عندما يحل سياسي أو إعلامي على كردستان ضيفا، وما أكثر الضيوف هذه الأيام سواء الوافدة بدعوات من حكومتنا الرشيدة و( ما أكثرها )، أو الذي يزورها ضمن وفود رسمية قادمة من بلدان مختلفة، فإن حكومتنا الرشيدة تبادر بكرم حاتمي بإستضافته على حسابها ( من حصة مواطني الإقليم 17% من ميزانية الدولة العراقية)، فتنزل الضيف المحبوب في فندق الشيراتون ( خمس نجوم) في أربيل، أو في فندق السليمانية بالاس ( خمس نجوم ) في السليمانية، وتحيطه بعدد من المرافقين ( سواق وحماية ومشرفهم ) مهمتهم السهر على راحة الضيف الكريم طيلة أيام زيارته الشريفة الى دولة كردستان الحرة الديمقراطية العظمى؟؟!!.


ويأخذ السيد المشرف هؤلاء الضيوف الذين ينزلون عادة في الفنادق الفخمة التي تضاهي خدماتها خدمات الفنادق العالمية الأخرى وكل شيء فيها بالدولار، الى مكاتب الوزراء التي لا تختلف عن مكاتب وزراء بريطانيين أو سويسريين أو هولنديين، ثم يتجول بهم في المرافق السياحية الجميلة والأحياء الراقية لتكوين إنطباع إيجابي عند هؤلاء الضيوف عن مدى الرقي والتقدم الذي يشهده الإقليم من كافة النواحي!!!.. فيخرج هؤلاء من زيارتهم مرتاحي البال بما يجري في الإقليم من تطورات إيجابية ومن بناء إقتصادي وعمراني متقدم لا تقل عن الرقي والعمران في أفضل الدول الأوروبية فتلهج ألسنتهم بالشكر والعرفان لحسن الضيافة والكرم والجود، وطبعا للإعجاب بالحكومة الرشيدة باني النهضة العمرانية والإقتصادية في كردستان؟؟!!.
وطبعا لا يتحدث المضيفون الى ضيوفهم الكرام عن أزمة الوقود ( بالمناسبة نسيت أن أذكر من ضمن مكارم الضيافة الحاتمية تجهيز سيارات الضيوف بالوقود المحسن على حساب وزارة المالية الإقليمية) وهي الأزمة التي تستشري في الإقليم بشكل مرعب منذ سنتين، حيث يشتري المواطن الكردي 10 لترات من البنزين من أردأ النوعيات بمبلغ 10 دولارات؟!. ولا يكشفون للضيف المحترم أيضا الحصة الحكومية المخصصة لسيارات المواطنين بواقع 30 لتر من البنزين كل اسبوعين بمعدل لترين لليوم الواحد ( ويا لها من كرم حاتمي) مع المواطنين؟!..


كما لا يأخذ السواق وأفراد الحماية المرافقة الضيف الكريم الى أحياء مدينة أربيل أو السليمانية القديمة وكيف أن مياه المجاري تختلط مع مياه الشرب فيها فتؤدي الى وقوع كوارث إنسانية بإنتشار الأوبئة والأمراض آخرها وباء الكوليرا الممحو من الخارطة العراقية منذ خمسينات القرن الماضي؟؟!!..
وطبعا لا يتحدث السيد وزير الموارد الطبيعية ( وزير النفط الكردي) عند زيارة الوفد له، عن حصة المواطن الكردي من مادة النفط الأبيض للتدفئة والبالغة برميل واحد في السنة؟. ولا يتطرق السيد الوزير الذي تحدى العالم كله لتشريع قانون النفط والغاز في الإقليم بهدف توزيع الموارد النفطية على المواطنين، الى سعر برميل النفط الأبيض في الأسواق المحلية التي تفوق 250 دولارا في الوقت الذي يحوم البلد على بحر من النفط ويباع برميل النفط الخام في الأسواق العالمية بـ 70 دولارا؟؟!


يأتي الضيف ويعود الى دياره لينقل إنطباعا إيجابيا عن إقليم كردستان، فيما سيدبج الضيوف الإعلاميين من الكتاب والصحفيين ( وما أكثرهم ) مقالات في صحفهم وقنواتهم وهي تؤكد أن ( دار السيد مأمونة)؟! وأن كردستان تستحق أن تكون دولة مستقلة لأن كل شيء فيها تمام التمام؟!!.. ولا أعرف لماذا أشتم رائحة كوبونات نفطية في كل ما أقرأه من مقالات من هذا النوع في الصحف العربية أو أسمع من أحاديث في القنوات الإعلامية..
هذا فيما يتعلق بالوافدين الى الإقليم، أما فيما يتعلق بالخطاب الإعلامي المخادع الذي نسوقه للخارج، فالمصيبة أعظم وأفدح..


يتحدث قادتنا الكرام عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، ولكن هذه الديمقراطية والحقوق والحريات لم تشمل رئيس الكتلة الخضراء في البرلمان الكردستاني الذي أبدى معارضة خفيفة لعملية الإسراع في سن قانون النفط والغاز في البرلمان بحجة عدم وجود وقت كاف للتشاور مع المختصين في المجال النفطي قبل عرض المشروع على البرلمان، فيطاح به ويطرد من رئاسة الكتلة بسبب هذا الموقف؟؟!!.
وتلك الديمقراطية والحريات المدنية والإعلامية لم تشمل أيضا عارف قورباني الصحفي الكردي الذي تحدث في ندوة تلفزيونية عن الفساد المستشري في عموم كردستان، فقطع رزقه وطرد شر طردة من وظيفته لأنه تجرأ بالحديث عن الفساد المستشري في الإقليم؟؟!!!.


وفي الوقت الذي إستبشر فيه الصحفيين وكاتب السطور من أحدهم بإصدار قانون تنظيم العمل الصحفي الذي هو القانون الوحيد الذي لا يتجرأ البرلمان الكردستاني عل مناقشته منذ أكثر من سنة، والذي يتيح حرية التحرك أمام الصحفي لنقل الحقائق، يأتي الحزبان الكرديان متقطعي الأنفاس يلهثان وراء عقد سلسلة من الإجتماعات على أعلى المستويات لوأد الحرية النسبية المتاحة أمام الكاتب والصحفي الكردي، ويتراجعان في وضح النهار عن تعهداتهما وإلتزاماتهما المعلنة بالسير نحو الديمقراطية ومأسسة الدولة، ويعلنان توجههما الى إصدار بعض القرارات المقيدة للحريات الصحفية تحت ذريعة ( الفوضى) الإعلامية تحت تأثير بعض الإنتقادات الموجهة الى إدارة الإقليم فيما يتعلق بالفساد الضارب جذوره في كردستان؟!.


لقد قدم الشعب الكردستاني أنهارا من الدماء على طريق الخلاص من الأنظمة الدكتاتورية،وقوافل تلو القوافل من الشهداء في سبيل التحرر الذي يفترض وفق كل قوانين الأرض والسماء أن يجني هذا الشعب ثماره اليوم وقد تخلص من أبشع دكتاتوريات الأرض ويدير إقليمه بمفرده بعيدا عن قبضات الدكتاتورية، فهل من الإنصاف أن يسعى البعض من القائمين على هذا الشعب الى إعادة الأمور الى الوراء والإستهانة بدماء مئات الألوف من الشباب الكردي على مذبح الحرية والإستقلال؟؟!!.. بأي حق يحاول هؤلاء مصادرة أحد أجمل الإشياء المتحققة بعد زوال الدكتاتورية في كردستان، ألا وهي الحرية التي طالما تطلع إليها الشعب الكردستاني وإسترخص الدماء القانية من أجلها؟؟!!..


كردستان جميلة بحرياتها، فلماذا يشوهون ذلك الجمال الفتان بصب ماء النار على وجهها لتتحول الى مسخ كريه المنظر لا تقل بشاعة عن الوجه الكالح للدكتاتورية الصدامية الزائلة؟؟؟!

شيرزاد شيخاني

[email protected]