لم ينم الكثير من العرب في ليلة الانتخابات الامريكية في مفارقة عجيبة وكأن الحدث في بلدانهم quot; الديمقراطية جدا quot; وليس في البلاد التي يطلق عليها الاوباش quot; بلاد الكفر quot;. قد اكون لا اعرف كل الاسباب لكني بالتاكيد اعرف أهمها لكن موقف العرب هذا كان عجيب غريب حتى ظن المطلع على بواطنهم ان quot; حجاجهم بن الثقفي quot; سيبعث من جديد لكن هذه المرة من واشنطن ليقلب واطيها على عاليها. ولم تكد تمضي 24 ساعة حتى جاءت صفعة العرب الاولى بتعين النائب الديمقراطي اليهودي الاصل والفصل رام ايمانويل في منصب كبير موظفي البيت الابيض. وهي اشارة كافية لمن لايفهم السياسة الامريكية جيدا حتى وان تغيرت الوجوه والاسماء والاحزاب وايضا لون البشرة. ثم ان هناك في بلاد الكفر المفترضة لايوجد من يعمل بالطريقة العربية المفضلة والمميزة والتي تقول من ياتي خلفا يهدم كل ماعمله من كان سلفا، هذا اصلا اذا كان مجال للسلف والخلف في السياسة العربية. والتي لايحددها سوى الموت وليس غيره.

كان الاغرب بالموضوع وفي الاسبوع الاخير من حملة الانتخابات الامريكية ان كل وسائل الاعلام العربي فاضت علينا بالمقالات واللقاءات التلفزيونية التي ينتقد بعضها الديمقراطية الامريكية وبشكل يدعو حقيقة الامر الى الخجل في اكثر الاحيان. وفي جانب اخر من هذا الجهد العربي الاعلامي الضائع كان البعض يحلم بطريقة العصافير ان ياتي اوباما ويرجع الينا القدس فجر ثاني يوم من انتخابه وقد يكون حتى قبل تناوله لفطوره الاول في البيت الابيض. بل وصلت الامور ببعض المساكين الطائفيين بان يعيد اوباما الاوضاع في العراق الى الوضع الشاذ قبل عام 2003، وكأن ارض العراق لم تتحرك منذ ستة اعوام. ووصلت المهازل بالبعض ان يتشفى بنهاية ولاية بوش الثانية وكأن بوش جاء على ظهر دبابة ابرامز في ليلة ظلماء واحتل البيت الابيض، او كأن بوش ينتمي لعشيرة من عشائر العرب وحان وقت الثأر منها والتشفي بها. او كأن بوش كان رفيق حانة او طاولة قمار وحان وقت الحساب معه !! وفات على هولاء جميعا ان بوش مثل غيره من رؤساء الولايات الامريكية المتحدة هو نتاج ديمقراطي ولد من رحم المؤسسات الصناعية والاقتصادية والسياسية والاعلامية وترجم من خلال اصوات الشعب الامريكي في صندوق الانتخابات وكل ذلك لايتقاطع مع أسس اللعبة الديمقراطية التي نجهلها كثيرا وان اوباما هو ليس بعيد او استثناء من هذه اللعبة وأصولها ورموزها في اعظم امبراطورية في التاريخ. وهو مكمل للستراتجية الامريكية لكن بسياسات اخرى.

اما بعد فوز اوباما بالانتخابات خرج علينا معظم الاعلام العربي ورموزه المكشوفة جدا، ليشيد بالشعب الامريكي ودوره الحضاري الراقي وهذا التحول التاريخي في الوضع الاجتماعي والسياسي الامريكي. وحقيقة الامر كل هذا الكلام هو من نوع الحق الذي يراد به باطلا او من نوع الشمس التي لايمكن حجبها بغربال. لاننا اولا وفي كل الكرة الارضية اصبحنا نكته مضحكة في مارثون الحكم العربي المزمن الشهير وثانيا ومثال مازال حي يرزق ان حكومة عراقية منتخبة من خلال تصويت اكثر من 12 مليون ناخب تعرضت للهجوم والذبح والمقاطعة بكل الاشكال والالوان ليس لسبب يذكر فقط لان رئيس الحكومة quot; شيعي quot; ينتمي الى حوالي 70 بالمائة من واقع الشعب العراقي، فتحول نفس هذا الاعلام العربي الى مخالب لنهش اللحم العراقي في الشوارع والاسواق والساحات وتم التصفيق الى اوباش القتل وبهائم التفخيخ وتم استباحة الدم العراقي بشكل عجزت امامه كل مفردات السؤ في وصفه. فمن اين جاءت ونزلت كل هذه الديمقراطية على معظم الاعلام العربي وهو اصلا يمثل حالة مزمنة من الحكم المارثوني والتميز الطائفي والعنصري والديكتاتوري في اكثر البلاد العربية.

نعم اوباما أبن الراعي الكيني الافريقي المهاجر الى امريكا فاز بمنصب رئيس اعظم امبراطورية في التاريخ وهو quot; اسود quot; البشرة وانتخبه الشعب الامريكي بكل جدارة وبتحول تاريخي سيقف عنده التاريخ السياسي والاجتماعي البشري كثيرا. لكن اين نحن من ذلك؟ اين سلوكنا وفكرنا من ذلك؟ بلا شك نحن متخلفين وبشكل لايمكن حصره عن هذه القيم الانسانية قبل كل شيء وليس في أرثنا الانساني سوى حالة بلال مؤذن الرسول quot;صquot; والاسلام الحقيقي العظيم. لكن منذ ذلك التاريخ قبل 1400 عام وحتى يومنا هذا نحن نستوطن دوامة التخلف والتراجع بكل مجالات الحياة في غفوة طالت كثيرا وفي كهف جديد لم يعد يستوعب حتى نومنا المشين هذا، فمتى الصحوة وقد وقف في باب كهفنا الرئيس الامريكي الاسود السيد اوباما.

محمد الوادي
[email protected]