كان ستالين بنظرته الثاقبة قد وصف خروتشوف في أحد الإجتماعات بالغباء؛ ولو كان لينين قد أضاف إلى شروط بناء الحزب الشيوعي شرط طرد الأغبياء من الحزب لقام ستالين بطرد خروتشوف دون تردد ولوفر بذلك على الحركة الشيوعية العالمية انهيارات كارثية ستعاني منها الإنسانية لقرن طويل أو قرنين. لو كان خروتشوف قد طرد من الحزب بسبب غبائه لما وجد العسكر رجلاً لهم في القيادة العليا في الحزب يشاركهم، نظراً لغبائه، مؤامرتهم على مستقبل الثورة الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي وفي العالم كله بالتالي.
ما دفعني إلى إطلاق مثل هذا النداء الإحترازي الذكي هو أن أحد الأغبياء كتب في الحوار المتمدن تحت عنوان quot; الحرب الشعبية الماويّة وفؤاد النمري quot; يصفني ب quot;المتعفنquot; و quot;التافهquot; لأنني أطرح فكرة جديدة في الإقتصاد العالمي تقول بانهيار الرأسمالية ليس لصالح الإشتراكية بل لصالح إقتصاد الطبقة الوسطى وهو ما يفترض إنتهاء مرحلة الإمبريالية. ولعل هذا الغبي لم يفطن إلى أن صفة المتعفن لا تتسق أبداً مع التجديد في الفكر.
حجتان غبيتان يسوقهما هذا الغبي لدحض أطروحتي هما.. quot; صراع الضواري الإمبرياليين على هذا البلد الغني quot;، يقصد العراق، و quot; إنطلاق الحرب الشعبية في النيبال والبيرو والعراق والهند quot; ـ ولعل هذا الغبي يشارك في الأعمال الإرهابية في العراق.
بعد انهيار الثورة الإشتراكية العالمية وجد الذين امتهنوا العمل في السياسة أنفسهم فجأة بلا عمل وأن المهنة التي امتهنوها لعقود وعقود لم تعد تجدي بشيء. لذلك تجدهم يطلقون صرخات هستيرية تقول بذات الشعارات القديمة التي لا بد وأن تكون قد فقدت معناها بعد انهيار مشروع لينين، مشروع الثورة الإشتراكية العالمية. في قمة الغباء الإفتراض أن الشعارات القديمة التي صيغت تبعا لمدى تقدم الثورة الإشتراكية حصراً ما زالت صحيحة بعد انهيار الثورة.
ومن قمة الغباء الإفتراض بأن العصابات الإرهابية في البيرو ونيبال تكافح من أجل بناء الإشتراكية في بلدانها في حين أن اشتراكية ماو، وهي مثالهم، قد انهارت في موطن ماو نفسه. كثيرون هم اليوم الذين يبررون اليوم احتجاج تروتسكي في المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي البلشفي عام 1921 معارضاً الشروع في بناء الإشتراكية في جزيرة معزولة في محيط رأسمالي علماً بأن الإتحاد السوفياتي كان يساوي سدس الكرة الأرضية فما بالك بنيبال والبيرو اللتين بالكاد يظهران على خريطة العالم؟! قلنا بالأمس أن الإشتراكية في بلدان العالم الثالث تستورد من الخارج، من مركز الإشتراكية، من الإتحاد السوفياتي؛ فمن أين ستستورد العصابات النيبالية والبيروفية الإشتراكية، نسأل الشيوعي الغبي؟!
أما عن صراع الضواري الإمبرياليين المزعوم على أرض العراق فإن الأخبار كل الأخبار تقول بأن التخلف الذي أورثه الطاغية للشعب العراقي هو السيف البتار الذي يجز رقاب مئات العراقيين يومياً. القاعديون الوهابيون من مثل الزرقاوي ورفاقة يقتلون الشيعة رجالاً ونساء وأطفالاً لأنهم روافض أولاً ولأنهم استقووا بالأمريكان من بعد. لقد ولغ هؤلاء في دم الشيعة قبل أن يرد الشيعة على الإرهاب السني بإرهاب ليس أقل بشاعة. الأمريكان يخسرون شبابهم ضحايا الوقوف حاجزاً بين الطرفين. بإمكان الأمريكان أن يسحبوا جيوشهم من المدن ويعسكروا بعيداً في الصحراء ريثما يتم التطهير المذهبي نهائياً، بإبادة السنة كاملاً إن لم يتشيعوا، ويقتل كل من كان يوماً بعثياً وحينئذٍ فقط يقوم السلم الأهلي وينسحب الأمريكان من العراق نهائياً كما تستعجل الإدارة الأميركية ذلك وكما يقضي قرار مجلس الأمن. نذكر quot; الشيوعي quot; الغبي ـ وكل غبي ليس شيوعياً ـ بأن بوش الأب وبعد أن أرغم صدام على الإستسلام في خيمة صفوان وسيطر على منابع النفط في الجزيرة العربية سيطرة تامة، بعد ذلك الإنتصار quot; الإمبريالي quot; المدوّي سقط في الإنتخابات الرئاسية سقوطاً مدوّياً أيضاً. ليس من تفسير لذلك لدى المفلسين في مهنة السياسة ومنهم الكثير من الشيوعيين الذين يبيعون ماركس بعشرين قطعة من الفضة! كما نذكر هذا quot; الشيوعي quot; الإرهابي ـ وكل إرهابي ليس شيوعياً ـ بأن بعد إحتلال العراق مباشرة تضاعفت قيمة فاتورة النفط الأميركية بما يناهز المليار دولاراً شهرياً وأخذ الموطنون في الولايات المتحدة يصطفون بمركباتهم في طوابير طويلة أمام محطات الوقود ويصرخون شاتمين الإدارة الأميركية وحرب العراق. لقد أنفقت الإدارة الأميركية على الحرب في العراق أكثر من 400 ملياراً من الدولارات وهو المبلغ الذي لن تسترده الولايات المتحدة حتى لو استعمرت العراق لخمسين عاماً ناهبة كل خيراته!! الحقائق الجامدة تصفع كل المفلسين سياسياً على وجوههم لكنهم لا يرتدعون إذ ما عساهم يفعلون إن لم يعملوا في السياسة؟!! ثم كيف يجرؤ بعضهم بوصف الولايات المتحدة الأميركية بالرأسمالية الإمبريالية وهي الدولة التي تستدين يومياً أكثر من ثلاث مليارات من الدولارات لتسد حاجات شعبها؟ بريطانيا وفرنسا وألمانيا وهي الدول الرأسمالية الكلاسيكية ليست في حال أفضل. ويدعي هذا الغبي أن الولايات المتحدة احتلت العراق لتتخلص من أزمتها وهو لا يعلم أن أزمة النظام الرأسمالي تتمثل في فائض الإنتاج في السوق المحلي في حين أن الولايات المتحدة تعاني من نقص في الإنتاج. ألا تكفي مثل هذه الحقائق الدامغة لأن تضرب أغبياء الشيوعيين بشكل خاص رؤوسهم بالحائط حتى تسيل الدماء من رؤوسهم فتسحب معها شيئاً من الغباء المعشش فيها.
ليس غريباً أن تخون الفطنة مثل هذا الغبي إذ يعارض حجتي بحجتي فيقول ما أقول.. quot; أما مسألة الطبقة الوسطى التي لطالما أتحفنا بها المجدد فما هي سوى طبقة يعمل الرأسماليين على توسيعها كلما اشتد التناقض بين العمال وأرباب العمل وهي أصلا مصدر التحرفية quot; ـ الأخطاء اللغوية للكاتب. رغم كل الخلال في هذا القول إلا أنه يتساوق مع ما وجدته في quot; إعلان رامبوييه quot;. لم يجد قادة الدول الرأسمالية الخمسة الكبرى من علاج لنظامهم الرأسمالي المحتضر سوى استبداله دون وعي منهم بالإقتصاد الإستهلاكي الذي قضى نهائيا على النظام الرأسمالي وأشاع بالمقابل الإنتاج الوضيع، إنتاج الطبقة الوسطى. تم استبدال الإقتصاد الرأسمالي بإقتصاد الطبقة الوسطى دون وعي من قادة النظام الرأسمالي وكان بهدف إنقاذ النظام وليس تبريداً للتناقض مع الطبقة العاملة. لقد حرص الرأسماليون عبر تاريخ النظام الرأسمالي ألا يسمحوا بتنامي الطبقة الوسطى لأن من شأن ذلك أن يثقل على دورة الإنتاج وينعكس ذلك في تحديد الأرباح.
لن يستطيع الأذكياء نقض أطروحتنا، ناهيك عن الأغبياء، ما لم يثبتوا بالدليل الحسّي والنظري أن إنتاج الخدمات الذي تساوي كتلته 75% من كتلة مجمل الإنتاج القومي في مجموع الدول الرأسمالية سابقاً هو من نمط الإنتاج الرأسمالي. لئن استطاعوا ذلك فلن يتبقى لنا إلا التخلي عن ماركس والماركسية. الفروق بين الإنتاج السلعي الرأسمالي وبين الإنتاج الخدمي غير الرأسمالي هي بيّنة لكل ذي لب، أي ليس الأغبياء، كما شرحناها في كتابنا quot; جديد الإقتصاد السياسي quot; المنشور في موقعنا.
quot; الشيوعيون quot; الأغبياء يشيرون إلى لينين وماركس عندما يفلسون وتحوجهم معلوماتهم القليلة لمناقشة معظم القضايا بشيء من العقلانية. فالسيد الذي تهجم علينا بغير علم اقتطف مقالة مطولة للينين وهو لا يعلم ما في المقالة وليتبين القراء مثل هذا الضرب من الغباء فليعودوا إلى المقالة ليتبينوا كيف أن لينين رأى في الإنتاج الصغير وهو نمط إنتاج الطبقة الوسطى عائقاً قويّاً للتقدم وهو ما نقوله اليوم في سائر أطروحاتنا محذرين من نمط إنتاج الطبقة الوسطى، إنتاج الخدمات، الذي لم يعد عائقاً قوياً للتقدم فقط بل غولاً يفترس بوحشية غير مسبوقة البروليتاريا العالمية. وهو في كل الأحوال نظام كسيح غير قادر على الوقوف على قدمية والعملى كي يعتاش الناس على إنتاجه. استمر لعقدين وقد يستمر لثلاثة عقود ليس أكثر بسبب الثروات الضخمة التي وفرها النظام الرأسمالي خلال ثلاثة قرون سابقة.
مصيبتنا أن الشيوعيين العراقيين هم من أكثر الشيوعيين العرب الذين تشيعوا ـ أصبحوا شيوعيين وليس شيعيين ـ بدون ماركس. لذلك تنمى إليهم الإنهيارات العديدة في الحركة الشيوعية العالمية. تقاعسوا عن استلام السلطة فيما بعد ثورة تموز مباشرة وصدعوا لأوامر قائدهم خروتشوف الذي ارتعد خوفاً من مواجهة النمر الأمريكي. تلك كانت نقطة الإنحدار للخط البياني الصاعد للثورة الإشتراكية العالمية. ولعل هذا السيد الذي يشتمني اليوم بصوت عال هو من الذين خانوا الثورة وأنزلوا هزيمة مخزية بالبروليتاريا العالمية؛ ثم من باب تعويض ما لا يعوّض يتفاخر اليوم بعصابات إرهابية لا مستقبل لها تتخفى بلبوس شيوعي. لست أنا من يلغي التناقض بين الطبقات غير القابل للإلغاء. عندما نادى قائدكم الغبي، خروتشوف، عام 1959 في المؤتمر العام الإستثنائي الحادي والعشرين للحزب الشيوعي السوفياتي بإلغاء الصراع الطبقي في المجتمع السوفياتي رفعت حينها الصوت عالياً ضد خروتشوف وهرطقاته محذراً من أن الإتحاد السوفياتي سينهار في العام 1990 بسبب تلك السياسة الغبية الخرقاء فكان من نصيبي الفصل من الحزب. أين كنت آنذاك أيها quot; الشيوعي quot; الغبي؟ وماذا قلت بالمناسبة؟ هل استنكرت خروتشوف مثلي آنذاك؟ ـ ها أنت تقول بالبورجوازية الصغيرة الخروتشوفية وقد سرني ذلك كثيراً لأنك تقول هذا من بعدي. أما أن الرأسمالية بعثت نفسها من جديد في الصين وروسيا كما تقول فذلك من هذر الأغبياء، حيث أن النظام الرأسمالي مثله مثل الكائن العضوي ينمو عبر سلسلة طويلة من التفاعلات العضوية تستغرق قرناً أو أكثر، وفي صدر القرن العشرين أو حتى قبل ذلك قامت القطيعة الرأسمالية فما بالك في نهاية القرن وبعد أن انهار النظام الرأسمالي انهياراً تاماً في سبعينيات القرن الماضي وفي قلاعه الكلاسيكية. ليس من مستقبل في روسيا وفي الصين لأي نظام رأسمالي على الإطلاق.
في النهاية أود أن أؤكد أنني لا أهتم بالشتائم أدنى اهتمام، ما أهتم به فعلا هو النقد الجاد الذي يجسد فكراً يستحق المناقشة فإن في ذلك وقوداً إضافياً في منارة الماركسية، المنارة الوحيدة المضيئة في هذا العالم المظلم. وأما ما كتبت أعلاه فكان لأبين للعامة أن الغباء لا يتقارب مع العلوم الماركسية على الإطلاق. حبذا لو يترك كل الأغبياء الأحزاب الشيوعية طوعاً من باب خدمة الحركة الشيوعية، وإلا فليقرءوا ماركس ولينين جيداً قبل أن يكتبوا، إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا بعد أن يحسنوا لغتهم العربية المعيبة.
التعليقات