كانت حركات التحرر التى سادت خلال القرن الماضى تتواصل وتتدارس كل منها الأخرى فى محاولة للإستفادة من التجارب والتكتيكات والإستراتيجيات لكى تصل لأهدافها. كانت حركات التحرر الفيتنامى تتواصل مع حركات تحرير البلادالأفريقية وحركات تحرير أمريكا الجنوبية، وكانت هذه الأخيرة تعبر الحدود من بوليفيا لكوبا لغيرها من دول القارة ولا تكتفى فقط بتدارس التكتيكات والإستراتيجيات والخبرات.


اليوم تنتشر حركات المطالبة بحقوق الإنسان والديمقراطية وبالأخص حق الأقليات فى المواطنة والمساواة. فهل تتلاقى هذه الحركات وتتواصل وتتبادل الخبرات والدروس وأسباب الفشل والنجاح؟ للأسف الإجابة هى بالنفى. ولذلك نلقى فى بحيرة تبادل الخبرات الراكدة بهذا الحجر لعله يتدحرج ويشجع على دراسة لحركات حقوق الإنسان فى مختلف المناطق التى لازالت تعانى من التفرقة العنصرية بناء على الدين والجنس واللون والأصل، لعلها تجد فى نجاح بعض حركات التحرر وتحقق حقوق الإنسان والمواطنة أمثلة يمكن الإستفادة بها فى صراعها الحق من أجل المساواة.


الدرس القيم العظيم يأتى من أمريكا ومن نجاح السود الباهر فى التحصل على حقوق المواطنة والمساواة التامين حتى أن واحدا منهم صار أكبر قوة وباختيار حر من أغلب الأمريكيين، وحتى صار تعيين وزير أول ومسؤولين فى أشد المراكز حساسية لا يبعث حتى على التساؤل. فمن أين أتى حق أوباما وقوته وثقته فى إمكانية أن يتولى مثل هذا المنصب الأخطر والأقوى فى العالم كله، ثم فى توليه لذلك المنصب فعلا!؟


بوجه عام تبدأ أقليات العرب من وضع أفضل كثيرا مما بدأ به سود أمريكا. فليس من بين الأقليات التى تعيش فى بلاد العرب من إبتدأ كعبد مملوك لأحد. أيضا أقليات العرب أصلاء من تراب هذه الأوطان وليس من بينهم مهاجر ولا مخطوف مباع للأكثرية. أيضا لا توجد حكومة ولا أكثرية فى بلاد العرب تقنن العنصرية والتعصب والتفرقة، هى تمارسها نعم ولكن لا تصارح ولا تتبجح بذلك كما كان حال أغلب الولايات الأمريكية. وللأمانة فلا نعرف هل هذا الواقع الأخير فى صالح أم ضد حركات المناداة بالمساواة على أساس أن فيه تمييع للواقع وإنكار كاذب له.


فى عام 1898 حكمت المحكمة الدستورية العليا فى أمريكا بأن الفصل العنصرى لا يتعارض مع حق السود فى المساواة. وخرج حكم من أعلى محكمة فى البلاد الأمريكية يقول متساوون ولكن منفصلون! وظل للسود مدارسهم ومركباتهم العامة ومطاعمهم وإجتماعياتهم عموما وحتى كنائسهم بدون إختلاط بالبيض! ظل هذا الحكم ساريا حتى عام 1954 عندما نقضت المحكمة قرارها ذلك فى قضية شهيرة قامت على أكتاف جماعة مثقفة مناضلة سلميا من السود وحكمت المحكمة أن الفصل هو عدم مساواة فى ذاته، وأنهت فى حكمها الشهير ذاك كل قانون أو قرار ينص على التفرقة بين السود والبيض سواء فى المدارس أو الخدمات العامة أو الحقوق العامة والإنسانية.


ظلت الممارسات العنصرية سواء الرسمية أو الأهلية تظهر بين الفينة والأخرى وفى أماكن معينة فى الجنوب الأمريكى بالذات، وخرجت حركات إرهاب للسود باسم كلو كلكس كلان، قتلت وحرقت فى ممارسات تتشابه مع ممارسات الفئة الضالة من الإخوان والسلفيين والرعاع فى مصر والعراق وغيرها. وقد طالت حركات الإرهاب تلك الناشطين من السود والبيض المتعاطفين معهم على حد سواء، وكانت أيضا تجد السند والدعم من بعض أعضاء الأجهزة التنفيذية والأمنية فى تلك الولايات فى مشابهة عجيبة تجتمع عليها كل الحركات العنصرية أيا كان مكانها.


لم يستسلم السود الأمريكان ولم يذعنوا لقدرهم وإحباطاتهم ولم يردهم كثرة الضحايا وقوة التعصب والإرهاب... خرج من بين السود قادة وزعماء على إتم إستعداد للتضحية بأرواحهم فى مسيرات سلمية متعددة تطالب بحقهم، وتعرضوا خلال تلك المسيرات للضرب والقتل والإرهاب ولكن لم يستسلموا ولم يكتفوا بإستجداء الرؤساء والمحاكم وإنما ساعدوا أولائك بمجهودهم وبالتأكيد على عدم إستسلامهم مهما كلفهم الأمر من ضحايا...


وكان من بين زعماء السود الدكتور مارتن لوثر كينج الذى كان يسير فى المسيرات بنفسه معرضا ذاته للضرب والإعتداء والسجن حتى صدر ميثاق المساواة فى الحقوق المدنية بين البيض والسود فى عهد جونسون عام 1964 ثم إغتيل مارتن لوثر كنج مضحيا بحياته وضاربا المثل فى كيف يؤمن الإنسان بفكرة عظيمة ويقدم لها حياته ثمنا ضئيلا.. وأصبح مارتن لوثر كينج بطلا قوميا أمريكيا وله يوم عطلة رسمية فى جميع البلاد، بل وأسبوع كامل عن السود كل عام يشرح للصغار من الأمريكان ويذكر الكبار أيضا بتاريخ الصراع بين الحق والباطل وكيف أنه لم يمت حق وراءه مطالب ولكن بدون أن يكتفوا بذكر الشعار والغناء به بل يدرسونه ويعظمون من بالفعل عمل به حتى تحقق أمله.


بالطبع هناك فرق بين أمريكا حيث يحترمون القانون ولا يلونونه ولا يعنعنون ولا يلعبون بالثلاث ورقات، ولكن من قال أنه يجب تطابق الظروف للتحصل على ذات النتائج! يمكن للأقليات العربية أن تتحصل على حقوقها بطريق كفاح سلمى مماثل لكفاح سود أمريكا ويكون منهم بعد خمسين عاما حاكم وطنى منتخب من الشعب بكل فئاته، بشرط الإستعداد للكفاح وعدم المطلبة بحقوق ومساواة تسليم مفتاح.


عادل حزين
نيويورك