أشارت التقارير الصحافية الى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي quot; FBI quot; يحقق في ادعاءات متعلقة بمؤامرة لإغتيال باراك أوباما مرشح الحزب الديموقراطي للرئاسة الأميركية باراك أوباما، وكشف عن أن المحاولة يعتقد أن لها علاقات بمنظمات عنصرية بيض، على الصعيد نفسه أكدت كاثي رايت، المتحدثة الرسمية باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي أن الوكالة تتحاش التعليق على التفاصيل، وقال أحد المسؤولين الحكوميين المطلعين على سير التحقيقات:quot; من الممكن أن يثبت أن كل هذا مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة ومن السابق لآوانه تأكيد حقيقة أن التهديد كان صحيحاً أو أن هؤلاء الاشخاص كان بمقدورهم تنفيذ هذا المخطط quot;.


ولا شك ان هذا الخبر يأتي في خضم بروز المنافسة الانتخابية بين اوباما وماكين للوصول الى البيت الأبيض، والمعلوم ان انتخابات الرئاسة الامريكية تأتي في وقت تشهد الساحة السياسية في الشرق الاوسط ضغوطات أمريكية و أوربية لغرض إحداث تغيير فيها بعيد عن العنف، لإحداث اصلاح ديمقراطي واقتصادي لصالح شعوب المنطقة، لتخليصهم من الركود التي تتحكم بهم من عقود طوال.
والساحة العراقية كانت المشهد الأول في إجراء هذا التغيير، وتم بناء العراق من جديد على أساس نظام ديمقراطي لإرساء حكم منتخب من قبل الأمة العراقية، وقام العراقييون باختيار مستقبلهم السياسي بمحض إرادتهم في أروع عملية تاريخية للانتخابات على مستوى دول العالم الثالث.


ثم جاء المشهد الفلسطيني، حيث ساعد الأمريكيون القيادة الفلسطينية على رسم خارطة جديدة للوضع الداخلي بعملية ديمقراطية ناجحة، تولدت منها قيادة منتخبة من صميم الشعب الفلسطيني لاختيار مسار جديد بعيد عن العنف، للوصول الى حل مرضي للطرفين مع الجانب الإسرائيلي برعاية أمريكية.


والمشهد اللبناني أيضا بدأ بالخطى نحو الانفراج بعد سقوط وفشل المحاولة الانقلابية لحزب الله المسير من ايران وسوريا، والضغط المستمر لخروج العامل السوري من المعادلة اللبنانية، خاصة بعد اغتيال باني السلام والاعمار للبنانيين رفيق الحريري.


المهم في الأمر أن الولايات المتحدة بمباركة من المجموعة الأوربية صارت عامل قوة أساسية للضغط على حكومات دول العالم لركب تيار الإصلاح والتغيير لفتح المجال أمام شعوبها بالمشاركة الحقيقية في رسم مستقبل البلد، وهذا ما تضطلع له شعوب المنطقة لتخليص المنطقة من ويلات الحروب والارهاب والعنف الذي التصق بحياة سكان المنطقة من فترة طويلة فحرمتهم من حياة متسمة بالانسانية والعيش بكرامة.


ولكن هذا المشهد أثر على السياسة الخارجية الأمريكية خلال الحرب علي الإرهاب بشكل سلبي علي المكانة الدولية للولايات المتحدة، وهو الاستنتاج الرئيسي الذي توصلت إليه لجنة الشئون الخارجية التابعة لمجلس النواب الأمريكي في تقريرها الصادر يوم 11 يونيو 2008 بعنوان quot;تراجع سمعة الولايات المتحدة دوليا: لماذا؟quot;، المعد بمشاركة عدد من المتخصصين الأكاديميين في العلاقات الدولية ودراسات الرأي العام.


وقد أشار التقرير إلي أن الحرب علي الإرهاب قد أثرت علي تحول حالة التعاطف الدولي مع الولايات المتحدة عقب أحداث الحادي عشر من أيلول إلي شعور متسم بالاستياء تجاه السياسات الأمريكية، لدرجة أن بعض القائمين على استطلاعات الرأي أكدوا أن تأييد الولايات المتحدة لم يشهد تدنياً إلي هذا المستوى طوال تاريخها بما في ذلك الحرب الباردة.


وقد كشفت استطلاعات الرأي بين عامي 2002 و2006 عن تراجع شعبية الولايات المتحدة خلال هذه الفترة بنسب تتراوح بين 45% في اندونيسيا و40% في تركيا و27 % في بريطانيا، وبينت مؤشرات إحصائية علي تنامي كراهية الولايات المتحدة في بعض الدول الإسلامية وأمريكا اللاتينية لتصل إلي 82% و86% علي التوالي، وكشفت نتائج استطلاع دولي عام 2006 عن تقلص شعبية الولايات المتحدة على الصعيد الدولي بين عامي 2002 و2006 من حوالي 81 % إلي 22%، مما حدا ان يوصف هذا التناقص بانه يُعد الأبرز في تاريخ الولايات المتحدة خلال ثلاث العقودً الماضية، ودلت مؤشرات استطلاعية اخرى للرأي على نتائج مقاربة في هذا الاتجاه.


استنادا الى هذه الحقائق فان كافة المؤشرات الإحصائية والبيانية للمؤسسات المتعلقة بالرأي، تُشير إلي التراجع الحاد في التأييد الدولي لامريكا وهو ما أثار تساؤلات كبيرة داخل المؤسسة السياسية الامريكية وداخل مجلسي الشيوخ والنواب، والاستفسار عن أسباب هذا التراجع وتداعياته علي المصالح الدولية للولايات المتحدة.


وقدم بين أسباب هذا التراجع سياسيين وأكاديميين أمريكيين في لجنة الشؤون الخارجية لمجلس النواب، وأشار البعض منهم الى أن أغلب نتائج استطلاعات الرأي يؤكد أن السياسة الخارجية في عهد إدارة الرئيس جورج بوش قد أدت لتنامي تيارات مناوئة للمصالح الأمريكية سواء في منطقة الشرق الأوسط أو في إطار حلف شمال الأطلسي أو بين دول أمريكا اللاتينية، وهو ما أثار تساؤلاً هاماً حول أسباب هذه الظاهرة وأثرها علي وضع الولايات المتحدة في النظام الدولي الذي يشهد تحولات في طبيعة العلاقات على الساحة الدولية.


وقد ركز جون تيرمان المدير التنفيذي لمركز الدراسات الدولية بمعهد ماساشوتس للتكنولوجيا خلال جلسة الاستماع على أن الدور الدولي للولايات المتحدة بدأ بالتعرض الى التقلص بشكل كبير نتيجة إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية الدولية في ضوء ثلاثة عوامل رئيسية هي:


1- نهاية الاستقطاب الإيديولوجي الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي مما أفرغ المفردات الخطابية لتحقيق الليبرالية من مضمونها لتحل محلها مقولات صراع غير تقليدي غير واضحة المعالم، وفي هذا المجال ظهر اعتقاد سائد في الدول الإسلامية يعتبر الحرب علي الإرهاب بمثابة حرب على الإسلام وهو ما أكدته نتائج برنامج توجهات السياسة الدولية (PIPA) في عدد من الدول الإسلامية التي أكد فيها ان 92 % ممن شملهم الاستطلاع في مصر و78 % في المغرب و73% في باكستان وإندونيسيا يعتبرون أن الحرب علي الإرهاب ليست إلا حرباً أمريكية علي الإسلام، وهذا ما رسم طابعا دينيا للحرب علي الإرهاب في بعض البلدان.
2- ظهور تكتلات اقتصادية منافسة للولايات المتحدة مثل الاتحاد الأوروبي والصين وبعض المنظمات الإقليمية مثل منظمة شنغهاي للتعاون التي تضم في عضويتها كل من روسيا والصين ودول آسيا الوسطي، وهو تحالف دولي لرافضي الأحادية القطبية الأمريكية.
3- تصاعد أهمية القضايا البيئية ذات الصلة بالتنمية المستدامة لتحقيق النمو الاقتصادي المستمر والمؤثر على فرص النمو الاقتصادي العالمي.
مع تحديد هذه العوامل، دعا تيرمان مدير المكز الدولي إلي مراجعة السياسات الأمريكية من خلال إيلاء قدر أكبر من الاهتمام لقضايا التنمية المستدامة ومحاربة الفقر ومكافحة التلوث البيئي والاحتباس الحراري وهي سياسات من شأنها توسيع النطاق الدولي المتاح للدور الأمريكي ومن ثم الارتقاء بالتأييد الدولي للسياسة الخارجية الأمريكية كركيزة للاستقرار العالمي والتنمية.


ولغرض معاجلة هذا الامر، وايجاد مخرج لاخراج الولايات المتحدة من أزمة فقدان الثقة بها على الصعيد الدولي، وحسب الاحداث الجارية داخل المشهد الامريكي، فان مؤسسات أصحاب القرار في أمريكا، الممثلة بالشركات الكبرى والمؤسسة العسكرية ووكالة المخابرات الامريكية، يبدو أنها بدأت تفكر في طرح حل مناسب تساعد على تغيير الآراء لصالح أمريكا، وعودة الثقة بها الى حالة عكسية، وتقليل نسب الكراهية في بعض الدول الاسلامية التي سجلت في السنوات الأخيرة تجاهها، والحل الذي وقع عليه القرار هو اختيار مرشح متسم بشعبية دولية على صعيد البلدان الاسلامية والنامية، لتقليص الفجوة الحاصلة بين الطرفين، وتقليل المخاطر على المصالح الامريكية في العالم، واحتلال مكانة دولية ايجابية للولايات المتحدة على الصعيد العالمي، كقطب احادي.


وطبقا لقراءة وتحليل خريطة الانتخابات الامريكية، فان البديل المختار لهذا الحل من قبل المؤسسات الحقيقية لصناعة القرار الامريكي، هو مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة الامريكية باراك اوباما، الذي بدأ يستقطب أهتماما دوليا خارج أمريكا، وبدأ يحظى بشعبية عالمية في افريقيا وآسيا وأوربا وأمريكا الجنوبية، لاصوله الزنجية والدينية وطروحاته الشبابية الداعية الى التغيير على الصعيدين الامريكي والعالمي، والداعي تحسين صورة الولايات المتحدة ولعب دور أكبر لامريكا عالميا في مجال القضاء على الفقر وتحسين البيئة، وهما من القضايا الحساسة على الصعيد الدولي.


ولا شك أن هذا الاختيار، يمكن اعتباره تحولا ايجابيا جذريا، لارساء رؤية انسانية حقيقية من قبل الولايات المتحدة على القضايا الانسانية الكبيرة التي تشهدها الساحة الدولية، للعمل على تقليل الفجوة بين المجتمعات الغنية المتسمة بالرفاهية المفرطة والمجتمعات الفقيرة المتسمة بالبؤس الحاد، وابعاد البشرية عن أزمات ومشكلات مستعصية تتعرض لها في الواقع الراهن. ولا غبار عليه فان هذا التغيير الحاصل في هذا الاتجاه في السياسة الامريكية يمثل اتجاها عقلانيا للحفاظ على المكانة العالمية للولايات المتحدة والحفاظ على علاقات متسمة باحترام ومودة الآخرين تجاهها لتفعيل دورها في حل القضايا والمشكلات الدولية التي تهم عموم البشر على هذا الكوكب النابض بالحياة في هذا الكون الوسيع.


لكل هذا ولغيرها من الاسباب المرتبطة بالقضايا الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، نقول ان أمر انتخاب مرشح الديمقراطيين باراك اوباما محسوم وهو الرئيس القادم للبيت الابيض الذي سيستقبل أول رئيس اسود في تاريخ حياة الامريكيين.

د.جرجيس كوليزادة
رئيس تحرير مجلة quot;بغدادquot; العراقية

www.baghdadmag.com