رسالة مفتوحة إلى دولة رئيس الوزراء الأستاذ نوري المالكي هي بمثابة صرخة استغاثة قبل حدوث الكارثة

أحطت علماً قبل أيام بحدث أصابني بشبه شلل في التفكير ناهيك عن التعليق والتحرك لعمل شيء لوقف الكارثة التي تحيق بأحد أعرق صرح تراثي وتاريخي في العراق ألا وهو الروضة الحسينية في كربلاء. ففيما عدا الجانب الديني والعقائدي، والبعد الإنساني والمعنوي والعاطفي، للمسألة، هناك الجانب الثقافي والحضاري والتراثي المعرض للتشويه والتخريب المتعمد والمقصود من جانب جهة تتصف بالجهل والأنانية والجشع لأنها تريد تحقيق الربح السريع وبأبخس الأثمان على حساب جمالية عمارة المكان وقدسيته ورمزيته العريقة أعرف منها إسم واحد هو المسؤول عن هذه الكارثة وهو محمد علي الشهرستاني.


السيد رئيس الوزراء المحترم: أنت تعرف قبل غيرك أن التراث الحضاري للعراق مرتبط بشكل أو بآخر بالتراث الحضاري الإنساني والعالمي الذي تعترف به منظمة اليونيسكو الدولية التابعة للأمم المتحدة، لأنه جزء منه وملك للإنسانية جمعاء ولا يجوز المساس بأي معلم من معالم هذا التراث الحضاري والمعماري العراقي ولا يحق لأحد التعامل مع هذا الصرح إلا عن طريق أيدي متخصصة وخبيرة في هذا المجال. \لقد تعرض هذا التراث في العقود الماضية ولا يزال يتعرض اليوم للتشويه العمراني والتخريب والسرقة من قبل جهات متنفذة لا علاقة لها بالتراث والإعمار والترميم وفق الأصول والمعايير العملية المتبعة التي يطبقها الخبراء في العالم المتقدم لصيانة وترميم تراثهم الثقافي والمعماري من قصور وكنائس وكاتدرائيات وبيوت تراثية وغيرها. ارتكبت جهة عراقية معلومة، خطأ فادحاً، بل يمكن أن أسميه خطيئة لا تغتفر، بحق عمارة الروضة الحسينية في كربلاء، تصل إلى مصاف الجريمة بحق التراث الحضاري العراقي من خلال مشروع تسقيف صحن الروضة الحسينية بطرق بدائية، وهذه ظاهرة خطيرة في مجال المعمار والفنون وحفظ التراث، وأن هذه الجهة هي مثال واضح وجلي عن عدم أهلية الكثير من الجهات والمؤسسات والمراكز التي تعمل اليوم في العراق تحت مسميات مختلفة وتقدم نفسها بأنها مكاتب استشارية وتقنية متخصصة. ولا ننسى أن الروضة الحسينية ليست ملكاً للعراق وحده فحسب بل هي أحد المعالم المعمارية الإسلامية البارزة في العالم الإسلامي لذلك فإن المساس بأي جزء من عمارتها وأسلوبها المعماري يعتبر مساساً بكيان وجوهر وروح وأصالة هذا التراث الإسلامي برمته وتدنيس لهذا المعلم الحضاري العريق عراقيا وعربياً وإسلامياً وعالمياً. يمكننا أن نتصور ماذا سيحدث لو تم تسقيف الروضة الكاظمية والروضة النجفية وصحن جامع الأزهر في القاهرة وجامع القيروان في تونس والجامع الأموي في دمشق وتشويه معالم تلك الصرح الأثرية والتاريخية العريقة. لايخفى على دولة رئيس الوزراء أن الصحن يعتبر أحد العناصر الأساسية في المسجد كما رسمها وحددها رسول الأمة عند بناء أول مسجد في المدينة المنورة وتلك العناصر هي المصلى والحرم والمحراب والصحن، وإن إلغاء الصحن بهذا الطريقة العشوائية البشعة يفقد الروضة الحسينية أحد أهم وأجمل عناصرها ومعالمها الجمالية الرئيسية والجوهرية.يبدو أن المكلفين بتنفيذ مشروع تسقيف صحن الروضة الحسينية يجهلون أموراً كثيرة قد تنطوي عليها كوارث عديدة لم يحسبوا حسابها بدقة اليوم. فعن طريق الصحن تتم الإنارة والتهوية الطبيعية للحضرة التي تفتقد للنوافذ وذلك عن طريق البوابات والمداخل المطلة على الصحن المنفتح على الهواء الطلق. وقد أغفلوا كذلك عنصر الحركة وهو أساسي أيضاً.

فحركة الزوار في الخروج والدخول للحضرة يتم عن طريق الصحن ولذلك فإن إلغاء الصحن كعنصر مستقل وإلحاقه بالحضرة سوف يفقد هذه الأخيرة أهم ميزة فيها وهي حركة الزوار في الذهاب والإياب منها وإليها عبر الصحن المحيط بها وبالأخص عند الزيارات الخاصة التي تسمى الزيارات المليونية حيث أن تسقيف الصحن سيخلق حتماً حالة من الضيق النفسي والشعور بالاحتجاز وزيادة التدافع لاسيما وأن أرض الصحن التي تم تسقيف جزء منها يبين أن الزوار سوف يفترشون أرض الصحن للأكل والاستراحة وبالتالي عرقلة الحركة الإنسيابية عندما يكون الصحن منفتحاً على الهواء الطلق ولامجال للجلوس والمكوث فيه. كما تبين الصور التيشاهدناهادرجة العبث بعناصر ومفردات العمارة التاريخية للروضة الحسينية وذلك بلجوء المنفذين للحديد المطلي المسمى في العراق الشيلمان المشوه وصفائح الكونكريت المسلح الجاهزة أو المسبقة الصنع للتبليط والتسقيف والتي لاتمت بصلة مع مفردات وأدوات ومواد وعناصر معمارية الروضة التاريخية التي يعود تاريخ بنائها إلى 700 عام تقريباً. ينبغي في مثل هذه المشاريع الحساسة اللجوء إلى استشارة جهات متخصصة في مجال حفظ التراث وترميمه تكون ذات باع طويل وخبرة عريقة قبل البدء بالعمل وتكون عملية الترميم والتجديد والصيانة وفق نصائح وتوصيات وتصاميم هذه الجهات المختصة كالهيئة العامة للآثار والتراث، والأقسام المعمارية في الجامعات العراقية، وبعض المنظمات العراقية التي تعنى بصيانة وحماية التراث العراقي، وشخصيات مشهود لها بالخبرة والكفاءة أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الأستاذ خالد السلطاني والأستاذ محمد مكية والأستاذ رفعت الجادرجي والمعمارية زها حديد والمهندس المعماري الدكتور رؤوف الأنصاري وغيرهم كثير.

كما ينبغي أولا إطلاع نقابة المهندسين العراقية على أي مشروع هندسي معماري له علاقة بالتراث فكيف يتم إجازة مشاريع هندسية كبيرة بمثل هذه الأهمية إلى مكاتب استشارية وهمية أو غير معروفة وغير مسجلة لدى نقابة المهندسين العراقية علماً بأن هناك قانون ينص على عدم إحالة أي مشروع استشاري هندسي إلى أي مكتب ما لم يكن مسجلاً لدى نقابة المهندسين العراقية ومعترفاً به من قبلها والحال أن المكتب المكلف بمشروع التصميم الأساسي لمدينة كربلاء المقدسة ليس مسجلاً لدى النقابة وبرغم ذلك قام جانبه التنفيذي بتشويه معالم الروضة الحسينية بلا رادع من خلال عملية تسقيف بربرية وبدائية للصحن الحسيني والجهة المنفذة غير مسجلة هي الأخرى لدى نقابة المهندسين العراقية بل تم طبخ المشروع عن طريق الوساطات والمحسوبية والمنسوبية والفساد والرشوة من خلال مسرحية هزيلة سميت بمسابقة التصاميم تقدمت إليها مكاتب وشركات وهمية أو غير معروفة أغلبها إيرانية الجنسية وتفتقد لأي تجربة عملية أو خبرة في هذا المجال.


لذلك نهيب بالحكومة العراقية الموقرة وعلى رأسها دولة رئيس الوزراء الأستاذ نوري المالكي القيام بما يلزم وبأسرع وقت ممكن للحد من هذه الظاهرة الخطيرة خصوصاً وأن هذه الجهة تنوي تسقيف الصحن العباسي أيضاً وكذلك في سامراء تسقيف صحن الإمامين العسكريين اللذين يعاد بناءهما اليوم وربما الصحن النجفي كذلك، وأن تباشر الحكومة بما لديها من سلطة قانونية فوضها بها الشعب لإزالة ما تم تنفيذه من هذا السقف مهما كانت التكلفة المادية لما تم إنجازه، وإنقاذ وترميم وصيانة ما تم تشويهه خصوصاً جدران الحضرة وسور الصحن حيث تم تخريب المفرقصات الجميلة والبلاط القاشاني، وإعادة الوجه المعماري الأصيل إلى أصله السابق والعمل على توسعة الروضتين الحسينية والعباسية في مدينة كربلاء بما يضمن الحفاظ على جمالية المكان وملامح العمارة الإسلامية ومنع تسلل العناصر الدخيلة وفق تصاميم تستوحي التراث المعماري الإسلامي وهناك تصاميم جاهزة وجميلة وكفوءة تم تحضيرها بجهود متواضعة بطلب من المرجعية يمكن الاطلاع عليها والاستفادة منها لأنها الأنسب لتوسيع وتشجيه السياحة الدينية واستيعاب ملايين السواح، وأن تتعهد الحكومة العراقية بمنع حدوث أي عبث وأية تجاوزات بهذا التراث الحضاري العريق قبل أن تقع الكارثة ويحاسبها التاريخ على تقصيرها أو إهمالها. كما أناشد دولة رئيس الوزراء القيام بتشكيل لجنة عليا متخصصة في إعادة تطوير وبناء وترميم وصيانة التراث الحضاري يكون لديها سلطة القرار الملزم وتستمد شرعيتها من رئاسة الوزراء، وكلي أمل و ثقة بأن رفيق درب النضال من أجل الحرية والديموقراطية والخلاص من الدكتاتورية الأخ نوريquot;جواد كما يحب أن أسميه دائماًquot; أبو إسراء المالكي سيسمع ندائي هذا.

د.جواد بشارة

باريس
[email protected]