اغمس قلمك في الماء.. لن تستطيع أن تكتب!
اغسل وجهك بالحبر.. لن تستطيع أن ترى!!
هذه هي مشكلتنا الحقيقية بين من يملأ الورق كلمات لكنها ليست كالكلمات، كتبت بالماء، بلا لون أو طعم أو رائحة، يملئون أقلامهم بالماء ويغسلون وجوههم بالحبر كي لا يرون الحقيقة كما هي.
هناك مسؤولية اجتماعية واخلاقية للكاتب يجب أن لا يتجاهلها أو أن يتساهل بها.
إلعق ذاكرتك، ارم همومك ورائك.. لكن تذكر أن همومك هي همومنا.. ومأساتك هي واقعنا الذي نعيشه ونحياه يوميا.. تذكر أننا تعاهدنا على أن نكون نسيج واحد.. وكيان واحد، كالبنيان المرصوص.. تذكر أننا أقسمنا أن نكون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له باقي الجسد بالسهر والحمى.. تذكر أننا سكنا هذه الأرض معنا.. وأحببناه معا.. وسرنا في شوارعها.. وشهدنا نهضتها.. وعشنا أزماتها.. وتذكر إنك تتخلى عنها حين بدأت تذبل وتشيخ.. تتخلى عنها حين أردت أن تكتب بالماء، وأن تغسل وجهك بالحبر كي لا ترى ما يحدث!!
عندما تغسل وجهك بالحبر لن ترى المشاكل التي نراها، ولن تسمع عن الأزمات مثلما نسمع، ولن تشعر بالكارثة المحيطة بك مثلما نشعر.. وبالتأكيد ستغمس قلمك بالماء لتكتب عن دنيا ورديه غير التي نعيشها.
عندما تغسل وجهك بالحبر ستصبح مثل الدكتورة معصومة المبارك وزيرة الصحة سترى مستشفيات الكويت أفضل من أمريكا وبريطانيا، وترى أن المواطن الكويتي أصبح مرفها الى درجة لا يمكن تحملها.
أو قد تصبح مثل عبدالله المحيلبي وزير الاعلام الذي يريد أن يضحك علينا بأنه لا يعرف من وضع إعلان الأهرام مثلما يدعي في تصريحه لجريدة القبس، وأن قرار اغلاق المكاتب الاعلامية في الخارج جاء برغبة من مجلس الوزراء وليس قراره.. وأن الاعلام الكويتي الرسمي في تطور ونمو.
عندما تغسل وجهك بالحبر لن تشعر بالأسى.. ولن يفرق معك أن يحتل منتخب الكويت الرياضي المرتبة الأخيرة.. أو أن يهبط مستوى الفن.. أو أن تهاجر العقول الكويتية الشابة في مجالات عديدة إلى الخارج تبحث لها عن فرص للنجاح والانطلاق.. ووقتها أيضا لن تشعر بالأسى عندما تقرأ أن جامعة الكويت احتلت المرتبة الألفين أو الثلاث آلاف من حيث الأهمية والجودة.. وأن التعليم في الكويت في انحدار وتخلف.. وأن التنمية والتخطيط شعار نرفعه وقت اللزوم دون رغبة حقيقية في تنفيذ تلك الخطط التي تملأ الأدراج.. ولن يضيق صدرك اذا علمت أن مستوى كفاءة الموظف الكويتي حسب التقارير العالمية في مرتبة متأخرة.. وأن البلد غارق في بحر من الصراع بين الاقطاب السياسيية، وبين الحكومة والبرلمان.. وأن ممثلي الأمة من الأعضاء لا هم لهم سوى تصيد الأخطاء.. وتبادل المنافع.. وتحقيق المكاسب الشخصية.. وأن السادة الوزراء.. جل همهم البقاء أكبر مدة ممكنه على كرسي الوزارة.. ووقتها أيضا لن تهتم بمتابعة تصريحات المسؤولين المتعلقة بالشفافية والاصلاح ومحاربة الفساد.. ولن تدقق كثيرا في رؤية ما ينغص عليك يومك، ويعكر صفو مزاجك.
حين تغسل وجهك صباحا بالحبر.. لت تستطيع أن تفتح عينك لترى ما وصلنا إليه من سوء الحال.. فتمسك بقلمك وتملؤه بالماء لتكتب ما تكتب من شخابيط وخزعبلات.. وقانا الله واياكم سوءها.. ودمتم سالمين.
[email protected]