروبا ستتحول إلى قارة مسلمة في غضون المائة عام القادمة. ولا أجد تفسيراً لهذا الفرح والشعور بالخيلاء، سوى حب هؤلاء الناس لمآسي والنكبات، والتشفي بالناس، وإلحاق الأذى بهم بأية طريقة. وطبعاً لا يوجد هناك إحصاءات ودراسات متخصصة ودقيقة تدعم هذا الكلام على الإطلاق وإنه كالعادة محض كلام فارغ، وهراء، وإطلاق له على عواهنه، ودون أية مسؤولية أو حساب.

وللحقيقة، فقط، فإن الإسلام يحتل الدين الثالث وربما الرابع في العالم بعد البوذية والمسيحية. وإنه، وإذا كان هناك ثمة تحول وانتقال كما يشاع، وهو أمر وارد ومبرر على أية حال، إذا ما نظر للأمر في سياق رغبة النفس الإنسانية في التجريب والتطور والارتقاء. وفي هذه الحالة، ومن خلال متابعة شخصية وأرقام إحصائية، فإن البوذية، نعم البوذية، وليس سواها، هي ما تستهوي الكثير من الأوروبيين الراغبين في التحول لديانات أخرى نظراً لما في تعاليمها من هدوء، وطمأنينة، وتبصر واستقرار، وسلام تبعثه في نفس الإنسان.

وفي الوقت نفسه إنه لمن المستحيل أن تتغير الهوية الثقافية، والفكرية، والعقل الجمعي العام للأمم والشعوب، بهذه البساطة والسهولة، وتلك السرعة، وترمي تراثها وتاريخها في القمامات، وكما يتخيلها هؤلاء. كما أنه في كل الأمم والشعوب هناك محافظون وليبراليون ولا دينيون وملحدون، وستكون هناك مقاومة عنيفة لمحاولة فرض أية أيديولوجيات أو تغيير للبنيوية الفكرية للناس. وللتذكير فإن تلك الشعوب الحية والمتنورة ليست مجرد قطعان مستسلمة تساق بعصا واحدة، ولا تمشي معها ثقافة السيف وقطع الرقاب. كما أن تقبل أية أيديولوجيات جديدة يحتاج إلى عملية معقدة جداً من الترغيب المصحوب بالاقتناع الطوعي، لذا فأن تلك النظرة التوتاليتارية تنطوي على كثير من سوء التقدير والمبالغة والتهيؤات التي تفتقر للواقعية والعقلانية.

وكثيراً ما تطالعك الصحف والأخبار عن اعتناق الإسلام من قبل مجموعة من العمالة الوافدة الرخيصة quot;المنتوفةquot;، وغير المؤهلة، لا تقنياً وعلمياً، من بؤساء وفقراء النيبال والتيبيت والفيليبين والهند والباتان. وهذه الأخبار ليست كاذبة، البتة، برغم مما تنطوي عليه من حالة دعوية ظاهرة. ولا يملك المرء إزاء هكذا أخبار سوى القول: quot;اللي فينا مكفينا، ومو ناقصين تعساء وبلاوي زرقاquot;، ومصائب وهمّ على القلب على الإطلاق.

وبالطبع ستصبح أوروبا، (يذهب بعض المتفائلين إلى أبعد من ذلك حين يسحب هذا الأمر على أمريكا)، داراً للخلافة والإيمان حيث ستندلع حروب الردة والطوائف والعشائر والمذاهب والإثنيات، وسيسود الجهل والأمية والتخلف الفساد، وتفرض الجزيات والخوات والأتاوات، وتكثر الرشاوي، وتنتهك القوانين، وتعج القصور بالجواري والسبايا والغلمان، ويستوطن القمع، ويشرّع الاقتتال والاحتراب، وتنهب الثروات، وتذل الشعوب، وتفقر الناس، وتعمم الكراهية وتنبعث الأحقاد والثارات والعداوات، ويتسلبط العسس والجهلة والجنرالات، وينتشر تكميم الأفواه، وتحكم الشعوب بالديكتاتوريات المخلدة والمؤبدة بقوانين الطوارئ وقبضات الحديد والنار، ويعم الظلام، ويرتفع سعر بول البعير في البلاد، ويقل الإنتاج، وتنعدم المبادرات ويحتقر الإبداع، وتجرّم الفلسفة، ويستشري الدجل و الخرافات والشعوذات والهلوسات.

وشخصياً، سأشعر بسعادة غامرة فيما لو تحققت نبوءات مشائخ الفضائيات والدعاة، هذه بالذات، ليس حباً بالتشفي وتمني سوء الفال والطالع وكرهاً بالناس، ولا سمح الله، ولكن لأرى إلى أين سيذهب ويفر، هذه المرة، هؤلاء الدعاة ومن سيستقبل بعد الآن أمراء الجماعات الخارجين عن القانون والمطاردين، والناجين من جحيم البطش والتنكيل والقهر والعذاب؟ وإلى أين سيلجئون من سعير الفقر والجهل والقهر والقراقوشية والظلم والاستعباد بعد أن تصبح دول أوروبا، كنظيراتها الإسلاميات، موئلاً مطلقاً للديكتاتورية والاستبداد، ومعقلاً للقمع والاضطهاد، وملعباً يتسيد فيه الجهلة والسحرة وقطاع الطرقات، ومرتعاً يسرح ويمرح فيه اللصوص، والقتلة، والمافيات؟

نضال نعيسة
[email protected]