أرجو ألا يعتب عليّ أو quot;يزعلquot; مني كثيراً الرفيق العزيز حسقيل قوجمان إذ أعبّر عن حزن شديد وقد دهمني حال قراءتي لما كتبه في حواره الثالث معي. حزنت كثيراً ليس لأنه رفض كل أو معظم إجاباتي للأسلة الثلاثة التي كان قد وجهها إلي، بل لأن رفضه افتقد تماماً الصبغة الماركسية التي كان من المفترض ألا يتخلى عنها الرفيق الأمين للقائد والمؤسس quot; فهد quot; منذ أربعينيات القرن الماضي. حزنت وما كنت لأحزن لو أن السيد قوجمان كتب ما كتب تحت أي راية أخرى غير راية الماركسية. لقد تمحور حواره حول ثلاثة محاور رئيسية دون غيرها وهي كما يلي...
( 1 ) إنهيار العوالم الثلاثة
في حين يعترف الرفيق قوجمان بانهيار العالم الإشتراكي، وقد أُعلن الإنهيار إلى العالم كله، لكنه لا يعترف أبداً بانهيار العالم الرأسمالي والعالم الثالث، عالم التحرر الوطني وإنجاز الإستقلال. وحجته في الإنكار هي افتقاده لاسم النظام القائم بافتراض أن النظام الرأسمالي قد انهار فعلاً، متسائلاً.. أذا ما كان النظام الرأسمالي قد انهار فما هو النظام القائم الآن في الولايات المتحدة الأميركية وهي قلعة النظام الرأسمالي؟ طبعاً هو في موازاة ذلك يقنع نفسه بأن النظام القائم اليوم في روسيا بعد انهيار quot; النظام quot; الإشتراكي هو النظام الرأسمالي!!
ما كان لماركسي مبتدئ أن يقع في مثل هذا المأزق الشكلاني فما بالك بماركسي ضليع كالرفيق قوجمان! تعاقب الأنظمة الإجتماعية لا يجري بكبسة زر! بدأ نظام العبودية بالإنهيار مع انهيار روما في القرن الخامس الميلادي ولم يعقبه النظام الإقطاعي إلا في القرن العاشر أي بعد خمسة قرون من بدء إنهيار نظام العبودية فما عسانا نصف النظام الإجتماعي في أوروبا الغربية خلال تلك القرون الخمسة؟ كما بدأ النظام الإقطاعي في أوروبا بالانهيار في القرن الخامس عشر لكن النظام الرأسمالي الكلاسيكي لم يظهر إلا في القرن الثامن عشر، فما عسانا نصف النظام الإجتماعي في أوروبا خلال تلك الفترة الطويلة التي امتدت ثلاثة قرون. يصفه علماء الإقتصاد بالميركانتيلية (Mercantilism) وهي ليست الرأسمالية. كانت الميركانتيلية هي المرحلة التي تم خلالها مراكمة رؤوس الأموال وهو الشرط الأساس لبناء النظام الرأسمالي.
ليس مسموحاً للرفيق قوجمان أن يعتقد مثل الكثيرين من أنصاف الماركسيين أن ما يسمّى مجازاً، ومجازاً فقط، ب quot; النظام quot; الإشتراكي قد عقب النظام نصف الرأسمالي نصف الإقطاعي الذي كان سائداً في روسيا القيصرية. الحقيقة أن من يعتقدون في هذا لا يفقهون حتى ألفباء الإشتراكية العلمية. الإشتراكية إنما هي مرحلة عبور للشيوعية تقودها دولة دكتاتورية البروليتاريا حصراً من أجل quot; محو الطبقات quot; بتعبير لينين وإلغاء كل أشكال علاقات الإنتاج بما في ذلك تلك العلاقات التي تقررها هي نفسها كخطوة لإلغاء علاقات تاريخية أخرى. الدولة الإشتراكية التي مهمتها الأولى والأخيرة إلغاء كل الموروث من بنى إقتصادية وسياسية وثقافية ثم بالتالي إلغاء نفسها لا يمكن أن تقيم نظاماً إجتماعياً بأي شكل من الأشكال، لا يمكن أن تقيم نظاماً يعمل على إلغاء النظام نفسه. متى توقفت الإشتراكية عن الحركة في إلغاء كل الأنظمة القديمة وكذلك المستجدة، التي تأخذ بها هي نفسها، لم تعد إشتراكية وهي لذلك ليست نظاماً. الحوار الثاني للرفيق قوجمان وشى باعتقاده في أن التاريخ أمامه الآن ثلاثة مراحل في ثلاثة أنظمة إجتماعية مختلفة وهي، الرأسمالية، الإشتراكية، والشيوعية. ما يعقب الرأسمالية هو الشيوعية وليس الإشتراكية حيث أن الإشتراكية إنما هي الأعمال التمهيدية للعبور إلى الشيوعية. كان خروشتشوف قد قدر في العام 1961 أن فجر الشيوعية سينبلج عام 1990 ؛ وما زلت حتى اليوم على ثقة تامة بأن فجر الشيوعية كان سينبلج في الإتحاد السوفياتي في ستينيات القرن الماضى لولا العدوان الهتلري الواسع والمدمر على الإتحاد السوفياتي وما عقبه من وصول التحريفيين إلى قمة السلطة وقيادة حزب البلاشفة. فلو كانت الإشتراكية نظاماً اجتماعياً مستقراً لما تم اختصارها في نصف قرن أو أقل منه.
لا يستطيع الرفيق قوجمان أو غيره إنكار حقيقة انهيار النظام الرأسمالي قبل أن يفسر لماذا أصبحت الولايات المتحدة الأميركية، حصن الرأسمالية العالمية، تستورد من الصناعات الرأسمالية أكثر مما تصدر بفارق تريليون دولاراً سنوياً عن مجمل صادراتها وبفارق يتجاوز ربما 5 تريليونات من الدولارات عن مجمل صادراتها الصناعية. وأصبحت أيضاً أكبر مستورد لرؤوس الأموال بل وأكبر مدين في العالم وقد بلغت ديونها أربعة أمثال مجمل ناتجها القومي السنوي. هل يتفق أي من هذه الحقائق مع خصائص النظام الرأسمالي؟
أما عن عدم انهيار العالم الثالث فيترتب على الرفيق قوجمان أن يفسر تنافس الدول في العالم الثالث في جذب رؤوس الأموال من البلدان الإمبريالية سابقاً للعمل فيها تحت أية شروط يختارها الممولون ومع ذلك يعزف الممولون عن قبول الدعوة بعد أن كانت القضية الأولى في معركة التحرر الوطني 1946 ـ 1972 هو طرد رؤوس الأموال الغربية الإمبريالية من أوطانها!! لقد جرى التقادم على المسألة الوطنية وعلى الشيوعيين الذين تحولوا للعمل في المسألة الوطنية أن يدركوا بأنهم تحولوا إلى اللاشيء.
( 2 ) وظيفة النقد في الدورة الإقتصادية الرأسمالية
ليس أغرب من أن يتساءل أحد الماركسيين مستغرباً.. ما علاقة انهيار قيمة الدولار بانهيار النظام الرأسمالي؟! غريب أمر هذا التساؤل على كل المستويات! من الحقائق الإقتصادية الأولية في علوم الإقتصاد أن القيمة المخزونة في السلعة يتم التعبير عن عنها، كما يتم تداولها، بالنقد معبراً عنه بالكمية. أن يتدهور الدولار فذلك يعني مباشرة أن النظام الرأسمالي الأميركي لم يعد ينتج ما يساعد الدولار على الإحتفاظ بقيمته وعندما لا يعود نظام الإنتاج السائد ينتج كفاية المجتمع ينهار النظام. انهيار النقد يعني مباشرة انهيار النظام، نظام الإنتاج الذي هو النظام الرأسمالي.
القيمة الإستعمالية الوحيدة للنقد هو تسهيل دورة الإنتاج (facilitator) وبدون هذا المسهّل لن يدور الإنتاج وستتوقف دورته فيبقى إنتاج الرأسمالي من البضائع ذات العلاقة في أرضها ولن تصل إلى السوق وحينئذٍ سيتوقف المصنع عن العمل ويعود العمال إلى بيوتهم عاطلين عن العمل وينهار بالتالي النظام الإجتماعي القائم. إن دورة الإنتاج التي عبّر عنها ماركس ( نقد ـ بضاعة ـ نقد ) تقوم في النظام الرأسمالي مقام الدورة الدموية في جسم الحيوان. لا يمكن أن ينهار النقد دون أن تنهار دورة الإنتاج الرأسمالي. العمال في المصنع الرأسمالي يبادلون جهدهم وقوة عملهم بالنقد وليس بالسلعة من إنتاجهم. يبادلونه بالنقد فقط حيث النقد فقط قابل للتحويل إلى جميع السلع المعروضة في السوق. فيما قبل النظام الرأسمالي كان العمال الزراعيون يبادلون قوى العمل بمنتوجات زراعية غذائية، وعمال تربية المواشي بأعداد من الحيوانات. كان ذلك ممكناً لأن المنتوجات الزراعية كما المواشي هي من المواد الغذائية التي تقيم أود العامل وعائلته قبل أن يبادل قسماً منها بحاجاته الضرورية الأخرى. أما في النظام الرأسمالي فلا يستطيع العمال العاملون في إنتاج الفولاذ مثلاً أو المنسوجات قبض أجورهم بكميات من الفولاذ أو النسيج حيث لا يستطيعون في الحال مبادلة الفولاذ أو الأقمشة بحاجاتهم الحيوية الآنية. الشرط العام والأولي في العمالة الرأسمالية هو مبادلة قوى العمل بالنقود وبالنقود فقط. وفي حالة فساد النقود كما في انهيارها فلماذا التوجه للعمل! لهذا السبب رأينا الطبقة العاملة في الولايات المتحدة الأميركية تتقلص بصورة خطيرة خلال الربع الأخير من القرن العشرين، كما رأينا 97.5 % من الأموال المتوفرة للتوظيف تذهب إلى المضاربة في البورصة وليس للتوظيف في الإنتاج الرأسمالي.
مع تكامل النظام الرأسمالي ظهرت الدولة القومية (nation-state) إلى الوجود، ولبعث الحركة في الاقتصاد الوطني أساساً، وتعزيزاً لخصوصية الدولة القومية ولهويتها الفريدة تم تشكيل مجلس وطني للنقد يأخذ على عاتقه سلطة إصدار نقد وطني خاص بالدولة. وأول شروط الإصدار هو أن تحرص سلطة النقد على أن تكون كتلة النقد الصادرة معززة بقدرات الدولة المالية والإنتاجية، بما تملكه الدولة من الذهب والمعادن الثمينة الأخرى وما تنتجه الأمة من الثروات سنوياً. في الحرب العالمية الثانية تم خرق هذه القاعدة بصورة فظة وخاصة من قبل الدول الفاشية والنازية فكان أن اتفقت دول العالم الصناعية الغنية في العام 1944 في بريتونوودز في الولايات المتحدة على أن تعزز الدول عملاتها الوطنية بنسبة 20% بالذهب وما تبقى بالدولارات الأميركية. في العام 1971 وجدت أميركا نفسها عاجزة عن تعزيز الدولار بالذهب أو بالإنتاج لكثرة ما أنفقت في حروبها في فيتنام وعملياتها العسكرية الأخرى، وفي مواجهة الضغوطات المالية وخاصة من البنك المركزي الفرنسي وكذلك البريطاني وجدت إدارة نيكسون نفسها مرغمة على التحلل من معاهدة بريتونوودز وفك علاقة الدولار بالذهب. تبع ذلك انهيار الدولار في الأسواق العالمية ولم تنجح كل الإجراءات التي اتخذتها إدارة نيكسون لإنقاذه ومنها تخفيض قيمته تخفيضاً ملموساً في عامين متواليين 1972 و 73. لم يكن أمام الولايات المتحدة من سبيل سوى الإستنجاد بالدول الأربعة الرأسمالية الكبرى الأخرى، بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان حيث قام وزير المالية جورج شولتس بالاجتماع بوزراء المالية في هذه الدول في محادثات مطولة في مكتبة وزارة الخارجية الأميركية وأقنعهم بأن انهيار النظام الرأسمالي في أميركا يعني مباشرة انهياره السريع في بلدانهم أيضاً مما اقتضى إصدار إعلان رامبوييه في العام 1975 موقعاً من رؤساء هذه الدول الخمسة (G 5) تكفل فيه الدول الخمسة متضامنة أسعار عملاتها في أسواق الصرف الدولية. من آخر مساخر عصر الإنهيارات هي أن تقوم دولة أجنبية بكفالة العملة الوطنية لدولة أخرى!! ليجب رفيقنا العزيز قوجمان عن معنى كفالة اليابان للعملة الأميركية؟ ولعل الصين وروسيا يشاركان غداً في مثل هذه الكفالة حيث في احتياطيات الأولى تريليون دولاراً والثانية نصف تريليون!! ألا يعني ذلك أن نظام الإنتاج في أميركا لم يعد يعمل؟ ما كانت الولايات المتحدة الأميركية، وهي الدولة الأقوى عسكرياً في العالم، أن تتنازل عن سيادتها الوطنية وتسلم رقبتها لدول مثل اليابان والصين لو أن اقتصادها يعمل ويغطي نفقاتها.
تقول الوقائع على الأرض، التي تتشكل بعيداً عن المعتقدات والإيديولوجيات وتميط اللثام عن طبيعة علاقات الإنتاج في الولايات المتحدة، تقول أن أكثر من 80% من مجمل الإنتاج القومي فيها هو من الخدمات. والخدمات بمختلف أنواعها لا يتم إنتاجها بالنمط الرأسمالي. إنها من الإنتاج الفردي البورجوازي وليس الجمعي الرأسمالي كما شرحت مراراً وتكراراً دون أن يعترضني أحد كيلا يمتنع، كما يبدو حتى الآن، عن تبني سياسة quot; عنزه ولو طارت quot;! ما حيلتي في مناقشة أناس افترستهم الإيديولوجيا ولم تبق ِفيهم أي تفكير جدلي، يؤمنون منذ الطفولة أن الولايات المتحدة دولة إمبريالية ورأسمالية متوحشة حتى وإن لم يبقَ فيها أي إنتاج رأسمالي، وهم ليسوا على استعداد لأن يغيّروا معتقداتهم بعد أن أوشك عمرهم السياسي على النفاذ؟!!
( 3 ) الحرب الأميركية على العراق
شيوعيون سابقاً كثيرون اتخذوا موقفاً معارضاً للحرب الأميركية على العراق ويدينون الولايات المتحدة بوصفها..quot; أفظع وأسوأ دولة إمبريالية في تاريخ النظام الرأسمالي وأنها أكثر فاشية من النظام النازي الهتلري وأشد فتكاً منه لأجل الإستيلاء على العالم quot;. ما لم يفاجئني من الرفيق قوجمان هو عدم إدانته لجملة الأحزاب والشخصيات الحاكمة اليوم في العراق. لم يقل أنهم عملاء الإمبريالية جاءوا على ظهر الدبابات الأميركية ؛ لم يقل مثل هذا الذي يقوله أزلام النظام البائد لأنه يعرفهم شخصياً ويعرف أنهم من أصلب المناضلين الذين دافعوا عن شعبهم وقدموا الآلاف من الشهداء على مذبح الحرية، ومنهم الحزب الشيوعي الموصوف عراقياً بحزب الشهداء ومنهم أيضاً الأحزاب الإسلامية المقربة من النظام الإسلامي في إيران المعادي لأميركا مثل حزب الدعوة وحزب المجلس الأعلى للثورة الإسلامية. الرفيق يعرف كل هذا ومع ذلك يقفز لدهشتنا عن حقيقة مفصلية في هذا السياق وهي أن الحكومة العراقية المنتخبة ديموقراطياً والتي تمثل جميع الأحزاب الوطنية دون استثناء تطلب سنوياً من مجلس الأمن أن يوافق على بقاء القوات الأميركية سنة أخرى. فكيف تستوي مثل هذه الحقيقة مع معتقدات الرفيق قوجمان وهي معتقدات قديمة كان لدي مثلها قبل نصف قرن؟! كيف يشارك الحزب الشيوعي في الحكم بصورة رسمية لأول مرة في تاريخ العراق وبأمر من الحاكم الأميركي بول بريمر؟! أم أن الحزب الشيوعي العراقي هو أيضاً أصبح عميلاً للإمبريالية الأميركية؟! لكن السفير الأميركي في بيروت أيضاً قاد مجموعة من موظفي سفارته حاملاً أكاليل الورد متوجهاً إلى بلدة بتغرين ليحني رأسه أمام ضريح القائد الشيوعي جورج حاوي احتراماً لروحه في الذكرى الأولى لاغتياله على أيدي المخابرات السورية! ثمة مائة سؤال وسؤال لا يستطيع الرفيق قوجمان أو غيره من قدامى الشيوعيين الإجابة على أي منها دون أن يتخلى عن معتقداته القديمة البالية حول الإمبريالية والفاشية ومثل هذه الأوصاف ـ لعل الرفيق لم يأخذ بحسبانه أن الجنوح إلى الفاشية والنازية يتم فقط في مواجهة نجاحات الثورة الإشتراكية التي غدت اليوم أثراً بعد عين.
يواجه المشروع السياسي العراقي اليوم الرجعية السوداء في حرب عصابات مشحونة بالحقد على الإنسانية سواء عن طريق الدين كما هي القاعدة الوهابية أو عن طريق المال الكثير أو دفاعاً عن حكم بال ٍومتخلف مثل إيران وسوريا أو من أجل استعادة امتيازات كانت لفئات موظفة في حماية النظام البائد. كل هذه القوى تعيث خراباً ودماراً بالعراق وتقتيلاً بشعبه وتشترك في هدف واحد هو الحيلولة دون قيام نظام سياسي فيه قدر من الحريات والديموقراطية. في العراق حرب من شأنها أن تقرر مساره المستقبلي والشيوعيون مختلفون حول طبيعة هذه الحرب ؛ وللمرء أن يستغرب حقاً كيف أن الشيوعيين الذين يمكن أن يختلفوا على كل شيء ما عدا على تصنيف الحروب وتوصيفها حيث أن الحرب هي أعلى أشكال الصراع الطبقي وأكثرها حدة. قسم من الشيوعيين يقول أنها حرب وطنية ضد الغاصب الأجنبي وهو الولايات المتحدة الأميركية والرفيق قوجمان منه، وقسم آخر يقول أنها فعلاً حرب وطنية لكن ضد العصابات الدخيلة من الوهابيين والبنلادنيين السعوديين ومن غير العراقيين وعصابات مجندي مخابرات صدام ومتطوعي الحرس الثوري الإيراني والمخابرات السورية، وأنا منه. ولعلنا كنا سنتواجه بالسلاح، أنا ورفيقي قوجمان، لو كنا في العراق ولم يبلغ كلانا من العمر عتيّا!! السيد قوجمان يدينني لأن الأمريكان يقاتلون بجانبي وهو يعتقد أن الأمريكان رأسماليون إمبرياليون ما جاءوا إلى العراق إلا لينهبوا نفطه ؛ وأنا بالمقابل أدينه لأنه يقاتل بجانب الرجعية السوداء من المتأسلمين الوهابيين والقاعدة المدعومين بجانب حرس النظام البائد ومجندي المخابرات المحظيين، بجانب فدائيي صدام من القتلة وخريجي السجون، بجانب مجندي الحرس الثوري الإيراني والمخابرات السورية. من المؤسف حقاً أن ينزلق رفيقنا القديم هذا المنزلق مدافعاً بحرارة عن النظام الدكتاتوري البائد الذي هان معه النظام الهتلري. الأمريكان يا رفيق قوجمان يحرسون البعثيين اليوم ولولا حراستهم لانقض الشعب العراقي يفتك بهم أشد فتكا، وهم يعارضون إعدام مجرمي البعث من مثل علي حسن المجيد. لم يجلبوا أماً لتشهد إعدام ابنها بالرصاص وترغم على أن تزغرد لدى إطلاق النار ثم تدفع ثمن الرصاصة التي قتلت ابنها بضعة قروش، كما كانت تفعل عصابات صدام!! ها أنت يا رفيق تدافع عن هؤلاء السفلة الذين يشمئز التاريخ حتى من ذكرهم في صفحاته السوداء. سينكر السيد قوجمان دفاعه هذا، لكن إنكاره لن يجدي طالما أن هجومه على القوات الأميركية، وهي القوة الرئيسية التي تقاتل كل تلك العصابات، لم يبق ِمكاناً لقول ٍآخر.
اعترف لي أحد أعضاء القيادة القومية لحزب البعث أن ميشال عفلق كان قد ربّاهم على كراهية الشيوعية وزاد على ذلك مؤكداً أن نزع تلك الكراهية من نفوسهم أمر في غاية الصعوبة ؛ وها أنا أرى اليوم أن قيادات الأحزاب الشيوعية كانت قد ربّت كوادرها على كراهية أميركا وأن نزع تلك الكراهية من نفوسهم في غاية الصعوبة كذلك، علماً بأن المنهج الديالكتيكي كان من المفترض أن يحول دون ذلك حيث أن ما يحدد موقف الماركسيين هو الحقائق العلمية التي ليس من طينتها الحب والكراهية. المأزق الكبير الذي يواجهه الشيوعيون اليوم هو النقص المريع في ممارستهم لقوانين الديالكتيك وتطبيقاتها. الرفيق قوجمان يكره الولايات المتحدة الأميركية كراهية تحول دون رؤيته لكل الحقائق المتعلقة بها. كارل ماركس لم يكن يكره الولايات المتحدة وسيفسر الرفيق قوجمان ذلك بأن الولايات المتحدة الأميركية لم تكن قد تطورت قبل قرن ونصف لتصبح دولة إمبريالية، إذاً لماذا كراهيتها بعد قرن ونصف وقد عبرت الولايات المتحدة طور الإمبريالية؟؟ يقول قوجمان ومعه أنصاف الماركسيين وعدد من الشيوعيين سابقاً، يقولون أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعبر مرحلة الإمبريالية. يقولون هذا وهم لا يعلمون متى وكيف تعبر الولايات المتحدة مرحلة الإمبريالية!! أنا اليوم لا أحب ولا أكره الولايات المتحدة ولو أنني أراها تقوم بدور هو أخطر بكثير على البشرية من الدور الذي لعبته كقوى إمبريالية قبل سبعينيات القرن المنصرم. أنا لا أكره المحافظين الجدد في الولايات المتحدة أو مختلف اليمينيين العاملين في حقل السياسة الأميركية وذلك بكل بساطة لأنهم ليسوا هم من اختار المسار السياسي الذي يسيرون عليه اليوم. من الأولى أن أكره وأن أحقد على من دفع الولايات المتحدة لأخذ الدور السيئ والخطير الذي تلعبه منذ ما بعد إعلان رامبوييه ألا وهم المرتدون السوفيات طلائعيو الطبقة الوسطى وعلى رأسهم نيكيتا خروشتشوف. لو لم تبدأ الثورة الإشتراكية العالمية بالإنهيار منذ وصول خروشتشوف إلى قيادتها لما تمكنت الولايات المتحدة من تحاشي الثورة الإشتراكية بالهروب من نظام الإنتاج الرأسمالي الذي بدأ بالإحتضار في العام 1971 للوصول إلى الإقتصاد الإستهلاكي ـ إذا جازت التسمية ـ المناقض تماماً للإقتصاد الرأسمالي. ليأت ِالرفيق قوجمان ببرهانه الذي يقول أن للرأسمالية حياة في ظل الإستهلاكية (consumerism) وسألتحق في تلك الحالة بعصابات الإرهابيين والإنتحاريين وربما أفجر نفسي بحزام ناسف في مكاتب الحزب الشيوعي العراقي ببغداد!!!
فـؤاد النمري
www.geocities.com/fuadnimri01
التعليقات