حتى ظهر الأحد 14 كانون الاول 2008 كان ممكنا أن نقول أن الصحفي في العراق يحتل المركز الأول عالميا لا من حيث المخاطر التي تحيق به وبمهنته وحسب، بل وبالتعاطف العالمي الإنساني مع هذا الكائن ndash; الجندي المجهول ndash; الذي لم يجد من يقف معه سواء أكان في بداية مشواره الصحفي أو كان نقيبا للصحفيين. لكن الصورة بعد ظهر ذلك اليوم تغيرت تماما، ولن تعود إلى سابق عهدها مهما حاول العراقيون من صحفيين وغيرهم تلميعها، تغيرت بإقدام أحد مراسلي القنوات العراقية على رمي خُفّيهِ على الرئيس الأميركي بوش خلال المؤتمر الصحفي في بغداد.
من المفترض أن يكون الزيدي صحفيا، ضمن مجموعة خاصة من الصحفيين المدعوين إلى ذلك المؤتمر الصحفي المنعقد في بغداد، لكنه لم يتصرف كصحفي، ولا كبغدادي. وفي الوقت الذي كنا نتوقع منه أن يطلق الزيدي العنان لطاقاته الصحفية، ويرمي سهام الأسئلة المحرجة إلى الرئيسين العراقي والأميركي، أسئلة يخلدها التاريخ عنوانا لتاريخ سنوات من الخبرة الصحفية النادرة في مواجهة القتل والاختطاف والتهديد، والابتزاز والسيارات المفخخة والقنابل الموقوتة، إلا أنه رمى حذائيه بشكل يبدو مبيتا وليس عفويا. أهذا كل ما عند العراقي الصحفي من أدواة الإحراج.
quot;القندرةquot; تعبير عراقي بامتياز، ويبدو أن الزيدي أراد أن يؤكد إلصاق القندرة بصورة العراقيين، وبوجه الصحفيين العراقيين، بحيث سيتبادر لكل من يرى صحفيا عراقيا صورة حذاء ينطلق نحو وجه من الوجوه.
ولنسأل أنفسنا الآن، كيف ستتعامل وكالات الانباء بعد حادث الحذاء، مع موظفين من طراز الزيدي، ما هي الأجور التي ستدفعها لهم، وما هو الاحترام الذي ستقدمه لهم، بل كيف ستستطيع وسائل الإعلام وغيرها من التمييز بين صحفي عراقي وآخر. ثم كيف ستتعامل حتى وكالات اللجوء والإغاثة مع من يدعي أنه صحفي مضطهد في العراق، وأية أخلاق سينتظرها الصحفي العراقي ممن رأى مشهد quot;صحفيquot; عراقي يلجأ للقندرة بدل اللسان والقلم.
قال المتنبي: لساني، وسيفي صارمان كلاهماويبلغ ما لا يبلغ السيف مذوديquot;
المتنبي العراقي، كان قبل مئات السنين قد شج أحد خصومه رأسه بدواة في مجلس أدبي، لكنه لم يردّ على الضربة إلا بالكلمة وبالشعر لأن المتنبي شاعر. فأين نحن اليوم من أخلاق المتنبي.
ليقف الصحفيون العراقيون ويقولوا كلمتهم في هذا الموقف وفي غيره ممن يدمر صورتهم الأخلاقية في أعين الآخرين، صورتهم الأخلاقية التي هي آخر ما باتوا يملكونه بعد الدمار الذي حل بهم إنسانيا واقتصاديا. لا تشغلنكم الصورة الكوميدية لرئيس يحني رأسه تلافيا لحذاء عن رؤية أنفسكم في أعين الآخرين.
يعرف العراقيون تماما استخدامات القندرة في تعابيرهم اليومية، وفي تهديداتهم لزوجاتهم وخصومهم، لكن ما حدث إشارة خطيرة إلى الاتجاه الذي سيسير به العراق في السنوات المقبلة، ولننتظر لنرى إلى أين نحن سائرون في حقول الألغام والقنادر.

ناصر الحجاج