بعد سقوط النظام الشمولي في العراق وانشاء نظام ديمقراطي جديد وفق النموذج اللبرالي الحديث.
خذت قضية الديمقراطية في العراق الجديد تحتل حيزا كبيرا في وسائل الأعلا م الاقليمية و العالمية واعتبرت من التجارب الديمقراطية الفريدة في منطقة تكثر فيها النزاعات العرقية والقومية الا وهي منطقة الشرق الاوسط. لأنها تضمنت اهم عناصر لنشر الديمقراطية مثل اللبرالية والاحزاب السياسية والدستور الاتحادي للبلاد.
وقد ساهمت الأجراءات التي قامت بها سلطة التحالف الدولي بالتعاون مع حكومة أقليم كردستان وقوى عراقية وطنية بحصول تطور ديمقراطي كبير وواسع في العراق وقد تمثل ذلك في:

-تشكيل حكومة ائتلافية تضم كل أحزاب المعارضة التي ساندت خطة تحرير العراق وحتى حزب نوري المالكي والذي كان في الاساس ضد عملية تحرير العراق.
-اجازة الحركات والأحزاب السياسية.
-ظهور الصحافة الحرة ومظاهر التعبير عن الرأي والمظاهرات والمسيرات السلمية.
-السعي المتواصل لبناء هوية وطنية جديدة للعراق، ولمعالجة الأخطاء السياسية التي رافقت تكوين الدولة العراقية والقيام بأجراءات ملموسة لأزالة ظواهر التمييز القومي والديني في مناطق البلاد.والخ

ولكن بعد توقيع أتفاقية صوفا مع الولايات المتحدة الامريكية وخروج الأمريكيين كشريك حيوي ومهم في العملية السياسية شهد العراق ارتدادا كبيرا في مسيرة العملية الديمقراطية، وبدأت تغيب عن الفكر السياسي العراقي ومفردات خطابه الرسمي العناصر الاساسية للديمقراطية الجديدة، وبرزت مفردات سياسية جديدة مثل الحكومة المركزية، صلاحيات رئيس الدولة، القائد العام للقوات المسلحة العراقية، اعتقال ضباط بتهم الانقلاب وغيرها.. من المفردات الفكرية السياسية الذي تعود أساسا الى الأنظمة الشمولية السابقة.

ولعل من أكبر مظاهر ارتداد المسيرة الديمقراطية بدأ في تجاهل تثبيت الحقوق الكردية المشروعة في بعض المحافظات الشمالية وعدم تثبيت حقوق الاقليات القومية الاخرى مثل التركمان والكلدو اشور وحرمانهم من المقاعد البلدية مما أدى تعرضهم الى تصفيات وعمليات تطهير عرقية مفتوحة في الموصل وفي محافظات أخرى في البلاد.


ان جزءا كبيرا من الأشكاليات الموجودة والمتعلقة بالديمقراطية يرجع الى اثار السياسة الدكتاتورية لبعض الأنظمة التي تعاقبت على حكم العراق. أضافة الى نظرة بعض أحزاب السلطة السياسية في الوقت الحاضر لمفهوم الديمقراطية نفسها، وقد علمتنا تجارب الماضي أن أسلوب التغاضي عن خرق الديمقراطية بحجة حماية قضية الوحدة الوطنية، ليس فقط لا يحمي الوحدة الوطنية وأنما أيضا يلحق افدح الأضرار بها. بل أن حماية مسألة الوحدة الوطنية تتطلب عدم التغاضي عن خرق الديمقراطية.


ان حل قضية الأقليات من خلال التطبيق السليم للنظام الفدرالي وتوسيع اللامركزية في الحكم لا يعني في الواقع، دعوة الى تغيير الوحدة السياسية الجغرافية للدولة العراقية الأتحادية، بل يأتي أستجابة لحل قضايا العراق المزمنة الناشئة عن عدم مراعاة التعدد الاثني والقومي والطائفي من قبل السلطات العراقية المتعاقبة.

وختاما اعتقد ان التخلي عن الغموض والضبابية والعمومية في خطاب الحكومة العراقية الحالية، سيساهم في التوصل الى نظرة سياسية مشتركة تشكل الشرط الضروري لوحدة الحكومة العراقية بأقطابها الثلاث. وان ممارسة المزيد من الأنتهاكات ضد الديمقراطية ومصادرة حقوق الأقليات والقوميات ستكون لها ردود أفعال سلبية تسيء للواقع الديمقراطي الحالي. أن الحرص على عدم خرق مباديء الديمقراطية والمحافظة على السلم الأهلي والدفاع عن مسيرة الديمقراطية ستساهم عمليا في عملية التخلص من المخلفات العائدة الى الأنظمة الدكتاتورية عبر تجديد الأمال بمستقبل الديمقراطية وافاق تطورها.


الدكتور راوند رسول
[email protected]