بعد الانتصار الذي حققه البريطانيون وحلفاؤهم في الحرب العالمية الاولى وقضائهم على حكم الخلافة العثمانية في تلك المناطق وتغييرهم لخارطة المنطقة، نستطيع القول ان أرشيف ووثائق وزارة الخارجية البريطانية التأريخية والواقعية تتضمن في طياتها اوثق المعلومات وأكثرها اعتمادا فيما يخص المنطقة بشكل عام والعراق وكردستان على وجه الخصوص.


وتعتبر التقارير والبرقيات اليومية مابين الضباط والمسؤولين والحكام السياسيين ووزارة المستعمرات البريطانية،علما ان تلك التقاريرالادارية والاحصاءات كانت ترفع وتقدم الى حكومة المملكة المتحدة، تعتبر في يومنا هذا افضل الدلائل وأوثقها لانها الشاهد الواقعي والدليل على ماجرى في ذلك الوقت في تلك المناطق، ولها تأثير للحاضر والمستقبل اذا اخذت بها في بيان مصير المنطقة.
وحسب تلك الحقائق التأريخية التي بين أيدينا يظهر جليا الدور السيئ الذي انتهجته بريطانيا تجاه الكرد وشعب كردستان، من احتلال اراضيه وربط مصير ولاياته دون الاخذ برأيه وبالضد من ارادته بمصير دولة عربية اسست حديثا من قبلها، وكذلك إخماد الحركات التحررية القومية لشعب كردستان، لذا كل ماجاء في التقارير والمستندات البريطانية حول الكرد وارضه وشعب كردستان يمكن الاخذ بها كدليل ملموس ومعتمد في بيانها الحقائق حول عدم تأييدها للكرد، لان البريطانيين ارتكبوا اسوأ المظالم والمآسي تجاه الكرد. وعليه اذا أخذنا تلك الوثائق التي تعود الى تلك الحقبة والمحفوظة في ارشيف وزارة الخارجية البريطانية وعرضناها على الملأ لبيان الحقائق، ستكون بالتأكيد مصدرا مهما وموثقا يعتد بها.


فالذي نقرأه في هذا المقال تقريران للادارة البريطانية واللتين لهما علاقة بمناطق قره تبه وكفري ودوزخورماتو وكركوك، مع ان ارشيف الوثائق البريطانية تحوي الكثير من الادلة الملموسة التي تؤكد ان تلك المنطقة من كردستان لم تكن ابدا جزءا من العراق، وكذلك السبب في اختيار هاتين الوثيقتين بالذات في موضوعنا هو ان لها اهمية كبيرة تكمن في كونها كأول احصائية اجريت من قبل جهة معينه لسكان ومكونات تلك المناطق آنذاك، جهة حاولت بشتى الطرق والاساليب معاداة الكرد وتأييد العرب، وايضا تعتبر هاتان الوثيقتان اظهارا للواقع الذي عاشته تلك المنطقة وكما هو مبين فيهما ان العرب لم تكن لهم فيها نسبة وجود اصلا في المنطقة، لانه في كفري وقره تبه ودوزخورماتو وحسب الاحصائية البريطانية هناك حوالي (70000) نسمة تعيش تلك المناطق لم يتعد عدد العرب فيها (37) شخصا، وفي كركوك وبعد الاحتلال البريطاني لها وتعيين الحاكم السياسي التابع لهم فيها لادارة المدينة اسس البريطانيون مجلسا يضم عددا من ممثلي المدينة ليساعدوا الحاكم السياسي البريطاني لادارتها، ذلك المجلس الذي شكل جاء حسب نسبة سكان ومكونات كركوك، اي المجلس مكون من (12) عضوا وضمن هذا العدد كان هناك عضو عربي واحد، وفي الوثائق البريطانية كان مدونا بجانب اسم ذلك العربي تعبير (ممثل الصحراء).


في وقت بدأت فيه السلطة العراقية بتنفيذ حملاتها الشوفينية لتغيير واقع وديموغرافية تلك المناطق حيث استخدمت واحدة من اخطر الطرق اللاانسانية وهي نقل خدمة وعيش المواطنين لأماكن اخرى كوسيلة للسيطرة على المنطقة، تلك السياسة التي رحلت الآلاف من المواطنين من منازلهم وأملاكهم، الكرد يطردون والعرب يحلون محلهم والعالم لا يحرك له جفن، كل هذا في وقت اذا عادت فيه قلة قليلة من الكرد الى موطنها الاصلي الذي رحلت منها ومطالبة الكرد بضم ادارة تلك المناطق الكردستانية المستقطعة عنها الى حدود اقليم كردستان، نرى بعضا من الاعلام العربي قد اقاموا الدنيا ولم يقعدوها حيث يتهمون الكرد بتغيير ديموغرافية كركوك والسيطرة عليها وجعلها جزءا من كردستان.


في ايدينا آلاف الوثائق التي تعود الى حقبة البعث البائد والتي تخص كيفية العمل على تغيير ديموغرافية مدينة كركوك وتعريب المنطقة وبالمقابل الاعلام العربي يغض النظر عنه، ونتساءل ماذا يقول الاعلام العربي ازاء تلك الوثائق والدلائل البريطانية وما موقفها منها والتي هي ساطعة كسطوع الشمس حول اثبات واقعية كردستانية مدينة كركوك؟


وأحد تلك التقارير المهمة تناوله الاستاذ (كمال مظهر) في كتابه (كركوك وتوابعها.. حكم التأريخ والضمير) والذي اخرجه من ارشيف وزارة الخارجية البريطانية، ويظهر جليا انه بعد احتلال منطقة كفري من قبل الجيش البريطاني في آيار من عام 1918 قام البريطانيون في كفري وقره تبه ودوزخورماتو بإجراء احصائية للسكان حسب القومية والدين.
وإن حوالي (70000) شخص يقطنون المنطقة وموزعين كالاتي:
*4238 تركمانيا، موزعين على كفري ودوزخورماتو وقره تبه
*458 يهوديا
*276 ايرانيا
*37 عربيا
*1 مسيحي
*اكثر من 60000 كردي، موزعين على كفري ودوزخورماتو وقره تبه.
وفي التقرير الاخر والذي جاء تحت اسم (تقرير ادارة منطقة كركوك في الفترة من 1/1/1919 الى 31/12/1919) والصادر عن الحاكم المدني لمدينة كركوك والمسؤولين البريطانيين في المدينة، ومسلّم الى الحكومة البريطانية، والان هذا التقرير محفوظ في ارشيف وزارة الخارجية البريطانية، وقام السيد (سربست كركوكي) في سنة 2006 ترجمة نص التقرير الى اللغة الكردية، وهذا التقرير ايضا تناول مسائل عدة مهمة تخص مدينة كركوك وكردستانيتها وكذلك اظهر الدور والمنزلة الكبيرة للكرد في المنطقة. ولكن اذا اخذنا على سبيل المثال الاحصائية التي اعدتهاحكومة السويد وقدمتها لـ(عصبة الامم) حول سكان كركوك، جاء في كتاب الدكتور (نوري طالباني) الموسوم بـ(منطقة كركوك ومحاولات تغيير واقعها القومي) استند فيها الى تلك الاحصائية حول سكان كركوك وهي (1222000) شخص يعيشون في المدينة موزعين كالآتي:
*العرب 10000 شخص
* التركمان 35000 شخص
*الكرد 750000 شخص
*الكلدان 600 شخص
* اليهود 1400 شخص
هذه الاحصائية مأخوذة عن ارشيف مسجل بمكتبة ستوكهولم، وتبين تلك الحقيقة بان عدد الكرد اكثر بمرات عدة عن العرب واكثر مرتين من التركمان في المنطقة.
وهناك ايضا وثيقة تأريخية مهمة اخرى في الارشيف البريطاني تناولها المؤرخ (كمال مظهر) وتبين عدد وأسماء اعضاء ذلك المجلس الذي شكله البريطانيون في مدينة كركوك حسب مكوناتها ومساحتها بعد احتلالهم لها وتعيين الحاكم البريطاني فيها لادارة شؤونها، ذلك المجلس المؤلف من (12)عضوا، (6) اعضاء من الكرد، (3)اعضاء من التركمان، مسيحي واحد، ويهودي واحد، وعربي واحد، وكالاتي:
1ـ احمد خانقا- كردي
2ـ احمد احمدي افندي- كردي
3ـ جميل بك بابان- كردي
4ـ عمر آغا- كردي
5ـ الشيخ حميد طالباني- كردي
6ـ رضا بك- كردي
7ـ مجيد افندي- تركماني
8ـ حسين بك نفطجي- تركماني
9ـ الحجي جميل بك- تركماني
10ـ حسقيل افندي- يهودي
11ـ قسطنطين افندي- كلداني
12ـ حسين علي ممثل الصحراء- عربي
عدد هؤلاء العرب الذين سكنوا كركوك، كانوا عربا رحالة ولم يوطنوا بعد للسكن في مناطق كركوك، لاجل هذا عندما سكن احفاد حسين عاصي في منطقة الحويجة فيما بعد اصبح ممثلا لعرب الصحراء وشارك في تكوين مجلس المحافظة آنذاك.

عارف قورباني