في أوائل يناير 2006 ذهبت مع رئيس الوزراء الدكتور إبراهيم الجعفري تلبية لدعوة وجهها الرئيس العراقي السيد جلال الطالباني لزعماء الكتل السياسية والشخصيات المهمة في قصره الرئاسي ببغداد، وقد ذهبت مع رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري.


في الطريق تحدث الجعفري عن دماثة خلق الرئيس الطالباني وطيبته، وقال لي سترى كيف يتصرف بتلقائية مع ضيوفه، عند المدخل كان الطالباني ينتظر، عانق الجعفري بحميمية، وبين الرجلين تقليد يلتزمان به، حيث يتبادلان الهدايا البسيطة، قدم الجعفري له ربطة عنق، تلقاها بسرور، فتح فوحة الحقييبة الورقية ليرى ما بداخلها، ثم لوح بها للصحفيين قائلاً لهم مازحاً:
هدية السيد رئيس الوزراء.


كانت إلتفاتة ذكية منه، أراد ان يقطع الطريق على أسئلتهم عن العلاقة بينه وبين الجعفري، بعد الأزمة الشهيرة بينهما قبل ذلك اللقاء بعدة أشهر، وربما أراد أن يغلق نافذة التساؤلات حول موقفه من الجعفري فيما لو تم ترشيحه لولاية جديدة.


كان رجال السياسية وزعماء الكتل السياسية الفائزة بمقاعد البرلمان، يتحدثون مثنى وجماعات، حلقات سريعة تتألف ثم تنفرط، لتتشكل غيرها، بعضهم ينتحي جانباً من صالة الإستقبال، وبعضهم يقف في زاوية منها، فيما كان الطالباني دائم الحركة يحاول ان يتحدث للجميع، وكانت نقطة الإشتراك التي تجمع الأحاديث هو شكل الحكومة القادمة.


بعد الإنتهاء من مائدة الغداء وقبل إلتئام المؤتمر الصحفي، كنت أتحدث مع النائبين خلف العليان وصالح المطلق، وكان العليان متأزماً يشكو وجود معتقلين في السجون، ويحمل الحكومة مسؤولية المداهمات التي تحصل في المناطق السنية، وكان يقول: لماذا لا تقوم الحكومة بإيكال مهمة حماية المناطق للأهالي، لماذا لا توزع السلاح على العشائر في محافظة الأنبار حتى يقومون بحماية أنفسهم؟.
بدت الفكرة غريبة، فالسلاح ليس مشكلة في تلك المناطق، ولا في غيرها من مدن العراق، بل أن المشكلة هي كثرة إنتشار السلاح بمختلف انواعه واشكاله.


حاول الدكتور صالح المطلق أن يغير مجرى الحديث لأنه شعر بأن ما يطرحه العليان، أمر غريب لا يمكن قبوله من أي طرف من الأطراف، فراح يتحدث عن الوضع السياسي وكيف سيكون شكل البرلمان القادم، إلا أن العليان أبدى عدم رغبته بهذا الحديث، وكان يعود الى التأكيد على فكرته.
بدأ المؤتمر الصحفي ووجهوا الدعوة للسيد العليان بالحضور وراء المنصة ليكون أحد المشاركين في المؤتمر، تردد بعض الشئ، ثم انطلق مسرعاً.


كانت أسئلة الصحفيين تدور حول كيفية تشكيلة الحكومة الجديدة، والمدة التي ستستغرقها مفاوضات الكتل البرلمانية لتسمية الرئاسات الثلاث، وحينما جاء دور العليان، فاجأ الجميع بفكره حيث قال بنبرة حادة لماذا لا تسلح الحكومة العشائر وابناء المناطق لكي يتولوا حماية أنفسهم ومناطقهم؟.
وقد إنفض المؤتمر الصحفي بعد كلامه مباشرة، لأنه ووجه باستغراب الجميع وبدت كلمات السيد خلف العليان وكأنها لا تنتمي للواقع السياسي.

يبدو أن العليان الذي طرح فكرته علناً في ذلك اليوم من يناير، لم تثنه ردود الفعل التي رآها وسمعها، فواصل مساعيه نحو هذا الهدف، كان واضحاً عليه أنه يريد أن يحققها بأي شكل من الأشكال، بل كان واضحاً عليه أنه يحمل فكرة قد تم الإتفاق عليها وبلورتها مع أطراف أخرى، وأنه كان بصدد الترويج لها.
بعد سنة ونصف، قررت القيادة العسكرية في العراق تسليح العشائر، بدا المشروع وكأنه من صنع أمريكا، لكن الحقيقة المشهودة تقول غير ذلك، ولا يمكن في هذه الحالات أن نسلم بتوارد الخواطر.

د. سليم الحسني