بعد أيام ستحل علينا ذكرى واقعة كربلاء الأليمة الواقعة التي استشهد فيها الحسين وال بيته وأصحابه بعد وقفة رائعة وشجاعة قل مثيلها وبالرغم من أن استذكار الحادثة يعد أمرا طبيعيا لقيمة هذه المناسبة وتأثيرها المعنوي الهام إلا أن من المؤسف أن تتحول أخيرا إلى مجرد شعار سياسي وعمل دعائي لإغراض لا علاقة لها بهدف المناسبة أو قيمتها المعنوية وبالرغم من أن لبعض الطقوس والشعائر قيمة فلكلورية واجتماعية مهمة إلا أن استخدامها بهذا الحجم والفوضى يعد أمرا مخالفا لكل ما انطوت عليه المناسبة من قيمة ومعنى حيث أصبحت وسيلة للرياء وعملا تفاخريا يستخدم للتعبئة والمفاضلة الأمر الذي ضخم من حجم الطقوس ووسع من مدياتها إلى درجة باتت تهدد روح الحياة المدنية حيث تمارس هذه الطقوس دون التقيد بمعايير الزمان والمكان فمن حيث الزمان أصبحت الطقوس لا تقتصر على أيام عاشوراء بل امتدت لتشمل معظم أيام السنة تحت ذريعة إحياء وفيات وولادات بعض الشخصيات الإسلامية وبعض الأعياد والمناسبات الأخرى وإذا علمنا أن هذه المناسبات وأمد إقامتها تمتد إلى أكثر من مئة يوم لعلمنا مدى الخسارة التي تسببها لاسيما على مصالح الناس وحقوقهم لأنها تساعد على زرع ثقافة الإهمال و التسيب في العمل ففي أيام عاشوراء مثلا لاسيما خلال الزيارة الراجلة يترك الكثير من الموظفين أعمالهم تاركين دوائرهم بلا فاعلية ففي المدارس مثلا التي يفترض أن تعلم الناس ثقافة النظام واحترام المسؤولية يترك معظم الطلبة والكثير من مدرسيهم الدوام ويواظبوا على أداء الشعائر دون اهتمام لما يسببه سلوكهم من أضرار اجتماعية واقتصادية كبيرة حيث تتوقف الأنشطة المدرسية لعدة أيام أو لنصف شهر تقريبا في كل مناسبة وأحيانا تتدخل بعض الجهات السياسية لإلزام المدارس والدوائر على التعطل عن العمل وإحياء هذه الشعائر التي غدت إلزامية ويعاقب كل من يروج ضدها أو يمتنع عن ممارستها حيث يصل الخوف ببعض الموظفين حد إيقاف كل أنشطتهم الوظيفية من اجل المشاركة حتى لايكون في عداد المنبوذين أو المعاقبين اجتماعيا أو رسميا بعد أن أخذت بعض الدوائر باعتماد نهج معاقبة منتسبيها ليس على التغيب والتسرب من العمل بل على عدم تغيبهم وتجاهلهم للواجب الشعائري!

ولان الشعائر جماعية ومقدسة فلايجري التقيد بوقت معين لإقامتها حيث يتم إحيائها في كل الأوقات تقريبا من الصباح إلى المساء دون حسبان لحاجة الناس للراحة والهدوء أما من حيث المكان فكل الأمكنة مباحة لهذا النوع من الشعائر بما في ذلك الشوارع والساحات العامة والبيوت الشخصية وقرب الأحياء السكنية دون مراعاة لما يحصل من إشكاليات نظرا لاحتواء هذه الطقوس على مناظر دموية وتصويرها لمواقف مؤلمة الأمر الذي يؤثر على سلوك الأطفال والمراهقين الذين يجدون في هذه الطقوس ضالتهم المنشودة لينفسوا من خلالها عن معاناتهم وآلامهم النفسية فيشاركوا بوعي أو دون وعي فيها الأمر الذي يسبب خسارة اجتماعية كبيرة من خلال حجز طاقاتهم في شؤون بعيدة عن المطلوب والضروري لأننا بحاجة إلى توجيه الجهود نحو البناء والأعمار ومواجهة التحديات التي يواجهها مجتمعنا على مستويات مختلفة بدل الانسياق خلف العواطف والانغماس بها وبدلا من أن يغدوا الحسين رمزا للنشاط والعمل كما يتضح من سيرته يوظف لغايات بعيدة عن الأهداف الحقيقية المطلوبة ويغدوا رمزا للكسل والتعطل وهذا ما يعد خيانة لقضية الحسين وحرفا لأهدافه التي أراد توصيلها من خلال ثورته المهمة فالحسين لايريد منا أن نترك مسؤولياتنا ونعطل أعمالنا ونتخلى عن واجباتنا لنمارس هوسا ما انه يريدنا أن نعمل وان نبذل كل ما باستطاعتنا من جهود من اجل الخروج من دائرة المعاناة والتخلف فلنكن جديرين بحمل رسالة الحسين أن كنا صادقين.

باسم محمد حبيب