-1-

كانت لدي كما الكثيرين غيري، صورة وردية للتحرير القادم...!
كانت صور الأطفال العراقيين بثيابهم الزاهية الجميلة وهم يتوجهون صوب رياض الأطفال.. صور امهاتنا وأخواتنا وهنّ يتوجهن حشودا حشودا صوب المعامل والمزارع ومعاهد العلم.. صور شيوخنا البؤساء وهم يرفلون بثياب الكرامة والعزّ.. صور بيوتنا.. شوارعنا وهي تزهو بالأنوار.. صور ملاعب الأطفال.. مدن الأعراس.. المكتبات الراقية.. معاهد العلم الجبّارة التي تخرّج كل عام الآلاف من شبابنا، ليبنوا الوطن.. يرتفع البناء شاهقا يناطح السحاب..!
لم اتخيل البتة حشود اللطامين بثيابهم السوداء القذرة وبيارقهم البائسة الألوان..!
لم اتخيل صور منظمات الإحسان توزع الخبز على امهاتنا في بلد الخبز والعنبر...!
لم اتخيل شوارعنا تطفح بالقذارات، تلال القمامات امام بيوتنا، الرصاص يلعلع ليل نهار عند كل زاوية وخلف كل جدار.. اطفال المدارس يذبحون على مقاعد الدرس.. بناتنا.. اشباح سوداء تزحف في الشوارع القذرة بلحاف اسود يغطي كل شيء.. كنائسنا تدمر على رؤوس اهليها.. احبتنا من الأقليات يكرهوننا.. يشتموننا ويتمنون خلاصا منّا ومن العراق، بعد أن اذلّهم الأمريكان بيد الف عصابة وعصابة من شذاذ الآفاق..جماعة الجلبي.. الفرقة القذرة..بلاك ووتر.. الزرقاوي...فيلق القدس...الصدر...بدر ووو..!
اللعنة.. ماذا فعلتم بالعراق ايها القتلة ؟؟

-2-
بالدليل الأكيد ثبت..!
بالدليل الحاسم الحازم الجلي تأكد..!
ببصمة الذلّ التي رأها العالم كله على وجه بوش و( مضيفه ) وجبناء الموساد وبلاك ووتر الذين تكالبوا على منتظر الزيدي..!
بالدليل الأكيد ثبت أن نسيج الحكم التحاصصي الخبيث الرعديد كان لا اكثر من نسيج عنكبوت، بل وأوهى من نسيج عنكبوت..!
عصّفْ (قندرة) لا اكثر.. عصّفْ (مركوب) لا اكثر..!
فتى باسل.. فتى بعشرينيات العمر.. فتى اعزل.. لا زال يتذكر جيفارا ويحلم بايام الرجولة الحقّة..!

فتى بوعي ثوري متأخر لا الوقت وقته ولا الرجال رجاله ولا حتى اهل اليسار من يساره..!
فتى شجاع بقندرة عارية إهتبل فرصة الحضور ليوجه اكبر لطمة لبيت العنكبوت..!
وليذل رئيس اكبر دولة.. وقالها بلسانه.. بلسانه..( هذه اسوأ لحظة بحياتي )..!
الديموقراطية الحقيقية في الغرب، ديموقراطية قوية، رحيمة مثل حضن الأم وصارمة حازمة حادّة مثل نصل السكين، تلتقف الخلل.. الخطأ.. الإختراق، وتعالجه حتى قبل أن يخرج من الرؤوس..!
مراكز بحوث سيكولوجية وعلمية، مصحات، مخابرات تقوم على اساس العمل العلمي الرصين، اجهزة بحثية وتفتيشية متطورة، تفاعل دائم مع الناس عبر الصحافة المرئية والمقرؤة والمسموعة، مدارس وجامعات ومعاهد راقية ترصد إحتياجات الناس حتى وهي لما تزل نبتة في الفكر.
قنوات تمويل قوية متعددة تقوم بتلبية إحتياجات الناس المادية المعيشية.. سجون ومحاكم هي في واقع الحال احضان امومية وطنية تعامل الناس بالرفق والرحمة والفهم..!
الديموقراطية الحقيقية في الغرب حتى حين تُخترقْ، تُخترقْ اصلا برغبة النظام السياسي ذاته كمتنفسات للإختناقات الداخلية ومشاعر الغبن والرفض.
والديموقراطية في الأساس لا تبنى على اساس الكراهية والثأر والإنتقام والإقصاء والنواح واللطم على ماضي الزمان وهزائم ايام زمان، بل على اساس التسامح والتفاهم والعدل والرحمة وبرنامج علمي تقدمي شفاف للتغيير والتطوير وإشباع إحتياجات الناس.. كل الناس..!
والديموقراطية لا تبنى على اساس التحاصص والوفاق الطائفي والطبقي والعرقي، فالتوافق خيانة.. التوافق نقيض الوطنية والمواطنة.. التوافق لصق اجزاء متنافرة مع بعضها، سرعان ما تفكك لحمتها هبّة ( قندرة ) أو وخزة قلم.
الديموقراطية مواطنة لا نقول انها تمحي الخصوصيات بل ترقى بها إلى مستوى الوطن الواحد، أما أن تكون مع الوطن وضمنه أو تخرج إلى فضاء طائفتك أو عرقك وتخلصنا وتخلص نفسك من شيطان إنتماءك الضيق المخرب..!

-3-

من المفارقات البائسة أن يخرج علينا البعض وللأسف قائلين ( لو كان صدام، هل كان احد يجرؤ على فعل ما فعل ).
طبعا لا.. لأن صدام دكتاتور.. الرجل لم يقل أنه ديموقراطي، ولم يقل أنه بوارد خلق اقاليم وفتح ابواب لغزو العجم ومخابرات عشرات الدول، ولم يقل أن وظيفة الحاكم أن يكون شاهد زور وعرّاب خيانة وصاحب مظلوميات حسينية أو عرقية.


الرجل دكتاتور، والدكتاتور يحكم بالصرامة ويمسك الدولة مركزا وأطراف بيد من حديد ولا يجيز خروج ولا متر واحد أو قلب واحد عن شمولية الولاء للنسيج الجغرافي والتاريخي والسياسي والثقافي للوطن ولذاته التي يعتبرها رمز الوطن وحافظ وحدته.
هكذا هم الشموليون وتلك مسألة اخرى لا يمكن البتة أن تجيز ولا حتى كلمة مهينة عابرة ترد في ذهن صحفي أو وزير أو غفير أو سفير..!
ستالين تسبب في قتل مئات الآلاف ضمن مجهوده الوطني والأممي للحفاظ على بذرة الإشتراكية وللتصدي للتدخلات الغربية التي كانت تجتهد لإطفاء تلك الجذوة..!
وحافظ الرجل ضمن وعي عصره وبمقاييس عصره، حافظ على إتحاد قوي جبار عاش قرابة القرن، حافظ الأسد اخمد بقوة إنتفاظة السنّة، وحافظ على بلد لا تكاد تعرف كرديه من عربيه أو سنّيه من مسيحيه، ونجح في الخروج بسوريا من تحديات خطيرة خبيثة.
صدام حسين حافظ لقرابة الثلاثون عاما على بلد محاصر.. ملاحق.. مغضوب عليه من الكبار وصغار المنطقة.. حافظ على النسيج كما هو، وكلما هبّوا للتدمير، شرع ثانية بالبناء..!
الشموليون لهم نهجهم، بخيره وشرّه ومن الإسفاف ربط ما حدث للضيف الأمريكي (مدمر العراق ) ومضيفه الكريم الممثل السياسي ( عنوة وبضغط الأمريكان ) لطائفة عراقية كريمة، وزعيم حزب ليس في اجندته أو برنامجه البتة شيء اسمه العراق الواحد الموحد القوي المتطور..!
لا قياس البتة.. البتة..!
وأمر ثانٍ مختلف.. الطغاة لا يحكمون عبر دبابات الآخرين بل بجهودهم الفردية وخواصهم الذاتية المتميزة التي بينها طبعا القسوة المفرطة والحزم الشديد ووعي ما يريدون والإيمان الصارم بما يريدون، ( بسمارك، ستالين، هتلر، صدام، نماذج عديدة للطاغية الفرد ) وبالتالي فلا منّة أو فضل عليهم لأي قوة كانت، ولهذا لا يسلمون لشروط الآخرين في كيف يحكمون وماذا يلبسون وأين ينامون، كحكامنا الطيبون الآن، الذين لا يحلّون ولا يربطون شيئا بغير مشورة الأمريكان ولا يتحركون شبرا دون رقابة بلاك ووتر والموساد وفيلق القدس، في تحالف نشاز غريب غير مفهوم..!
اليس كذلك يا احبتنا الفخورون بالديموقراطية التحاصصية والراجمون للفتى الباسل منتظر..!
اليس كذلك ايها الأحبّة الكتّاب الرائعون الذين هبطتم حتى إلى ما تحت عصعص (منتظر)، في إفلاس مريع!
حقيقة.. انا آسف.. آسف للكثيرين ممن كنت اؤمن بهم وأقرأ لهم بشغف، وقد إفتضحوا اليوم وبانت عورة فكرهم الإنتهازي الجبان الخبيث المعادي للعراق ولغيرة العراقيين وكرامتهم..!

كامل السعدون