شهدت الساحة السياسية العراقية قبل أكثر من اسبوعين تأزماَ كاد ان يقوض العملية السياسية برمتها، وكان ذلك بسبب اسلوب التصويت على قانون المحافظات وتنصل بعض الاطراف عن مبدأ التوافق الذي رافق العملية السياسية منذ سقوط النظام السابق حيث ان جميع الانجازات التي تحققت على مستوى الدستور وبناء مؤسسات الدولة وتشكيل الحكومات العراقية المتتالية وانجاز قدر ملموس من المصالحة ودرء الفتنة الطائفية التي كانت تعصف بشدة بالبلد والتحسن الامني، كل هذه الانجازات كانت نتيجة العمل وفقاَ لمبدأ التوافق.
وبالتأكيد أن اكثرية الاطراف تعاملت في السابق بشكل ايجابي مع هذا المبدأ وإن اختلفت النسب، وفي مقدمتهم الكرد الذين كشفوا ومنذ البداية ان الحالة العراقية واستراتيجية بناء دولة تتسع للجميع وتحقق مصالح الجميع بحاجة الى نوع آخر من الديمقراطية الا وهي الديمقراطية التوافقية دون المساس بأسس الديمقراطية نفسها. وكان للقيادة السياسية الكردستانية دور مهم في ترسيخ هذا النموذج من الديمقراطية التي أنقذت العراق من تهميش تلك الطائفة وهيمنة الاغلبية وحققت التوازن المطلوب للعملية السياسية وأبعدت الى حد كبير بدايات العملية السياسية من التناحرات بل الصدامات وبالنتيجة رسمت خارطة طريق لانجاح العملية السياسية برمتها. ولكن بعد مرور سنوات على اسقاط النظام وبعد كل تلك الانجازات شهدت الساحة السياسية حالة جديدة وتقهقراَ خطيراَ من المبدأ المذكور حتى من قبل الذين استفادوا من المبدأ بشكل كبير وأنقذتهم المفاهيم والاجراءات التوافقية من التهميش والبقاء خارج العملية السياسية، حيث ان التصويت على المادة 24 من قانون انتخابات مجالس المحافظات والاسلوب الذي اتبع في البرلمان لعملية التصويت وتنصل البعض عن التوافقات بشأن ذلك القانون جسد التفكير التآمري والالتوائي كما كان تعبيراَ عن تراجع مخيف لا من التوافقات فحسب بل كان تراجعاَ من العملية السياسية برمتها لأن التراجع عن مبدأ التوافق تراجع عن الدستور الذي يعتبر روح الدولة وجوهر العقد الذي اجتمعت حوله الاطراف العراقية لبناء الدولة.
إن الازمة الاخيرة والتي مازالت مستمرة ومتفاعلة ولا تعرف آفاقها، وضعت جميع الاحتمالات نصب اعيننا، بما فيها الاحتمالات الخطرة، منها التكاتف والتكتل ضد مفهوم الدولة الفيدرالية والديمقراطية الواردة في ديباجة وبنود الدستور ومن ثم اعادة صياغة المفاهيم التي صيغ الدستور وأسست الدولة وفقها، وأن الضرب على وتر الأغلبية البرلمانية دون رعاية مبدأ التوافق قد تعيدنا الى المفهوم التقليدي للدولة الذي كان يسمح لاغلبية قومية اضطهاد قومية اخرى وطمس حقوقها وكل ذلك باسم اخضاع المكون الاقل نفوساَ لارادة الاغلبية المهيمنة، وهذا يعني اعادة التاريخ الى الوراء واعادة تجليات مخيفة سابقة للتاريخ وصدق من قال: (ربما التاريخ يعيد نفسه ولكن بشكل كاريكاتيري!
رغم صعوبة وتشابك المواقف والتعقيدات السياسية والنفسية التي اولدتها الازمة التموزية، إلا اننا وانطلاقاً من حرصنا على مصالح العراق وسيادته، مضطرون للبحث عن آليات الخروج من الازمة و لكن وفقاَ للدستور من الديباجة الى الخاتمة.
آزاد جندياني
التعليقات