المذبحة الأخيرة التي وقع ضحيتَها أكثر من خمسين قتيلا وعشرات الجرحي قرب مدينة (بومرداس ) الجزائرية ترفع عدد قتلى العمليات الإرهابية إلى أكثر من مئة شخص في شهر أغسطس الذي لم ينقضي بعد.

أجساد الجزائريين التي تحوّلت إلى أشلاء أصبحت تتناثر في كل مكان وفي كل يوم وساعة وكأنها بضاعة معروضة في فيلم سينيمائي يتأثر بمشاهدتها المتابعون ساعة من الزمن ثم يعودون إلى انشغالاتهم اليومية. أرواح الجزائريين أصبحت رخيصة ولم يسلم لا الجندي ولا الشرطي ولا الشباب ولا الكهول والشيوخ والنساء والأطفال من هذه العمليات الإجرامية، وأضحى قتل الجزائريين خبرا لا يحمل معنى ولا قيمة مع استمرار عمليات النحر والقتل في حق الأبرياء على مدى خمسة عشر عاما.

المسؤولية الكبرى في كل ما يقع يتحملها الإرهابيون والكل يعلم بذلك. لكن أين تقع مسؤولية الدولة أمام هذا الإنهيار الأمني الخطير؟ وأين رموز السلطة من تحمّل مسؤولياتهم كاملة أمام الشعب وأمام التاريخ؟

وهنا أتحدث عن المسؤولين الأمنيين والسياسيين ونواب الشعب ورؤساء الأحزاب سواء في السلطة أوفي المعارضة. ألا يوجد برلماني جزائري واحد، يُطالب السلطة بوقف هذه المهازل ووضع حد لأنهار الدماء التي تسيل، ويحاسبها على نتائج استراتيجيتها الأمنية الفاشلة؟

البلد في أزمة، والإرهاب يضرب في الشواطئ والمراكز الأمنية وعلى الطرقات وفي الساحات العامة، ولم تعقد الحكومة ولو اجتماعا واحدا لدراسة هذه التطورات. ولو من باب حفظ ماء الوجه وإبراز التضامن مع أقرباء وعائلات الضحايا. الكلُّ في عطلة، الحكومة والبرلمان والأحزاب. والكلّ يستمتع بشواطئ أوروبا حيث الأمن المستتب، والكل يتسوق ويستمتع بالراحة والرفاهية التي وفرتها الدول المحترمة لمواطنيها سواء في أوروبا أوحتى في تونس والمغرب. في وقت تُستباح دماء الجزائريين ولا يعرف الخارج من بيته صباحا هل سيعود في المساء أم لا! وياليت لو اقتدى مسؤولونا الذين يستجمّون في شواطئ الكوت دازور بالرئيس ساركوزي الذي هرع إلى أفغانستان بعد مقتل عشرة جنود فرنسيين.

المسؤولون الأمنيون كذبوا كذبة فصدقوها وقالوا إنهم وجّهوا ضربات موجعة إلى الجماعات الإرهابية وإن الإرهاب يعيش الربع ساعة الأخير. كيف نصدق هذا الكلام والإرهاب ضرب ست مرات على الأقل خلال أسبوعين في قلب المدن الجزائرية من باتنة وسكيكدة إلى تيزي وزو إلى بومرداس؟

لا ندري لماذا يُرقّى الضباط في الجيش إلى أعلى الرتب العسكرية. وتوضع النياشين على صدور مسؤولي الشرطة في ظل الإخفاقات الأمنية المتكررة والنتائج على الأرض تعكس صورة مُزرية. فالمواطن لم يعُد يخشى الإرهاب فحسب، بل بات يرتعب من منظمات وعصابات الإجرام المحترفة التي تهاجمه في عقر داره وفي محله التجاري وفي سيارته في الشارع وأمام الملأ.

أقول هذا وعدد رجال الأمن من الشرطة والدرك والجيش والميليشيات الحكومية وأعوان الأمن والحرس البلدي إضافة إلى المُخبرين قارب المليون شخص، كل هؤلاء لم يوفروا الأمن للمواطن في المدن فما بالكم بالقرى والمداشر النائية، وهذا يدل على غياب استراتيجية واضحة ومتكاملة لمواجهة العابثين بأمن الدولة الجزائرية.

الأدهى والأمر أن الجزائريين يُقتلون ويُذبحون يوميا ولا نسمع عن استقالة ولو مسؤول أمني صغير؟ فوزير الداخلية خالدٌ في منصبه ومدير الشرطة لم يتزحزح ورؤساء الأجهزة الأمنية تشبتوا بمناصبهم أكثر.في حين تصرف الدولة من خزينتها سنويا المليارات من الدولارات على الأمن، فأين النتائج على الأرض؟.

منذ عام واحد وتسعين ونحن نسمع عن تطويق الجيش لمنطقة وتمشيطها والقضاء على إرهابييها، ثم تنطلق عملية إرهابية جديدة من نفس المنطقة التي خضعت للتمشيط! غابة (سيد علي بوناب) قرب العاصمة شهدت على الأقل ألف عملية تمشيط منذ بداية التسعينات، لكنها كانت دوما منطلق الجماعات الإرهابية، فأين الخلل من فضلكم؟ نحن نتحدث عن غابة متوسطة الحجم، وليس عن غابات الأمازون في البرازيل! كما أن السلطة ليست في مواجهة نمور التاميل أو جيش الفارك الكولومبي فهي تتحدث عن ثلاثمئة وخمسين إرهابيا بقوا في الجبال ولم يلتحقوا بالمصالحة الوطنية.

الحل ضروري وعاجل، وهو حلٌّ أمني سياسي واجتماعي يكمن في معالجة جذور الإرهاب، وهي محاربة الفساد والقضاء على الفقر والتهميش والبطالة وفتح العملية السياسية أمام كل المواطنين دون استثناء. والطبقة السياسية والنّخب المثقفة بمختلف اتجاهاتها ومشاربها مسؤولة عن أمن المواطن، فالشعب كان قد أعطى صكا على بياض للسلطة بتصويته لصالح قانون المصالحة الوطنية، ليس حبّا في الإرهابيين لكن عشقا منه لحياة الأمن والرخاء. لكن هذا لم يتحقق. وعلى المسؤولين الآن أن يراجعوا حساباتهم جيدا، فمن رفَض من الإرهابيين الدخول في قانون المصالحة ومن عاد إلى ممارسة الإرهاب بعد استفادته من إجراءات العفو، يجب أن تتصدى له السلطة مدعومة بأصوات الشعب الجزائري. فمن غير المعقول أن الصفقات المليارية للجيش وأجهزة الرؤية الليلية ومئات الهيليكوبترات والأسلحة الثقيلة والخفيفة والاتصالات اللاسلكية الحديثة لم تتمكن من تحديد معسكرات الإرهابيين في الجبال؟ ومن غير المعقول أن تنشر الصحف الحكومية وبشكل يومي تفاصيل تحركات الإرهابيين ومواقعهم واستراتيجيتهم وخططهم المستقبلية وأجهزة الاستخبارات غافلة عن ذلك!

الشعب الجزائري ينتظر حلولا ملموسة ولا يطيق سماع تصريحات فارغة حول فلول الإرهاب وصعوبة تطويق حرب العصابات وأن الإرهاب يضرب لندن وغيرها من المدن الغربية، فهذا كلام فارغ لا يُرجع إلى الجزائريين حياة مفقوديهم، وإنني على يقين بأن النظام إن أراد وقف العمليات الإرهابية فإن ذلك سيتحقق في أربع وعشرين ساعة.

سليمان بوصوفه