إلى محمود درويش، وأنت تموت الآن quot;بطيئاً بطيئاًquot;، و تلتقي الموت quot;مجاناًquot;، أو تلتقي quot;جنازة برتقالٍquot; كنتها، أو قلتها، قبل قهوةٍ، تعال إلى ما تبقى من كلامٍ، إلى ما تبقى من حروفٍ، وأبجديةٍ، واسرد لنا الكثير الكثير، الذي تبقى منك، ومن القصيدة. جلستَ في الموت، باكراً، هل لquot;يجلس على يديها الكلامquot;؟ أربعة أشياء، إذن، تساوي نفسها، لا تعرفها النهاية، وإن انتهت فلا تنتهي إلا إلى نفسها: quot;أنت.. الذي وقعت في الموت، كي تحبهاquot;، والآن..يا كتاباً لا ينتهي، هو اسمك إلى ما لا نهاية؛ هوشنك بروكا
في موته الأخير..
إليه قبل أن quot;يشرب وجهه النسيانquot;،
وقبل أن تنتهي الأشياء إلى آخرها وquot;ينكسر الكلامquot;..
إليه ما قبل الكلام،
وما بعد الكلام...
كم ستبكيك القصيدة، وأنت الآن تغيب على يدين من موتٍ، من دون يديها، اللتين طالما كانتا من يديك، وفي يديك، وإلى يديك، وليديك.
كم ستبكيك تلك التي كنت quot;تحبها حين كنت تموت، وكنت تشعر أنك تموت حين كنت تحبهاquot;، وكنت تحب أن تموتَ وتموت وتموت، كي تحبها quot;حتى التعبquot; وأكثر.
كم ستبكيك التي الآن quot;تشبه الكآبةquot; كرغيف المساء، أو quot;تشبه المدينة حين كنت فيها غريباًquot;، يوم تغيب في دمك quot;الغريبquot; الشريد، هناك، الذي قال لها، موتاً ما، باكياً: quot;إنّ ثلاثة أشياء لا تنتهي: هي، والحب، والموتquot;.
كم ستبكبكَ التي quot;خارج ذكريات اللهquot;، حين يتيه النوم بينكما، وحين لن تجد التي quot;نامت على زندك سنتينquot;، المأوى إلى يديك، كي quot;تنام وعين الله نائمةٌ عنكماquot;.
كم سيبكيكَ الوقت، حين يفتقدك، ويُصبح على يدين من يقينٍ، بأنك خارجه، أو متأخر عنه، وأنّ لا وقت لمحمود، ولا محمود للوقت، ولا شعر للوقت، وquot;لا وقت للوقتquot;، وquot;لا وقت في الوقتquot;.
كم سيبكيكَ الوقت، حين quot;لن يكون يدها كي تراهquot;.
كم سيبكيكَ الوقت حين quot;يثمر تفاحةquot; لن تلتقيها.
كم ستبكيكَ الأرض، وأنت الآن، quot;تعود إلى الأرضquot;، للمرة الأخيرة.
كم ستبكيكَ القدس، حين تعبر إلى القدس وصلاتها العجولة، للمرة الأخيرة.
كم سيبكيكَ الزيتون، حين تنام بين يديه الغاربتين في quot;الأخضر الأخيرquot;، للمرة الأخيرة.
كم سيبكيكَ quot;خبز أمكquot;، حين quot;تحنّquot; وتصليّ إليه، للمرة الأخيرة.
كم ستبكيكَ quot;قهوة أمكquot;، حين تغيب في خطواتها التي كم تشبهك، للمرة الأخيرة.
كم ستبكيكَ quot;لمسة أمكquot;، وأنت تدوّنها، في دفاترَ من غيابٍ أكيدٍ، للمرة الأخيرة.
كم ستبكيكَ quot;فلسطين البروةquot;، حين تغيب على يديها، للمرة الأخيرة.
كم سيبكيكَ آخر البحر كأوله، وهو الآن quot;يموت فيك وفيهاquot;.
كم ستبكيكَ quot;أختك الشجرةquot;، وأنت الآن تتقاسمها، ما فاتكما من علوٍ، وانتظار كبيرٍ.
كم سيبكيكَ الحصان، وquot;أنت تركته، هناك، وحيداًquot;.
كم سيبكيكَ القمر، حين يمتلئ بغيابك الفادح.
كم سيبكيكَ quot;النصف الفارغ من الكأس، حين لن تجد الشمس الطريق إليك لتملأه بهاquot;.
كم ستبكيكَ الأصابع، التي quot;هي الفرق بينك وبينهاquot;، quot;بينك وبينكquot;، حين تغيب فيها، وتروح وتجيء، بين الزوال والزوال.
كم سيبكيكَ الحاضر، وأنت تغيب واقفاً.
كم ستبكيكَ الحياة، وأنت تموت واقفاً.
كم سيبكيكَ الغياب، وأنت تحضر فيه واقفاً.
كم سيبكيكَ الأمام والوراء، حين quot;لن يكون الأمام أمامكquot; ولا quot;الوراء وراءكquot;.
كم سيبكيكَ الموت الفادح، الذي كانك وأنت في أوج حبها، حين يكتشفك كم أنك quot;بطيءٌquot; إليه، وكم هو بطيءٌ، كأنه أنت إليك.
كم سيبكيكَ الدم الذي quot;كأنه وطنكquot;، حين تسكن الموت المجاور لquot;قرميد حيفاquot;.
كم ستبكيكَ السماء القتيلة، من أولها إلى آخرها،
والكتاب القتيل، والهديل القتيل، والأبجدية القتيلة، والجهة القتيلة، والصلاة القتيلة، لكأنك هي.
كم سيبكيكَ العابرون إلى الشعر، والخارجون والقادمون منه، والعائدون إليه، والساكنون فيه، والمسكونون به، والمهجّرون والمبعدون عنه، حين تنقص القصيدة، وتنقص الأبجدية، وتنقص الحروف، وينقص الكتاب، وينقص الوقت، وينقص المكان.
كم سيبكيبك quot;خارج المكانquot;، المنحدر quot;من هناك وهَهناquot;، الذي هو quot;ليس هنا ولا هناكquot;، والذي دخل الموت قبلك وquot;وصّاك بالمستحيل البعيد، على بعد جيلٍquot;؛ حين وصّاك بالتاريخ المستحيل، والجغرافيا المستحيلة، والكتاب المستحيل، والحروف المستحيلة، والوطن المستحيل، والأنثى المستحيلة، وأنت الآن داخلٌ في أوج مكانه المستحيل، وأوج quot;هناكquot; ه، وquot;هناquot;ه، وفي أوج مستحيله الكثير، المتناثر، الممتد، من فلسطين تموت هنا، إلى فلسطين تموت هناك.
كم سيبكيك quot;الكردي الذي ليس له إلا الريحquot;، وأنت تركته الآن، وحيداً للريح: لميلادٍ وموتٍ من الريح، ووطنٍ من الريح، وجغرافيا وتاريخٍ من الريح، وحدودٍ من الريح، ويدينِ من الريح، وحنينٍ من الريح، وأبجديةٍ من الريح، ونبيذٍ وفودكا ومساءاتٍ من الريح.
كم سيبحث عنك الكردي، في quot;هويته التي هي لغتهquot;، وفي quot;لغته التي هي منفاهquot;، وفي quot;منفاهquot; الذي هو الآن quot;آخر الفراغquot;، وquot;آخر الجهة التي وقعت بهquot;، وآخر الفودكا في آخر المساء، كي ينام فيه، مع الباقي من شماله، والباقي من كائناته، والباقي من quot;عبور بشروشهquot;، والباقي من quot;سديم أختامهquot;، والباقي من quot;دينوكا بريفا الآيلة إلى طعنةٍ هادئةquot;.
وأنت الآن في طريقك إلى غيابٍ هو إلى الريح، ترى ماذا وصيت الكردي، الذي quot;لم يحلم بشيءٍ منذ حلّ الجن في كلماتهquot;، والذي quot;ليس له إلا الريح تسكنه ويسكنهاquot;، كما ليس له في المنفى، من وصيةٍ، لكرديّه، quot;إلا الريحquot;؟
وأنت تموت الآن كبيراً، تعال إلى ما تبقى من حياةٍ، وإلى ما تبقى من شعرٍ، وإلى ما حواليه مما تبقّى من مساءٍ ونبيذٍ، واحكي لنا الكثير الكثير الباقي من اسمك العالي.
وأنت الآن تموت شاهقاً، تعال وهجّي لنا ما تبقى من فلسطين، ما أصبحت عليها، وأخواتها الدائرات في فلك الريح: سياسات من الريح، ومفاوضات من الريح، وquot;أسلوهاتquot;(جمع أوسلو) من الريح، وعواصم من الريح، واتفاقيات من الريح، وممالك وطوائف من الريح، وزعامات وعمامات من الريح، وإيديولوجيات، وانتصارات إلهيات، و خلافات من الريح إلى الريح.
وأنت الآن تعيش في الموت، كثيراً، تعال وحدّثنا عما تبقىٍ من أرضٍ فاتتك كثيراً، quot;ما أُعدت لك كي تستريحquot;.
تعال وانشد لنا، ما تبقى من quot;نشيد إنشادكquot;، ومن quot;بابل ومصر والشامquot;، ومن quot;انتباه يديها وانتباه الكلامquot;، ومن quot;فستق صدرهاquot;، ومن هديلٍ وحمامٍ، ما عاد كعادته، quot;يحط ويطيرquot;، وانشد ما تبقى من quot;صباحٍ ما عاد فاكهةً للأغانيquot;.
تعال، وquot;كن حبيبهاquot; وquot;زبيبهاquot;، quot; كي يشفى الرخامquot;.
وأنت الآن منفيٌّ إلى موتك البعيد البعيد، الذي هو كمنفاك، quot;لا أمام أمامك ولا وراء وراءكquot;، تعال واسكب في يدينا ما تبقّى من أمامٍ ووراءٍ، يرحمان...تعال واكتب ما تبقّى من الله ووصاياه quot;فوق الماءquot;.
وأنت الآن تغيب عنا، وعن الوقت، وعمّا تبقى من مكانٍ، ودخلت في البعيد البعيد، quot;كزهر اللوز أو أبعدquot;، تعال وخذ بquot;يدي المستحيلquot; ، إلى يديها quot;المستحيلتينquot;، اللتين اشتاقتا إلى عبورك المفاجئ، كقهوةٍ على غير ميعادها.
اشتهيت الموت، باكراً، هل لتشتهيها أكثر، ويشتهيها الكلام؟
لذتَ بالعبور إلى الموت، باكراً، هل لتختصر كل اللذيذ من الكلام إلى يديها اللذيذتين، اللتين من لذيذ اليمام.
دخلت الموت وأشياءه، باكراً، هل لتقول لنا الآن، والموت يدوّنك، من البرزخ إلى البرزخ، أن quot;أربعةquot; أشياء لا تنتهي: quot;أنت، هي، والحب، والموتquot;؟
وquot;هي.. التي وقعت في الحب، كي تموت في حبهاquot;،
وquot;الحب..الذي هو هي، موتَ كنتهاquot;، وquot;الموت.. الذي أنت هو، حبّ كانتكquot;.
يا موتاً لا ينتهي، هو ميلادك، إلى ما لا نهاية؛
يا حباً لا ينتهي، هو هي، التي بينك وبينك، إلى ما لا نهاية؛
ويا حبيباً لا ينتهي، دخلتَها ودخلَتك، إلى ما لا نهاية:
قف..لنبكِ.
قف، لبعض وطنٍ ما أصبحت عليه، لنبكِ.
قف لبعض تاريخٍ، سقط عن ذاكرة حروفنا، لنبكِ.
قف لبعض إلهٍ، غاب عن ذاكرة صلاتنا، لنبكِ.
قف لبعض موتٍ هو الآن أنت، أو شبيهك، لنبكِ.
قف، لبعض حبٍّ هو هي الآن فيك، لنبكِ.
قف، لبعض قصيدةٍ، ستبقى هي أنت، لنبكِ.
قف لنبك يا محمود..
كيلا يكون غيابك، موتاً، أو quot;موتينquot;، أو أكثر.
قف لنبكِ..
كيلا يفوت علينا ما تبقى من زهر لوزٍ، وبحرٍ، وزيتونٍ، وقدسٍ، وحمامٍ، وبيروت وشام، وصباحٍ، وقهوةٍ، وكلام..
قف لنبكِ..
كيلا يفوتنا ما تبقى من بكاء..
- آخر تحديث :
التعليقات