شاع quot; مصطلح quot; الصفويين عقب سقوط النظام العراقي السابق في التاسع من نيسان quot; أبريل quot; العام 2003 وقيام نظام آخر على أنقاضه يوصف بنظام المحاصصة أحيانا ً، ونظام المشاركة بين المكوّنات العراقية أحيانا ً أخرى. وبدا واضحا ً، إلى حد ّ ٍ كبير ، أن الجهات المتضررة من تغيـّر الوضع في العراق منذ 2003 هي التي تفضـّل استخدام هذا quot; المصطلح quot;، بما يتضمنه من خلفيات تاريخية وحضارية تلخـّص تصادمها مع المعنيين الذين تقدّموا إلى الواجهة أو إلى الصفوف الأولى، بعد تجاهل وإبعاد ٍ طويل، يمتد ّ على سنين متطاولة وربما قرون. وبدا quot; المصطلح quot; أيضا ً نوعا ً من quot; التحايل الشرعي quot; على عملية صناعة المصطلح. فالجهات المتضررة تعني quot; خصوما ً quot; محدّدين هم من شاركوها السلطة بعد استفراد ٍ طويل، لكنها تجد اللجوء إلى التحديد الاصطلاحي الدقيق لهم، بهويتهم الطائفية والمذهبية المعروفة، أمرا ً محفوفا ً بالمخاطر، على الأقل في سياق عملية التعمية السياسية على الأهداف الحقيقية.


والصفوية والصفويون، كما هو معلوم، وجود حقيقي تميـّزت به إيران خلال القرن السادس عشر، حينما حكمتها سلالة تركية تنتهي إلى شيخ صوفي هو السيد صفي ّ الدين الأردبيلي، الذي أقام أحفاده دولة عظمى في معايير ذلك الزمان ( 1501 ndash; 1732 )، دخلت في صراع مرير مع سلالة تركية أخرى تحكم دولة عظمى أخرى هي الدولة العثمانية، لم ينته إلا بنهاية وتفكك الدولتين، واحدة وراء الأخرى.


ولعلّ مردّ فتح النار على الدولة الصفوية التركية، دون الدولة العثمانية التركية، هو تغيير الأولى مذهبها الرسمي وحملها مواطنيها بالقوة على العبادة وفق المذهب الجديد. ورغم أن مثل هذا الأمر قد حدث في غير مكان من العالم الإسلامي من قبل، أقلـّه في مصر الفاطمية، التي حمل آخر وزرائها - يوسف بن أيوب ndash; مواطني البلاد على تغيير مذهبهم الرسمي إلى مذهب آخر بالقوة أيضا ً، لكن الصفويين ظلوا الحائط الأكثر انخفاضا ً أمام القادحين لأسباب لاتحتاج إلى تفسير معمـّق أو محاضرات مطوّلة.


ولكي نتلمـّس طريقنا إلى السر ّ وراء هذا الضجيج القديم ndash; الجديد، نشير إلى أن أصل وأساس مصطلحي الصفوية والصفويين مصطلح واحد هو quot; التشيع الصفوي quot;، الذي أبدعه المفكر الإيراني علي شريعتي. وقد جعله على طرفي نقيض مع مصطلح آخر شاع استخدامه في الخطاب الإيراني، هو quot; التشيع العلوي quot;. ويرى العديد من المتابعين للتاريخ الإسلامي أن عملية صناعة هذين المصطلحين تعاني من قصور حقيقي. فالمؤكد أنه ليس ثمة تشبع ليس علويا ً. لا في الماضي ولا في الحاضر، وربما لن يكون في المستقبل أيضا ً. ذلك لأن هوية التشيع الأساسية - المعلنة على الأقل ndash; هي الانتماء لعلي ّ ٍ ومنهجه ومذهبه وطريقته في التعاطي مع الحياة والكون والإنسان. أما quot; التشيع الصفوي quot; فهو تصور خاص بالدكتور شريعتي لفقهاء الدولة الصفوية، الذين اعتقد شريعتي أنهم ممالئون للسلاطين الصفويين، أو متعاونون معهم في سياساتهم العامة.


وترى الكتابات الإيرانية المعاصرة أن الدكتور علي شريعتي كان خطيبا مفوها ونادرا، لكنه لم يكن باحثا موضوعيا متأنيا. كان يمتلك قدرة مذهلة على تبيان الموضوعات والإقناع العاطفي بأسلوبه الجذاب ولهجته العذبة اللذين يغرقان السامع في بحر من الاندهاش لايعود قادرا معه على التمعن في دلالات الكلمات أو معاني الألفاظ ومدى توثيقها وquot; إسنادها quot;. مع ذلك - يضيف الإيرانيون ndash; فالآثار الكاملة لعلي شريعتي لاتعدو كونها خطبا مطولة ألقيت في جامع وquot; حسينية إرشاد quot; وعددا من الكتب التي تم تأليفها بأسلوب إنشائي مسهب يخلو من الهوامش والمصادر والتوثيق.


ويقول الدارسون لآثار شريعتي الفكرية إنه ليس من العسير على من يتفحص فكر شريعتي وآثاره أن يعثر على عدد كبير من المصطلحات الخاطئة أو التناقضات الأساسية. فعلى سبيل المثال كان شريعتي بادي الرأي من المادحين للحركة الصفوية، لكنه انقلب عليها فيما بعد مبدعا ً هذا المصطلح. لقد اعتبر شريعتي الحركة الصفوية ثمرة التشيع ( الآثار الكاملة ج 27 ndash; ص 76 ) التي امتلكت حسا إيرانيا واعيا مكـّنها من الوقوف في وجه الدولة العثمانية حسب وصفه، وأصر ّ على اعتبارها وليدة التشيع الإيراني وليس التشيع الإيراني وليدا لها ( المصدر ndash; ص 74 ) لكنه تنصل عن هذا المفهوم فيما بعد لخلافات بينه وبين رجال دين إيرانيين على مايبدو، من أبرزهم السيد مرتضى العسكري مؤلف كتاب quot; عبد الله بن سبأ ومئة صحابي مختلق quot; وبادر - شريعتي ndash; عقب هذه الخلافات إلى quot; صناعة quot; مصطلح الصفوية والصفويين بكثير من العدوانية التي لم تكن منسجمة مع شخصه المسالم وأدبه الجم.
والمشكلة، أن هذا المفكر الشاب توفي بغموض فيما بعد في مهجره بسوريا. ففي حين أنحى محبوه باللائمة على النظام الشاهنشاهي السابق متهمينه باغتياله تسميما، ادعى آخرون أنه مات بسبب كثرة تعاطي الخمور.


ورغم أن الصفوية والصفويين ارتكبا العديد من الأخطاء، لكن عهدهما كان زاهرا في نظر الكثير من محللي التاريخ الغربيين. فقد حولوا عاصمتهم أصفهان إلى مركز للفن الإيراني الخالد على مر العصور. تشهد على ذلك مجموعة أبنية ساحة quot; نقش جهان quot; التي مازالت تجتذب آلاف السياح الأجانب إلى إيران. وشهد عصرهم تنامي النهضة العلمية والأدبية التي كانت رموزها عربية في الغالب. فيالإضافة إلى العلامة الإيراني محمد باقر المجلسي مؤلف كتاب quot; بحار الأنوار في أخبار النبي والأئمة الأطهار quot; كان هناك العالم الفلكي والعارف اللبناني بهاء الدين العاملي محمد بن الحسين بن عبد الصمد، كما كان هناك أيضا مواطناه المحدّث الحر ّ العاملي والمحدّث الكـَركي، وكان من أبرز نشاطات الصفوية تأسيس المكتبات الكبرى وجلب الكتب بما يمكن وصفه بـ quot; الحقيبة الدبلوماسية quot; وبواسطة سفراء الدولة من كافة أصقاع الأرض.
ترى، هل يستحق من يدعم الفن ويحترم الكتاب ويجل ّ العلماء الهجاء أم المديح؟
أنتظر تعليقاتكم!

علاء الزيدي

[email protected]