أخيرا قدم المشهداني إستقالته ورحل..ذلك كان المشهد المعروض على شاشات القنوات الفضائية، وخلف المشهد المعلن تساءل البعض عن أسباب إصرار الكتل النيابية على إقالة المشهداني عن منصبه كرئيس للبرلمان العراقي.


طوال أزمة المشهداني مع الكتل النيابية كنت على إتصال دائم بمصادر نيابية في بغداد، وعرفت تحديدا الأسباب الخفية وراء تلك المواقف المتصلبة من الكتل النيابية الرئيسية بإقالة المشهداني وليس بإرغامه على تقديم الإستقالة،فالكتل النيابية بعد أن سمعت من الرئيس المشهداني تلك الألفاظ النابية ضد عدد من نواب المجلس في الكواليس الخلفية لقاعة البرلمان العراقي، إشتعل غضبها الى درجة لم تتمكن أكبر الكتل النيابية والسياسية وأكبر قادة البلد من تهدئة النفوس وجبر الخواطر لتجاوز المشكلة، حتى الرئيس جلال طالباني دعا من مقر إقامته في السليمانية أثناء وقوع تلك المواجهة الى ضبط النفس وعدم خلق مشكلة جديدة في العراق المثقل بالمشاكل بطرد المشهداني وإحداث فراغ سياسي كبير العراق في غنى عنه في مثل هذه الظروف الحساسة، ولكن حتى دعوة طالباني المخلصة لم تلق الآذان الصاغية من الكتل النيابية، ولم تشفع بالتجاوز عن الخطأ الفظيع الذي إرتكبه المشهداني، لأن الإهانة التي وجهها المشهداني الى النواب والى البرلمان الذي إنتخبه الشعب كانت خطيئة لا تغتفر..

سأتحفظ على الألفاظ النابية والشتائم التي إستخدمها المشهداني في مشاداته الكلامية مع عدد من النواب في الغرف الخلفية خارج قاعة البرلمان، وهي موثقة عندي ومسجلة نقلا عن مصدر كبير في إحدى الكتل النيابية، ولكن الخبر الذي نشرته quot; إيلاف quot; يوم أمس حول إقالة المشهداني وبيان بعض النعوت والأوصاف التي أطلقها على النواب والمجلس، هي في نظر القانون العراقي تعتبر جريمة جنائية يعاقب عليها قانون العقوبات العراقي.

فوصف أعضاء البرلمان العراقي بأنهم مجموعة من الكاولية (الغجر) ولا يصلح لهم الا رئيس كاولي quot;غجريquot;، هو جريمة تفوق كثيرا جريمة قذف الحذاء بوجه رئيس أجنبي يحل ضيفا على العراق والذي سيقضي مرتكبه عقوبة السجن لسنوات طويلة إذا لم يصدر عنه عفو خاص،لأن قاذف الحذاء أهان رئيس دولة أجنبية، ولكن المشهداني أهان الشعب العراقي بأكمله، فالعراقيون يدركون قبل غيرهم مدى قباحة هذا الوصف، لأنهم يعرفون مهنة( الكاولية - الغجر) في العراق!!.

لقد كثرت أخطاء وزلات المشهداني وسوء إدارته للبرلمان العراقي،ولمن لا يعرف خلفيات هذا الموضوع عليه أن يعود الى قراءة تاريخ هذا الرجل ومواقفه السياسية التي تعبر عن مواقف كتلته النيابية، فهو رغم كونه سجين سياسي سابق وأحد المعارضين للنظام البعثي السابق، ولكنه بمواقفه السياسية الأخيرة يصطف الى جانب القوى المعادية للتجربة الديمقراطية في العراق.

فقد أشارت بعض المصادر الإعلامية الكردية، أن المشهداني إلتقى قبل فترة أعضاء في هيئة العلماء المسلمين في الأردن، وهي هيئة تقاطع العملية الديمقراطية في العراق، وتدعم القوى المتطرفة التي تقف ضد الحكومة الحالية، وبحسب تلك المصادر فقد طلبت الهيئة من المشهداني تقديم إستقالته من رئاسة البرلمان، ويبدو أن المشهداني رضخ لهذا الطلب ولكنه زاد عليه ببعض الفلافل والبهارات بأن خرج من البرلمان بهذا الطريقة الدرامية.

كنت قد كتبت في وقت سابق مقالين عنونتهما بمساويء وفضائل الديمقراطية، وكنت أحسب ومازلت أعتقد بأن للديمقراطية بعض المساويء تصطف الى جانب فضائلها الكثيرة، ففي العراق الجديد ساعدت الديمقراطية الكثير من القوى السياسية المرفوضة من غالبية المجتمع العراقي لأسباب إرتياطها بأفكار وطروحات متطرفة أو عنصرية أو طائفية بالوصول الى البرلمان والحكومة، وهي قوى سياسية لا تؤمن بالأساس بالمباديء الديمقراطية، وتحنو الى أيام الحكم المركزي وإستفراد فئة أو طائفة معينة بالحكم في العراق وإعادة الدكتاتورية إليه، ولعل محمود المشهداني هو أحد الذين إستفادوا من مساويء هذه الديمقراطية بوصوله الى سدة رئاسة البرلمان الذي يعتبر حامي الديمقراطية والضمانة الأساسية لها، فكيف يجوز لرئيس برلمان منتخب من قبل الشعب أن يهين هذا البرلمان ويصفه بمركز لتجمع quot; الكاوليةquot;؟؟!.


ثم كيف أجاز المشهداني وهو يمثل السلطة العراقية أن يرضخ لمطالب جهة متطرفة هي أٍساسا معادية للتجربة الديمقراطية في العراق؟!.
وكيف أجازت كتلته البرلمانية ترشيحه لمنصب الرئاسة وهي تعلم أنهquot; راشيquot; أعطى 123 مليون دينار لمحكمة الثورة لينجو برقبته والعراق يمتليء بالملايين من ضحايا النظام السابق ممن هم أكثر أهلية من المشهداني لإحتلال ذلك المنصب؟!.
ألم تجد كتلته النيابية شخصا أفضل من هذا الراشي والقاذف والشاتم في أعراض الناس؟؟!.

إنها مأساة حقيقية أن تجتمع قطعان الذئاب المفترسة لتنهش جسد العراق الجريح بهذا الشكل الفظيع، ولقد حان الوقت لندق آخر مسمار في نعش الديمقراطية العراقية التي لا يليق بحسب رئيس برلمانه إلا أن يحكم أعلى هيئته الدستورية سوى:

quot; رئيس كاولي غجري quot;؟؟؟!!

شيرزاد شيخاني

[email protected]