التحدي الإرهابي هو اكبر خطر يواجهه العالم المتحضر لأنه يهدف إلى تقويض قيم التآخي والتلاحم التي أنتجتها الحضارة وأرست دعائمها المدنية الحديثة لإعادة البشرية إلى عهود التصارع والاقتتال التي كلفت البشرية الكثير من الآلام والجراح الأمر الذي يجعل من الضروري استنفار جميع الجهود لمواجهة هذا الوباء الذي يهدد بدمار المدنية ونسف تراثها الطويل فيما يجب على عالمنا الإسلامي خاصة اتخاذ موقف واضح من هذا الخطر حتى لا يقرن به أو ينسب إليه لكن قبل هذا علينا أن نعاين هذا الخطر لنفهم فحواه فهل هو استهداف للمدنيين؟! أم ضرب الآخرين لتحقيق مآرب خاصة أم استخدام العنف والتفنن فيه أم هو اعتماد وسيلة الغدر والضرب في الظهر تفاديا لمنازلة خصم قوي؟ وبالطبع فان الإرهاب هو كل هذا أي هو إسقاط للقيم الدينية والأخلاقية ونفي للمبادئ والأعراف البشرية لأنه يعيدنا إلى العصور الغابرة عندما كانت تتحكم بالإنسان الغرائز الحيوانية والنوازع البشرية الوحشية لكن أن يكون الإرهاب هدما لكل القيم الإنسانية فلماذا استشرى في منطقتنا دون سواها هل منطقتنا حاضنة طبيعية له؟

أم انه حالة طارئة ولّدها الصراع الحضاري مع الغرب. أن معرفة سبب تفشي الإرهاب في ربوع العالم الإسلامي لا يمكن أن تتم بدون دراسة وافية لتاريخ المجتمعات الإسلامية وتطورها عبر العصور لان الإسلام بمبادئه وقيمه الإنسانية يعارض هذا المنطق العنفي الهمجي الذي كان صفة ملازمة لفترة الجاهلية التي سبقت الإسلام مع إننا لا ننفي وقوع تجاوزات أثناء حملات الفتوح الإسلامية أو خلال الحكم الإسلامي إلا أن هذه التجاوزات لم تكن أكثر من حالات شاذة ومحدودة رغم ما لبعضها من فضاعة حيث كانت موضع استهجان من النخبة الواعية في المجتمع الإسلامي لكن مع ذلك علينا أن ندرك حقيقة مهمة وهي انه لا توجد ثوابت للسلوك البشري الذي تعومه الظروف والأحوال فيما لا يتلاشى السلوك القديم بل يبقى كامنا في النفس ليعود حين توقظه ظروف معينة وهذا ما يجعلنا نجد في أفعال الإرهابيين نظائر لما كان يفعله الإنسان البدائي لذا لا نجد للصراع مع الغرب أي اثر في بروز هذه الظاهرة لان هذا الصراع لم يكن جديدا إنما كان متواصلا خلال العصور الإسلامية الأولى سواء مع بيزنطة أو الفرنجة الصليبيين أو خلال حكم الدولة العثمانية وإذا كان للصراع مع الغرب من دور في ذلك فانه لايتعدى دورا تبريريا استخدمه الإرهابيون غطاءا لممارسة أفعالهم السادية التي لا علاقة لها بالإسلام لان الدافع الأساس للإرهاب ينطلق من الرغبة في البروز او إثبات الوجود من خلال مخالفة التيار على اعتبار أن التيار الموجود هو تيار الحضارة الغربية وان أي سائر فيه هو إما منصاع للغرب أو خاضع لهم وهو بذلك لا يجعل السائرين فيه مميزين بعكس ما يجري مع المناهضين له حيث تتسلط عليهم الأضواء التي تجعلهم بارزين كما هو الحال مع ( أسامة بن لادن ) زعيم تنظيم القاعدة حيث اختير اثر تفجير مبنى التجارة العالمي في نيويورك أهم رجل لعام 2001 والشيء ذاته حصل مع ( أبو مصعب الزرقاوي ) الذي أصبح شخصا بارزا ومعروفا في كل مكان وكل هذا بفضل هذا الأسلوب العنفي المبتكر الذي تستخدم فيه وسائل غير تقليدية كالسيارات المفخخة والانتحاريين الملغمين والذباحين والمغتصبين والمخربين حيث يستهدف كل شيء تقريبا دور العبادة، المدارس، المستشفيات، المطاعم، السواق والمرافق المدنية والمنشآت الاقتصادية، المهم قتل اكبر عدد ممكن من الناس بغض النظر عن جنسهم أو أعمارهم وهدر ملايين الدولارات العائدة للمجتمع. وبالطبع فان الإرهابيون يعمدون لأجل كسب الأتباع والمؤيدين إلى تغليف أهدافهم الحقيقية التي اشرنا إليها قبل قليل بأهداف إعلامية تمثل ركيزة خطابهم الخاص معتبرين الإرهاب نوعا من الجهاد مستدلين على ذلك بالآية التي تقول ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) متناسين أن لكل آية من آيات القرآن الكريم ظروفها الخاصة بها والتي يجب أخذها بالاعتبار عند تفسير نص الآية القرآنية ولذا نجد أن مضمون خطابهم يتضمن جملة من العناصر يمكن حصرها بالاتي:
1- لان هناك صراع حضاري وعقائدي بين الإسلام والغرب ولان هذا الصراع غير متكافئ بسبب امتلاك الغرب لناحية التكنولوجيا المتقدمة لذا يتطلب الأمر لتحقيق هزيمة الخصم المتفوق استخدام وسائل غير تقليدية من اجل زعزعته وتحطيمه.
2- الأهداف العسكرية الغربية بموجب هذا الخطاب لا تمثل أهدافا مفضلة بسبب حصانتها وقوتها إنما يستهدف الإرهاب بالدرجة الأساس الأهداف المدنية السهلة الأمر الذي يجعل هزيمة الغرب أمرا ممكنا حيث يصعب حماية الأهداف المدنية وبالتالي ينتصر الإسلام ويغدوا الإرهابيين سادته المتوجين.
3- كل من يوالي الغرب من المسلمين يمثل في عرف هذا الخطاب عونا أو عميلا للمشروع الغربي يتوجب استهدافه حتى لا يجد الغرب السبيل لاختراق صفوف المسلمين أو ضربهم من الداخل.
4- يجوز قتل الناس وتخريب الاقتصاد إذا كان في هذا مصلحة المشروع الإرهابي لا سيما إذا كان هؤلاء المستهدفين يمثلون سترا لهدف مشروع لان هذا سيكون سببا في انهيار كل مقاومة يمكن أن يبديها الآخرون ضد الإرهاب وبعد ان يدركوا صعوبة ذلك. وبذا نجد انو المنهج المتبع من قبل الإرهابيون هو منهج مخالف تماما للمنهج الذي ناضلت من اجله البشرية وشرعته بشق الأنفس وبجهود مضنية انه منهج يعيد البشرية الى زمن البربرية والوحشية حيث تنعدم القيم الأخلاقية التي تتحكم بالعلاقات بين الجنس البشري ليستعاض عنها بالغدر والخيانة والعنف الأعمى غير المحدود. لذا فالإرهاب يمثل خطرا داهما لابد من مواجهته بكل الوسائل الممكنة على ان يكون الأساس تجفيف منابعه من خلال إبراز دور المؤسسات الاجتماعية لاسيما المدرسة والمسجد ووسائل الإعلام وان يكون التثقيف منصبا على تفكيك الخطاب الإرهابي وإضعاف تأثيره في الوسط الاجتماعي بإبراز مايلي:
أ) ان الصراع الإنساني في مرحلته الحالية هو صراع قيم حضارية ومبادئ إنسانية وتحقيق النجاح في هذا الصراع يتطلب الاندماج في الحضارة الإنسانية والتعامل معها بروح إنسانية خيرة.
ب) الإرهاب هو وسيلة خاسرة لتحقيق الانتصار في المعركة الحضارية لأنه يجعل المسلمين منبوذين ومحاربين من الآخرين وهو يعمل عكس حركة التاريخ.
3ـ تقسيم المجتمع الإسلامي إلى مؤيدين ومعارضين للمشروع الغربي يجعل العالم الإسلامي اقل قوة وأكثر هشاشة في مواجهة المتغيرات.
4ـ لا يمكن لمشروع ينتهك قيم الإنسان ان تكون له الحظوة على مشروع يحترمها وسيكون الإرهاب سببا في التحول نحو المشروع الأخر.


كذلك لابد من وضع آلية اجتماعية مناسبة تحقق انعتاق المجتمعات الإسلامية من حالة التخلف والفقر والعمل على توفير فرص عمل للشباب الإسلامي الذين يعانون من اليأس والفراغ وبالتالي توجيه طاقاتهم بالاتجاه المطلوب بعيدا عن إغواء العنف والشر.

باسم محمد حبيب