عندنا في مصر إحدى عجائب الدنيا السبع،وهي الأهرامات، ولكن ما هو أعجب من الأهرامات هو الإزدواجية التي تعيشها مصر منذ فترة،فقانونها الوضعي يقول أنها دولة مدنية لكل مواطنيها، وواقعها يقول إنها دولة إسلاموية للمتأسلمين فقط،حيث إخوتنا في الله والوطن الأقباط مازالوا مهضومي الحقوق الدينية والمدنية، والمسلم لا يتساوي بغير المسلم، والمرأة لا تساوي الرجل، بل هي نصف رجل في أحسن الأحوال،و صفر رجل غالباً، ولم يبق لمصر فقط سوى التسمية لتتحول إلى quot;إمارة مصر الإسلاميةquot; ويتغير لقب مهدي عاكف من quot;المرشد العامquot; إلى quot;أمير المؤمنينquot; أوإلى quot;الولي الفقيهquot;.

الواقع يثبت أن مصر دولة إسلاموية دون متأسلمين في الحكم،وهذا هو منطق عجبي، فالرئيس حسني مبارك،رئيس مدني لدولة مدنية،يحكمها القانون الوضعي، ولكن الوقع يقول أن مهدي عاكف هو من يحكم فعلاً مصر من خلف ستار باسم الشريعة الإسلامية،تحت اسم quot;الجماعة المحظورةquot;إذ كيف تكون محظورة ولها مقرها الرسمي الذي يعرفه القاصى والداني، بل ويحج إليه كل من يريد أن ينجح في الانتخابات سواء الرئاسية أو المحلية،بما فيهم أيمن نور، لابد أن يمر الجميع عبر باب المحظور، ليقبل يد quot;الولي الفقيهquot; مهدي عاكف، لينال بركته لينجح في الانتخابات، هل رأيتم جماعة محظورة يعرفها الجميع وينال بركتها تحت سمع ومرئي وسائل الإعلام ولها جريدة رسمية تصدر، وتظل تحمل اسم quot;الجماعة المحظورةquot;، ألم أقل لكم أن بلدى مصر،بلد العجائب!!!.

ما دفعني إلى قول ذلك حدثان هزاني عندما كنت في زيارتي الأخيرة لمصر في شهر فبراير الماضي،حيث كنت أقضي أجازة نصف العام مع زوجتى وأولادي:
الحدث الأول، هو أن أمي توقف صرف معاشها، فطلبت مني أن أذهب لإدارة المعاشات لمعرفة سبب وقف صرف معاشها، وعندما وصلت إلى هناك وجدت أن العمل متوقف تماماً وجميع الموظفين قد تركوا مكاتبهم وعملهم ويقفون صفاً واحداً لأداء صلاة الظهر يتقدمهم رئيسهم كإمام، فتعجبت من ذلك، إذ كيف لهم أن يعطلوا مصالح الناس لأداء صلاة الظهر، ووقت الصلاة ممدود إلى ما بعد الثانية بعد الظهر لأداء الفريضة بعد إنتهاء ساعات العمل الرسمي،لو كانوا فعلاً صادقين، وكم من الوقت أهدر كل موظف في الوضوء واحداً بعد الآخر، ليتموا الصلاة جماعة؟وكم لتراً من الماء أهدر كل منهم من مال الدولة العام؟ لم أشأ أن أثير أي مشكلة لأن مجرد مناقشة هذه القضية مع رئيسهم معناه أن معاش أمي لن يصرف أبداً. انتظرت حتى أنتهوا من أداء الصلاة جماعة، وعاد كل منهم إلى مكتبه،لإعادة معاش أمي للصرف.وسألت نفسي هل هذا من الإسلام؟! أن نعطل العمل ونهدر ساعاته في الوضوء وفرش الحصر والأذان والصلاة، ثم جمع الحصر مرة أخرة،وإرتداء الأحذية والعودة للمكاتب،أليس الإسلام دين عمل قبل أن يكون دين عبادة؟ أوليس هذا تواكل وهروب من أداء العمل بدعوى أداء فرض الله لتضييع مصالح الناس؟!!

الحدث الثاني،هي أخت زوجتى الصغرى، التي عرفتها عندما تزوجت زوجتى منذ 13 عاما،كان عمرها حينئذ 18 عاماً. كنت أعتبرها أختى الصغرى، نضحك،نخرج على البحرفي الإسكندرية،لأن زوجتى إسكندرانيه،بعد العشاء نتناقش في أي شيء،نحكي نكات،نسمع أغاني، نسمع موسيقى، وهي إنسانة مرحة محبة للحياة وغرائزها، هكذا عرفتها منذ سنين خلت، ولكن في زيارتي الأخيرة، وعندما اصطحبت زوجتى وأولادي لقضاء بعض الأيام في الإسكندرية، وحتى أسلم على حماتي، وجدتها تقول لي: إيمان إبنتي تنقبت ولا تنكشف على رجال الآن، فقلت لها أنت تمزحين بلا شك يا أمي،ووجدت أن شباك الصالون لا يفتح طوال اليوم، وهو الذي كان مشرع طوال العام لهواء إسكندرية العليل،حتى لا يراها أحد من الجيران أو المارة أو يطلع على وجهها،وجاءت لتسلم عليّ وهي بالنقاب،مرتيدة القفاز،فخفت منها، وقلت لها: ما هذا الذي فعلتيه بنفسك؟ أنا لا أعرفك!!. فقالت وهي لا تنظر إلي: الدنيا فانيه. فتعجبت أكثر من لهجتها،ومن لهجة اليأس التي تمتزج بكلامها، إن هذا الكلام تقوله جدتي التي هي في خريف العمرمثلاً لا فتاة في ربيع عمرها، قلت لها: اين ضحكك ونكاتك الجميله وحكاياتك الغريبة المسلية التي كنتي تحكيها لي؟! فردت: كثرة الضحك تميت القلب. وجدت إنسانة انتصرت فيها غريزة الموت على غرائز الحياة، إنسانة تم مسح مخها من إحدى الأخوات في المدرسة التي تعمل فيها كمدرسة وأقنعتها بأن هذا هو الإسلام، والإسلام من النقاب ومن هذه السيدة ومن أفكار المتأسلمين برئ، سألت حماتي عما أوصل إيمان إلى ذلك، فقالت: quot;لا أعرف؟ ألح عليها لتخلعه لكن دون جدوى، علها تكون تجربة تمر بها وتخلعهquot;. وإيمان هي الأخت الصغرى من أربعة اخوات،وهي الوحيدة التي تنقبت فيهم،الله أسأل أن تعود لرشدها ولإسلامنا الحنيف وتخلع هذا السواد المخيف.

هذان الحدثان،وغيرهما كثير،مثلاً عندما تتصل بأحد الآن في مصر، لا تجد من يرد عليك بـquot;آلوquot; كما هو معتاد منذ القدم وإلى الآن في العالم كله،لكن تجد من يقول لكquot;السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهquot;،كل ذلك أكد لي أن مصر فعلاً دولة إسلامية مع إيقاف التنفيذ، وأن شيخوخة النظام الحكام وضعفه، بالإضافة إلى الفساد المستشري فيه حتى النخاع، هو ما أفسح المجال لجرثومة التأسلم أن تينع وتؤتي ثمارها، علينا أن ندق أجراس الخطر عالياً،حتى لا نفاجئ بين عشية وضحاها بتغيير اسم مصر الفرعونية القبطية الإسلامية،مصر الحضارة،مصر التسامح التي كان شعارها أمام المحتل الإنجليزي quot;عاش الهلال مع الصليبquot; وأن لا فرق بين مسلم وقبطي إلا بالعمل الصالح، حيث quot;الدين لله والوطن للجميعquot; كما كان يقول ابنها البار سعد زغلول،مصر الفن والرسم والنحت والموسيقى،مصر الأهرامات وأبو الهول والمعابد، مصر أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، مصر العقاد وطه حسن ومحمد عبده ونجيب محفوظ وأحمد زويل...هذه هي مصر التي عرفناها وعرفها العالم،لا مصر التعصب والإنغلاق، مصر النحر والانتحار،مصر اللحي والجلاليب،مصر الحجاب والنقاب، مصر الجهاد حتى قيام الساعة،مصر التي أصبح كل شيء فيها حرام ومحتاج إلى فتوى من فقيه جاهل،حتى في أدق خصوصيات الإنسان وهي نوم الرجل مع زوجته... كما يريدها المتأسلمون.

على النخبة الليبرالية المثقفة الواعية،وعلى المجتمع المدني المحلي و العالمي أن يتدخل ليمنع جريمة حكم المتأسلمين لمصر، لأنه لو حدث،لا قدر الله ولا كان، فسيأتي على أخضر مصر ويابسها،وسيؤثر سلباً على مستقبل الشرق الأوسط كله. هناك ردة ثقافية خطيرة علي مصر ومستقبلها، فالحذر الحذر قبل أن يفوت الأوان،وأخشى أن يكون قد فات الأوان فعلاً!!!

أشرف عبد القادر

[email protected]