تعتبر دراسة الشان الفلسطيني من اهم القضايا التي توليها اسرائيل اهتماما يكاد يشمل كافة مناحي الحياة الفلسطينية بادق تفصيلاتها وهوامشها. وهذه الدراسة هي ليست موضوعا اعلاميا فحسب، بل منهجا علميا تجريبيا يقوم على التحليل والدراسة ورسم المخططات والسياسات المستقبلية والعمل على انجازها، وهي بالتالي سياسة ممنهجه وان كان فيها ما يوصف بردود الافعال الآنية، والتي تاتي في اطار الحيز الافتراضي لسياسات المواجهة وردود الافعال وهوامشها، مما يعني انها كذلك سياسه تقوم على فلسفة البحث التجريبي ومادام الامر كذلك فان أي موقف اسرائيلي ازاء الشعب الفلسطيني وان كان يقدم طرفًا على اخر او يبدو كذلك، فانه باتجاه واحد ومرهون بالمطلق بما يلبي من مصالح لاسرائيل وان بدا لاي منا خلاف ذلك.
من المؤسف انه وفي زحمة الارهاصات في الشارع الفلسطيني ان نجد الحقيقة في ثنايا المواقف والاتجاهات الاسرائيلية المختلفة في موضوعنا، وذلك لاننا كمتعاطي سياسه واكاديميين بما لدينا من مراكز ابحاث وجامعات وكوادر قد غيبنا او تغيبنا بالمطلق عن احداث التغيير المطلوب، وبالتالي عن الثورة المطلوبة على الساحة الفلسطينية بهدف تغيير مسار الاحداث وتفاعلاتها الى الحد الذي وصلت اليه، وما يمكن ان تصل اليه في المستقبل، لاننا وببساطة نتعرض للقمع ولسنا احرارا، فمواقفنا بين النتقدة وردود افعالنا خجوله بسبب الاقصاء المتعمد والمنظم من النخبة السياسية الفلسطينية في كل اتجاهاتها ومشاربها الفكرية والوطنية، هذه النخبة التي تحتكر لنفسها المواقع، حنى بلغ ببعضهم الاعياء لهول ما يحمل من مسميات وظيفيه او وصفيه الى الحد الذي اصبح فيه هؤلاء كمن يحمل اصفارا.في حين يعتبر التيار النخبوي في اسرائيل تنظيما قائما بحد ذاته، يحرك السياسات، ويتخذ المواقف، وهذه الفئة هي في الواقع من يتربع على عرش مراكز الابحاث والدراسات ويشكلون بذلك الاطار الاكثر تأثيرا في اسرائيل، بل والمهيمن الحقيقي على كل مناحي الحياة فيها حيث لا
ارتجال او عفوية في المواقف الاسرائيلية بالمطلق.
ومع هول المفارقة والتباين بين الحالتين، الا ان الشعب الفلسطيني ادرك ويدرك ما كانت ستؤول اليه الاحداث في غزة والضفة، لحقيقة تعاطي الشعب الفلسطيني الموضوع السياسي برمته بل وفي الكثير من المواقف كانت الجماهير الفلسطينية هي من يحدد بوصلة الفعل السياسي للتنظيمات الوطنية على اختلافها، بمواقفها البريئة والشجاعة، الا ان هذه الصورة قد افلت بعد اتفاق اوسلو وقدوم السلطة، لان قيادة الفعل قد صودرت من الجماهير لصالح القوى والتيارات المتنفذه، وتم احتكار مواقف الناس ورهنها بالمصالح، مما يعني ان الانتخابات التشريعية القادمة غدت محسومة النتائج لان لسان حال النظام الجديد يقوم على المصلحة واجتثاث الروح العقائدية للشعوب ايا كانت، فالحديث هنا ليس عن الدين فحسب، وانما عن القيم والاخلاق والثوابت وخلافه. ونحن اذ لا نبشر بخير، انما نحذر كل من له علاقة في الشأن الفلسطيني وبغض النظر عن صفة هذا اللاعب وغيره، ان يدرك فحوى واتجاه التغير القادم في الاوساط الفلسطينية الذي اصبح يتجه نحو البنية العشائرية والقبلية، اكثر مما هو سياسة وغير ذلك طالما فقد الناس الثقة باطراف الصراع الداخلي على الساحة
الفلسطينية. ان الشعب الفلسطيني صانع سياسه بسبب غياب التيار النخبوي القادر على قيادته وبالتالي توجيهه، وفي اسوأ الاحوال يقف الشعب موقف المتفرج المتألم او اللا مبالي والمكتئب وفي مرحلة اخرى الشعب المنتفض في لحظة يظنه البعض فيها قد انتهى واحكمت السيطرة عليه او تطويعه.
اما الاسرائيليون فهم متعاطو سياسه تملى عليهم وتحدد لهم الاتجاهات التي يروج لها من قبل اذرع النخبة في اسرائيل.فهؤلاء يسهل ضبطهم والتحكم في اتجاهاتهم، في حين لا يمكن السيطرة على المواقف الشعبية الفلسطينية، ولا يمكن ان يدعي أي كان قدرته على احتوائهم، وعليه فان اية سياسات قادمة ستكون دون ادنى شك محاولات لن تجلب غير المزيد من الدمار والدماء.
اعلنت اسرائيل موقفها السياسي الداعم لحكومة الطوارئ دون تردد، ومن اطلع على الاعلام الاسرائيلي ادرك دون ادنى شك مغزى الاتجاهات الاخرى التي تدعو الحكومة الى التريث واعطاء فرصة لكابوس حماس في غزة للتعبير عن حاله، ليس دعما لحماس وانما لدراسة تفاعلات هذا الحدث وابعاده على قاعدة البحث العلمي ودراسة الاحداث.
ان المصلحة هي معيار ثابت في السياسه الاسرائيلية، والمتغير فيها ليس الا عنصرا في معادلة ذات نتائج تعود عليها بالفائدة. نحن دون مستوى المواجهة السياسية او العسكرية مع اسرائيل، اننا اقل بكثير من موقع القادر على رسم السياسات وتنفيذ الخطط وانجاز الاهداف التي توازي الفعل الاسرائيلي وسياساته الهادفة، ونحن دون ادنى شك لسنا اكثر من نقطة على هامش السياسه الدولية في هذا الوقت بالذات الذي نسعى فيه ان نكون مجرد موضوع سياسي مثار على الساحة الاقليمية والدولية.ولكننا رغم كل ما سبق نشكل طرفا في معادلة كانت ولا تزال الصخرة التي تتحطم عليها الاحلام والمخططات ايا كان مصدرها.ولهذا فان العنصر الاهم والوحيد الذي يجب ان نراهن عليه هو الشعب الفلسطيني، لان الاحتلال الحقيقي هو الوهن الذي يصيب القلوب والعقول، ولم يكن ابدا مسألة تتعلق بالحدود والخطوط الحمراء. حيث لا يجب ان نراهن على سراب الارادة وانما العمل على خلقها وتأسيسها في النفوس. لقد انحسرت العفوية وتردى الفعل الثوري، وما يحصل على ارض الواقع من جرائم هي في الواقع جنايات ارتكبت بحق كل مواطن بصفته وشخصه، فمن يسمع شكوى الناس يدرك حجم وهول ما ابتلينا به.
لابد وان ينتصر صوت العقل، حيث لا ينفعنا تدفق سيل الاتهامات المتبادلة عبر وسائل اعلامنا الفصائلية، التي تأتي على قضايا تقشعر لها الابدان، فالناس على حافة فقدان التوازن ولا حاجة لصب الزيت على النار المتقدة. انها معادلة اولي الشأن، فمن كان في بوصلته خلل فليدرك ان البوصلة الفلسطينية لا تشير الا لاتجاه واحد، فان انحرفت فالبوصله وحاملها ومن توجه ماضية الى حتمية الكارثة. من السخف ان نطالب ذوي المصالح والاتجاهات الدولية برفع ايديهم عن الشعب الفلسطيني، فلو اجتمعت كل اجهزة المخابرات في العالم لكي تحيك في هذا البلد فسادا، لما نجحوا باكثر مما نجحنا نحن بافساده وبايدينا، فكيف يعقل ان نكون ادوات؟ وهل يعقل ان نكون كذلك؟. اية مصالح فلسطينية سنلبي فيما حدث وما سيحدث، افلا يسمع اول الشأن حقيقة ما يقوله البسطاء من الناس ممن يعبرون عن حقيقة ما يجري. انزلوا اطراف الصراع الى الشارع دون كاميرات ودون مرافقين ملثمين مدججين بالسلاح واطلعوا على المواقف الحقيقية لخلق الله، حينها فقط تدركون ان مستشاريكم السياسيين والاعلاميين وان بطانتكم المقربة، هم اشبه بمسيلمة الكذاب كل بشخصه واسمه.انتم المسؤولون عن امتهان كرامتنا ولقمة عيشنا، فلسنا بغلة تعثرت بالعراق، بل بشرا يقتلون في اوطانهم، اعراضا تنتهك وكرامات تسحق وتاريخاً يزور. ان الشعب الفلسطيني قادرا على تمييز الغث من السمين والصالح من الطالح. وان اهلنا في الضفة الغربية ببنيتها العشائرية واواصر الترابط الاسري والعائلي فيها سيحولون دون شك من التورط في هذه الفتنه التي ستأتي على الاخضر و اليابس، لان السطر الاخير في موضوعنا انما هو تأسيس قناعه اقيليمة ودوليه وشعبية فلسطينية، على اننا غير مؤهلين لحكم انفسنا، وعندها سنكون على قناعة بقبول خيارات اخرى، او الرضوخ لحقيقة فرض الحلول علينا من طرف واحد.لا ينفعنا ان نبرئ طرفاً ونتهم اخر، حيث اننا اشبه بمن يهرب من نار مشتعله في حقل شوك كثيف، لا يستطيع التقاط انفاسه لحظه ولا يملك الجرأه لينظر ما اكلت النار خلفه.