لكي تظهر الحقائق على صورها الواقعية للجميع و كل ما يتعلق بحقيقة موقف الكرد من الأحداث و المستجدات العراقية، ينبغي في مناقشة أزمات العراق، أن ندعوا أولاً، من باب المقدمة، جميع الكٌتاب و الصحفيين العرب، الى أمر بسيط ربما يتعلق، في وجه من وجوهه، بمدى إلتزامهم برسالتهم و هويتهم التي يتوقع المرء منها، مبدئياً، أن تكون قائمة على بعدين و ليس بعد واحد : البعد الإنساني و البعد القومي في آن. عنيت هنا دعوة المثقفين العرب و كتابه للكف عن إعتماد المراجع العربية فقط للحصول على المعلومات أو الإطلاع على المواقف و فحص الأحداث و بالتالي ضرورة إنفتاحهم على المصادر الكردية أيضاً و مشاهدة ما يُنشر و يُبَث في القنوات الإعلامية الرسمية والمستقلة الناطقة باللغة العربية على الأقل تجنباً لللاموضوعية و إحتراماً منهم لمبدأ الأخذ بالرأي و الرأي الآخر. وهنا سأكتب لكل معني بالشأن العراقي مجموعة من العناوين و المواقع التي يمكن العودة اليها لمعرفة الخطاب الكردي العراقي و إعلامه فيما يتعلق بأحداث العراق و الموقف منها، و هذا هوأبرز هذه العناوين: www.alitthad.com، mwww.pukmedia.co، www.hurriya.net، www.taakhinews.org، www.sotakhr.com، www.kurdistantv.net/erebi،..
نذكر هذه العناوين هنا لنتغلب معاً على جزء من مكامن الأزمة العراقية التي تتمثل في سوء معاملة العديد من المثقفين و كتاب العرب و كذلك القنوات الإعلامية العربية و العراقية مع المشهد العراقي و أحداثه و تطوراته. وأصل الأزمة هو أن التعويل على مصادر دون سواها، لفهم حقائق الصراعات و مكامن النزاعات أو بناء معرفة موضوعية تجاه ما يحدث في العراق من أحوال البلاد و العباد، أصبح يؤزم المواقف السياسية في العراق أكثر و ظهر أنه لايفيد في شيء، وإنما هو في أحسن الأحوال أمراً مخالفاً لشروط الحيادية فضلاً عن أنه لاينتج سوى وجهات نظر اُحادية لتقييم الأمور و تفسيرات قاصرة مبنية على جرد الحقائق من وجوهها المتعددة و الوقوف وحسب على ما تعتبره أطراف ما حقيقية و أخرى غير ذلك.


هذه الدعوة التي نطلقها اليوم ربما تكمن وراءها أسباب و أسباب بَيدَ أن سببها الحقيقي راجع الى شعور الكثير من السياسيين و المثقفين الكرد في الآونة الأخيرة بإنغلاق أغلب الكتاب و المثقفين العرب بوجه الحالة الكردية في العراق و إفتقارهم للدقة المطلوبة في الحديث عنها و عن المستجدات الحاصلة على المشهد العراقي و المواقف منها، و ربما أسوء من ذلك هو الشعور ببروز حالة من النزعة العنصرية القومية لدى العديد منهم دون إعتبارهم لماهية حقائق الآخرين و المسائل الضميرية و الإنسانية التي تمليها عليهم هويتهم كمشتغلين في حقل الإنتاج الرمزي، أي عالم الثقافة والمعرفة و تقصي الحقائق، و دون تقديرهم أيضاً لعواقب نزعاتهم المدمرة هذه على مسار تعايش و تواصل العراقيين و مشاريع المصالحة الوطنية في العراق أو ما تحقق من علاقات و تفاهمات وطنية بين القوى السياسية بعد عمر من الصراعات الحامية التي خاضوها ضد بعضهم البعض.


يأتي هذا الشعور نتيجة لتخوف الكثير من المثقفين الكرد أيضاً من أن تُقدم قوى سياسية عربية عراقية على ممارسة سياسات خاطئة و عنصرية بحق الكرد بناءاً على إستغلالها لخطاب الأوساط العربية الإعلامية الداعمة لهم و دعم المثقفين الآيديولوجي لهم و لخطاباتهم و شعاراتهم، و الخشية أيضاً من أن تباشر هذه القوى بمعاودة تبني مواقف و إتجاهات أو ميول و سياسات، تتجاوز، من حيث العقلية و الآيديولوجيا، ما يعتبره الكرد الخط الأحمر الذي يتمثل في خطورة تكرار تجربة البعثيين و الصداميين في العراق، أي الأمر الذي يُفتَرض أن يفهمه الجميع بأنه يثير غضب الشارع الكردي و خشيتهم في آن و يعيدهم الى الذاكرة الجمعية المؤلمة فضلاً عن أنه يفقدهم الصواب و الثقة مجدداً بإمكان التعايش مع المكونات العراقية الأخرى أو بجدوى التمسك بالبعد العراقي لهويتهم.


و هنا لابد أن يعرف المثقف العربي بأنه ثمة حساسية كبيرة في كردستان العراق تجاه هذه المسألة، و لهذه الحساسية ما يبررها و يغذيها سيما في ظل التجاذبات السائدة طائفياً و قومياً في البلاد. فإذا كان المواطن الكردي، مثلاً، لايقبل أساساً من القوى التابعة لأبناء جلدته أن تمارس بحقه ممارسات و أساليب تُذَكّره بما كان يمارسه البعثيين تجاهه بل يقاومها و يحتج عليها و ينظم التظاهرات ضدها و يكتب في الصحف و المنابر الحرة شتى أشكال الإنتقادات للحد منها كما هو حاصل في السنوات الأخيرة ضمن إزدهار ظاهرة بروز المجتمع المدني و ممارسة الحريات الديمقراطية وحرية الصحافة في الأقليم، فلا غرابة إذن أن لايقبل أيضاً من الآخرين أية سياسات أو مواقف ُتنََظّر لتشجيع روح العنصرية و الشوفينية والبعثوية التي كان هو ضحية لها. و ربما يعني ذلك أن على المثقف أو الكاتب، كرداً كان أو عربا أو حاملاً لأية هوية أخرى، أن يعي تماماً حساسية المواقف على أرض الواقع، و أن يلتزم بما تمليه عليه هويته في بعدها الإنساني و التنويري، وبالتالي يتذكر أن المثقف في النهاية، كما يقول المفكر العربي إدوارد سعيد، هو الكائن المنحاز للإنسانية، كما فعل هو نفسه بالضبط، حيث أنه لم يقع في فخ العنصرية، بل، كما يقول الباحث السوري الدكتور عبدالله تركماني، تعاون سعيد حتى مع اليهود الرافضين للصهيونية، و رفض كل الأصوليات العالمية التي تنشر الشك والعنف بين الحضارات، والأهم من ذلك أنه رفض أيضا كل أشكال الفساد والاستبداد وكان من القلة النادرة من المثقفين الفلسطينيين الذين انتقدوا الإدارة السياسية والاقتصادية للقيادة الفلسطينية ( د. مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، العدد 2، 313/2007).. و هذا يعني، بمعنى آخر، أن ينبغي على المثقف أو الكاتب أو المشتغل في حقل إنتاج المعرفة أن يبتعد عن الهواجس الآيديولوجية و القومية التي لا تدعوا الى شيء سوى التناحر و التقاتل أو التصارع و التباعد، و أن يجرد نفسه من الإنتماءآت الضيقة المُفضية الى الشر!.. مما يعني هنا أن أية مشاركة أيضاً، للمثقف العربي، بوعي أو بدونه، في تأجيج الصراعات بين مكونات الشعب العراقي، من خلال الدعم المعنوي لطرف ما على حساب طرف آخر، أو بثه لروح القومجية و الطائفية أو تحريضه لأية قوى عربية عراقية ضد الكرد، يُعتبر بمثابة خيانة لهوية المثقف و الكاتب أو رسالة الصحفي و الإعلامي فضلاً عن أنها ستكون ضربة قاتلة لأسس تماسك العراقيين و وحدة البلاد أرضاً و شعباً. و ليس من المستغرب أن تؤول مثل هذه المواقف الى إيقاع هؤلاء المثقفين و الكتاب أو الصحفيين و العاملين في حقل الإعلام في مطب جرائم من سبقوهم في أقترافها من كتاب و مثقفون عرب عَلِمنا أنهم كانوا متواطؤن مع النظام البائد لقاء حفنة من الدولارات كما كشفت لنا النقاب، عن تلك الصفقات المشؤومة، جريدة المدى و نشرت أسمائهم بقوائم.


بجمل أخرى، أن أي موقف عنصري تجاه أحداث العراق سيساهم دون شك في إعادة التاريخ لنفسه في هذه البلد، و ستتعمق آلام و ويلات العراقيين أكثر بل سيعيد بنا الى المربع الأول و يورطنا في الفتن العنصرية التي لم تجلب في أية بقعة من هذا الكوكب الذي نعيش فيه و ليس في العراق فقط سوى الدمار و الخراب و تسويد تاريخ البشرية.

عدالت عبدالله
* كاتب و صحفي كردي عراقي