لفت انتباهي خبر نشر مؤخرا في الصفحة الرئيسية لاحدى الصحف العراقية الصادرة في لندن، ينطوي على جملة من التناقضات وعلى نفس شوفيني هو من مخلفات فكر حزب البعث البائد، فالعنوان الرئيسي للخبر يتطرق الى تحذيرات من حصول الاف الايرانيين على المواطنة العراقية، ولا يشير التقرير في تفاصيله الى الجهات التي أطلقت هذه التحذيرات.


والأسباب التي تدفع الاف الايرانيين للحصول على الجنسية العراقية في الظروف الماساوية الراهنة التي تهيمن على الحياة العراقية، فعدم ذكر اسم الجهات المحذرة وخلو االخبر من معلومات عن تفصيل واحد له علاقة بهوية هؤلاء الايرانيين يكشف عن إصابة محرر الخبر بمرض quot;ايرانفوبياquot;.


وكان بالامكان ان نتجاهل هذا الخبر لو إنه إكتفى بالتلفيق وتزوير الحقائق لما له علاقة ببلد مجاور، إلا أن الخبر شوه بقصد حقائق تتعلق بالعراقيين الذين هجرهم نظام صدام حسين وأسقط عنهم الجنسية العراقية واحتجز الآلاف من ابنائهم وأعدمهم فيما بعد لأسباب عنصرية، فهذه الصحيفة العراقية تشير إشارة عابرة الى الجريمة البشعة التي نفذها النظام الديكتاتوري البائد ضد أكثر من نصف مليون مواطن عراقي من ذوي الأصول الفارسية ومن الكورد الفيلية، وفيما تخصص هذه الصحيفة صفحات كاملة لتفاهات الفكر الشوفيني، نلاحظ أنها توجز جريمة التهجير بعبارة quot;أجبرهم النظام العراقي السابق على المغادرةquot;، وواضح انه هذه الصياغة لجريمة ووثقتها المنظمات الحقوقية والانسانية كمنظمة الامم المتحدة والصليب الأحمر الدولي ومنظمة العفو الدولية على النحو المذكور تسعى لتلميع الممارسات الاجرامية للنظام العراقي السابق، ثم تواصل هذه الصحيفة التلفيق والكذب فتكتب quot;وكان المجلس الاعلي الاسلامي الذي يترأسه عبدالعزيز الحكيم يعمل بنشاط وسط المهجرين العراقيين في ايران وجند الآلاف منهم للعمل في فيلق بدر.quot;


والحقيقة أن الغالبية الساحقة من أبناء المهجرين لم تنضم الى أي تيار سياسي معارض لنظام صدام وقد سعى هؤلاء المهجرون لبناء حياتهم من جديد من خلال النشاط التجاري والاعمال الحرة، بعد أن صادر نظام صدام حسين جميع ممتلكاتهم.


ولعل الفقرة الثانية من هذا الخبر الملفق والمملوء بالمغالطات والأكاذيب، تفضح بكل وضوح محاولة هذه الصحيفة لاتهام العراقيين المهجرين بالعمالة لايران:
وقالت مصادر عراقية وثيقة الاطلاع ان اللجنة المذكورة تعتمد علي تسهيل اصدار الجنسية لهؤلاء بالاعتماد علي احصاء 1957 وشهادة شخصين او اثبات الرعوية العراقية الصادرة من الدول العثمانية لحل جميع المسائل المتعلقة بالتعويضات.


وليس واضحا في هذه الفقرة الركيكة من المقصود بالهؤلاء فان كانوا عراقيين هجرهم النظام السابق الى إيران فلماذا يصفهم عنوان الخبر بالايرانيين وإن كانوا ايرانيين فان الشروط التي وضعتها لجنة إعادة المهجرين العراقيين تكاد تكون تعجيزية أكثر من كونها تسهيلا، فمن المستحيل ان يكون بوسع مواطن ايراني اثبات عراقيته من خلال إحصاء عام 1957 اضافة الى شهادة شخصين أو إثبات الرعوية العراقية الصادرة من الدولة العثمانية لحل جميع المسائل المتعلقة بالتعويضات.


إن إستشهاد الصحيفة بعبارة التعويضات يضعها في تناقض صارخ إذ كيف يمكن لالاف الايرانيين الحصول على التعويضات من بلد لم يعيشوا فيه؟


تسوغ الصحيفة لجريمة النظام البائد حينما تصر على إعتبار هؤلاء المواطنين العراقيين ايرانيين ثم تورد عنوانا فرعيا تؤكد فيه أنهم مهجرون تستعجل لجنة حكومية تزويدهم بالجنسية العراقية قبل الانتخابات، هذا النفس العنصري الشوفيني فوت على الصحيفة معرفة حقيقة بسيطة هي في حكومة البديهيات بالنسبة لمن له أدنى معرفة بظروف هؤلاء المهجرين، وهي أنهم خارج التوظيف الحزبي للاحزاب الاسلامية، فقد قاطعوا الاحزاب في فترة تواجدهم في ايران، ولهذا تم تجاهل قضيتهم الانسانية العادلة من قبل الاحزاب الاسلامية التي تسلمت الحكم في مرحلة ما بعد سقوط النظام الديكتاتوري.


ليس من باب التحريض ولكن من وجهة نظر قانونية يحق لالاف من العراقيين الذين خرجوا من المخيمات التي استضافتهم فيها الحكومة الايرانية بكفالة من مواطنين ايرانيين في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي رفع دعوى قضائية ضد هذه الصحيفة لاتهامها لهم بالعمل مع جهات سياسية ايرانية فقد جاء في هذا الخبر الملفق:
وكانت مخيمات المهجرين العراقيين في ايران تخضع لادارة الحرس الثوري الايراني، حيث كانوا يعيشون في اوضاع انسانية سيئة ولا تسمح هذه القوات بالخروج للمهجرين من المخيمات الا لمن يقبل التعاون معها.


والخبر يعكس من خلال تشويه الحقائق والتمويه على عراقية ضحايا جريمة التهجير، خلطا رخيصا ومبتذلا بين خزعبلات الثقافة الصدامية التي اعتبرت مواطنين عراقيين أبا عن جد طابورا خامسا لايران بحكم كونهم من أصول ايرانية، وبين هذيانات مصابين بفوبيا الآخر.


العراقيون المهجرون الى ايران هم مواطنون عراقيون تعرضوا الى أبشع جريمة شهدتها المنطقة في ثمانينات القرن الماضي، وعلى الحكومة العراقية أن تقوم بدورها في خلق المقبولية الاجتماعية بين جميع شرائح المجتمع العراقي لعودتهم الى ديارهم وان تقدم لهم اعتذارا رسميا على تقاعسها في حل مشاكلهم واعادة جميع ممتلكاتهم اليهم وأن لا تتأثر بمواقف أيتام البعث العنصرية تجاه هؤلاء الضحايا الأبرياء.

محمد الأمين
رئيس جمعية الدفاع عن العراقيين من ذوي الأصل الفارسي
[email protected]