انعقد المؤتمر العام الثاني لجبهة الخلاص الوطني في سورية في برلين في ظروف داخلية خطيرة ومبهمة وبائسة على مستوى سورية، وفي ظروف أكثر منها خطورة ومجهول على مستوى المنطقة، وفي ظل هذه الأحداث المتلاطمة جاء مؤتمر الجبهة محطة وطنية لتحديد موقفها الخاص المتعلق بالتغيير الديموقراطي في سورية،والعام المتعلق بمايجري في المنطقة من ترتيبات بعضها تكتيكية يتعلق بتفكيك بعض الموجودات وبعضها الآخر استراتيجي متعلق بتركيب جديد لأجزاء المنطقة في صورة مشاريع جديدة وربما تكوينات جديدة تبنى على ركام وخراب ودمار لم تشهده المنطقة والبشرية منذ الحرب العالمية الثانية، في هذه المحددات المربكة قالت جبهة الخلاص الوطني كلمتها بوضوح وعلى كافة المستويات، فماالجديد الذي قاله مؤتمر جبهة الخلاص في برلين؟.
في قراءة متأنية للتقرير السياسي وخطة تحرك الجبهة ورؤيتها المستقبلية والبيان الختامي كرزمة من الأهداف والبرامج والآليات والخطط التي سوف تتحرك عليها الجبهة على المسار الداخلي والعربي والدولي وبعنوان واضح هو التغيير الديموقراطي في سورية من حيث هو الخيار الوحيد الذي ينقذ الشعب السوري من نفق النظام المظلم ومن فوضى المحيط الإقليمي ومن حالة الفراغ السياسي العام الذي يلف المنطقة دولاً وشعوباً وأحزاباً بما يشبه الشلل العام واستلاب الإرادة وعدم القدرة على الفعل والتأثير في مجريات الأحداث،والفوضى الرهيبة تنتقل من طور إلى طور آخرأسوا منه، ولازال النظام السوري يواجه تلك المستحقات بمزيد من العجز ومزيد من القمع ومصادرة الحريات وتجويع الشعب والرد اللفظي على أحداث خطيرة منها التهديد المباشر وانتهاك الأجواء السورية مرات ومرات، ومنها استمرار تدخله في الشؤون اللبنانية وتفجير الوضع ليحصر لبنان في عنق الزجاجة سياسياً وقانونياً وحكومياً، ومنها استمرار تلاعبه في الوضع الشاذ في العراق وفلسطين، ومنها زعزعة التضامن العربي وحرق كل مراكبه العربية وتربعه في البارجة الإيرانية النووية واهماً أنها الترس الذي يحميه من سهام عديدة أكثرها من صنع يديه ويصر على توجيهها إلى الشعب السوري،ولم يدرك بعد أن طريق الخروج مما هو فيه أصبح استحقاقاً اجبارياً لازال يملك فرصة الخيار فيه، الخيار الذي أصبح في آخر لحظاته حيث يتوجب عليه دفع ضريبة الغباء وفقدان العقلانية والحد الأدنى من المسؤولية التاريخية أمام الشعب وأمام خطورة تطورات ومفاجآت مجهولة تحيط بالجميع.
وعليه كان الجديد الواضح الأول هو في بنية الجبهة من خلال العديد من التشكيلات والأحزاب والحركات الجديدة وبهويات سياسية مختلفة انضمت إلى الجبهة وأعطتها بعداً وطنياً وأهلياً أفقياً يعكس قدراً كبيراً من الوضع الإجتماعي والسياسي السوري على مستوى الداخل، ويعكس توسع جغرافي على مستوى الخارج حيث يتواجد آلاف السوريون المعارضون للنظام،اللذين بدأوا بتواتر في المشاركة والحوار على طريق تعميق الخط الديموقراطي الذي تصر جبهة الخلاص على أن يكون هو عنوان التغيير القادم، والجديد الثاني هو في طبيعة الحوارات البناءة التي جرت في جلسات المؤتمر رغم ماتخللها من بعض السخونة حول بعض الموضوعات الحقوقية والسياسية والتي غلبت عليها النقاشات الصريحة والمباشرة، كانت نقطة الخلاف فيها هو حداثة التجربة الديموقراطية لكل الأطراف المشاركة وتحرك بعض الأطراف في سقف مطلبي نهائي عالي أحادي،والجديد الثالث هو تعميق مطلب التغيير الديموقراطي المستقل الذي يدرك تماماً تأثير التقاطعات الداخلية والخارجية في أية عملية تغيير حدثت وتحدث في العالم، وعليه حدد المؤتمر الخطوط الأساسية للعلاقة مع الخارج وضرورة رفع الغطاء عن النظام السوري ومساعدة الشعب السوري للتخلص من أعتى النظم الفردية في العصر الحديث، والجديد الرابع وهو الأهم هو نقل محور حركة الجبهة إلى داخل سورية عبر رؤية واقعية عقلانية تدريجية وفتح الحوار مع كافة أطراف المعارضة في الداخل لتجذير موقفها من التغيير والإرتقاء إلى موقف مشترك موحد على أرضية المطلب الديموقراطي للحفاظ على الأمن والسلم الأهلي وكسر حاجز الخوف والإنتقال إلى التعبئة الميدانية العامة باتجاه التغيير.
ولعل الوثائق والتقارير التي أقرها المؤتمر تعكس بوضوح كبير رؤية الجبهة للوضع الداخلي في سورية ومستوى التدهور العام الذي أوصل النظام الشعب إليه ومعرفة دقيقة بطبيعة النظام ومفاصله وعتلات قوته ونقاط ضعفه على مستوى بنيته الداخلية ومحيطها من دوائر الفساد والنهب والمصالح وأشرت بوضوح حالة التفسخ في تلك الحلقات بمايشبه انفراط الروابط السياسية وطغيان صلات المصالح التي بدأت الحلقات الرئيسية في النظام تشعر بخوفها من التغيير و هنا بالضبط دعت الجبهة إلى تنفيذ خطة تتمكن فيها من اختراق النظام من الداخل يترافق مع تعبئة ميدانية شعبية عامة ضاغطة على النظام لحصره في خيار وحيد هو تسليم السلطة للشعب أو مواجهة استحقاقات واقعة لامحالة تطال النظام كله ورموزه التي أهانت الشعب وكرامته وجوعته وأفقرته وانتجت حالة الوهن العام في سورية وعزلتها عربياً وأضعفتها في مواجهة ظروف إقليمية ودولية مما وضعها في دائرة الخطر الحقيقي.
ولاشك أن هناك بعض المواضيع التي يطرحها البعض خارج الجبهة للتشويش على عملها وعلى طبيعة الحوار المفتوح (360) درجة بين أطرافها بهدف تجزئة الهدف وشحن الحوار بمفردات جزئية لعزلها عن الهدف العام الذي التقت عليه كافة أطرافها وهو هدف التغيير، وفي حين تعمل كافة أطراف الجبهة التحرك حول هذا المحور الأساسي وتعشيق كافة القضايا والمشاكل الوطنية والسياسية والحقوقية لكافة شرائح الشعب السوري في إطار الوحدة الوطنية،وهذا عكس على المؤتمرين حركية معينة أدت إلى توافق كافة الأطراف على التحرك ضمن المساحة المشتركة وتوسيعها بالحوار والفهم والتفاعل والقبول المتبادل والإقرار ببناء دولة مدنية ديموقراطية أساسها المساواة في الحقوق والواجبات وتجنب الوقوع في فخ المحاصصة والشراكة الفئوية، بل على طريق تعميق الإنتماء لوطن وشعب وتاريخ وثقافة، وتجنب الجدل البيزنطي حول كلمة هنا ومصطلح هناك، الذي لايسقط نظام ولايوصل لحق ويشوه الحوار ويلغي التواصل ويعمق القطيعة بين الأطراف الوطنية، هنا ظهرت بعض الإشكاليات التي لايعكسها الواقع الإجتماعي الميداني في سورية بقدر ماهي إفرازات لوضع إقليمي شاذ سياسياً وحقوقياً واجتماعياً، قسم منها محمول على حداثة لفظية بعيدة عن تاريخ وغليان الشارع السوري وتناقضاته، والقسم الآخر يتحسس مايجري في المحيط الإقليمي من تفتيت لنسيج شعب ومسخ ثقافة أمة وتضييع هويتها،وعليه كان هناك قصور في فهم طبيعة تناقضات المرحلة واختلاط مطاليبها، والحوار المسؤول وحده هو القادر على إنتاج المشروع الوطني الديموقراطي حيث هو مطلب الجميع.
كثير من الأمور على مستوى المحيط الإقليمي حسمها المؤتمر برؤية فكرية وسياسية واضحة وعميقة وخاصة علاقة سورية مع محيطها العربي والإسلامي ودور النظام في محاولة تكسير روابط سورية مع الدول العربية وربطها بالستراتيجية الإيرانية التي حللتها الجبهة بشكل علمي صحيح وحددتها بشكل واضح رؤية الجبهة لسورية المستقبل وهناك اجماع من كافة الأطراف على ذلك و ربما على الجبهة ومكوناتها الكثير عمله على مستوى الحوار البيني على طريق حسم الموقف السياسي على كافة الأمور المطروحة وتكبير مساحة الفعل، على قاعدة الكثير من التفاهم وإقرار متبادل للحقوق وقليل من اللعب السياسي في ملعب إقليمي هو ليس من صنعها وليس من اختيارها الآن.
د.نصر حسن
التعليقات