الأستاذ مجدي خليل من الكتاب القلائل الذين أراسلهم وأعرب لهم عن اعجابي بكتابتهم التنويرية المفيدة للقراء، وهو الكاتب الوحيد من إيلاف الذي قام بمبادرة كريمة وسأل عني أثناء فترة انقطاعي عن النشر فيها، وهذه الصورة التنويرية الجميلة لمجدي خليل ينقصها موقف صريح منه يعلن فيه رفضه لممارسات المتعصبين الأقباط الذين يشتمون عقائد المسلمين في مواقع الأنترنت وغرف الدردشة وعلى شاشة التلفزيون، فمباديء حقوق الانسان في حرية المعتقد تدعو كافة الأحرار الأقباط الى أدانة هذه التصرفات العنصرية من قبل هذا الرهط المتعصب الذي لايقل اجراما عن متعصبي المسلمين.
نشر العزيز خليل يوم أمس مقالة في إيلاف اجرى فيها مقارنة بين منجزات اليهود والمسلمين العلمية وغيرها، وقبل مناقشة مضمون المقالة، أُذكر القراء أنني الكاتب العربي والمسلم الوحيد الذي أعلن صراحة عن أعجابه بنجاح التجربة السياسية في اسرائيل كدولة حديثة أستطاعت تحقيق معجزة البناء والتنمية والقوة العسكرية، وان المجتمع الاسرائيلي يمتاز بأروع المزايا فيما يخص قوة مشاعر الأنتماء الوطني والتضحية دفاعا عن الوطن، والنجاح في النشاط الجماعي المؤسساتي... نعود الى مقالة الاستاذ خليل الذي قاده اغراء المقارنة بين اليهود والمسلمين الى الوقوع في فخ التمييز الديني وربط الذكاء والأبداع بالمعتقد الديني للانسان وبالتالي فأن سبب ابداع العلماء اليهود هو طبيعة ديانتهم ونفس الشيء بالنسبة لسبب تخلف المسلمين.
وهنا نتساءل اذا كانت هذه النظرية صحيحة : فلماذا لم يخرج لنا علماء كبار من يهود اليمن وأثيوبيا؟ ولماذا المسيحيون في دولة المكسيك المجاورة للولايات المتحدة الأمريكية يعانون من التخلف الشامل، بينما أخوانهم مسيحيو أمريكا في كل لحظة يثرون الحضارة الأنسانية بالأبداعات الرائعة في كافة مجالات الحياة؟ ولماذا حينما تم تقسيم ألمانيا الى شطرين.. أبدع الشطر الغربي وقدم أروع الأمثلة على الكفاح والنهوض من جديد، بينما الشطر الشيوعي تراجع واصبح متخلفا رغم انهما شعب واحد ومن نفس الديانة ولم يفترقا إلا مدة قليلة من عمر الزمن؟ ونفس السؤال ينطبق على شطري كوريا وماحصل فيهما من فوارق حضارية وعلمية.
فالتفسير العلمي لتفوق اليهود وابداعاتهم هو أنهم أولا : عاشوا في مجتمعات وبلدان وفرت لهم البيئة المناسبة والمشجعة على الأبداع من حيث الحرية والتعليم... وثانيا : أن الأقليات نتيجة شعورها بالضعف دائما تحاول تعويض هذا الضعف عن طريق مجالات أخرى من اجل أثبات الذات وتوكيدها، فمثلا الأقباط في مصر نجدهم يمتازون بأعلى درجات التعليم، والنجاح في النشاطات الأقتصادية قياسا الى الشعب المصري، والسبب هو شعورهم بأنهم أقلية في بلدهم ويجب عليهم أثبات وجودهم كقوة فاعلة، وبالفعل لقد نجحوا في هذا، رغم ان نجاحاتهم الأقتصادية والعلمية جلبت ضدهم مشاعر الغيرة والحسد والحقد من قبل بعض المسلمين هناك !
فالتفوق والأبداع هو نتاج بيئة اجتماعية بالدرجة الأساس مقرونا بتوفر مزايا فردية واستعدادات خاصة، ومن أجل تجنب السقوط في العنصرية، فأن تحليل أسباب التخلف والعنف والتطرف والإرهاب... يجب إرجاعها الى أسبابها الأصلية وهي : الأسباب العقلية والنفسية والأجتماعية، فالتخلف يتخذ من الأيديولوجيا والقومية والطائفة والدين غطاءا له يتستر به لتبرير وجوده وتغذية عوامل أستمراره، والدين لم يكن في يوم ما عائقا امام العقل والانفتاح والأبداع بدليل ان المجتمعات الأسلامية أنجبت كبار العقول التنويرية التي بعض أصحابها دفع حياته ثمناً للمواقفه الشجاعة في محاربة التخلف والظلام، ورغم ان المجتمع المسيحي بلغ أعلى درجات العقلانية والتحضر والأنسانية...إلا انه لم يستطع منع ظهور افكار أجرامية مثل نازية هتلر، والشيوعية، وبفضل حيويته وعقلانيته وقوة أسس حضارته أستطاع المجتمع المسيحي القضاء على هذين الفكرين الشريرين ليس بقوة الدين وانما بفضل قوة الوعي والإيمان بحقوق الأنسان والحرية والسلام.
طبعا لاننفي ان الفهم الخاطيء للدين، والتوظيف السيء له.. ينتج عنه ثقافة اجتماعية سيئة وقامعة للفرد والمجتمع، ولكن يبقى اساس المشكلة يكمن في طبيعة العقلية المتخلفة في التعامل مع الدين، والسايكولوجية المشوهة التي تحتمي بالدين للتعبير عن تخلفها وتطرفها واجرامها، فالأصل هو ان التخلف بمعناها العام الذي هو سمة بشرية يمكن ان تشمل جميع المجتمعات وجميع الأديان دون تمييز.
وأخيرا : متى نقرأ للأستاذ مجدي خليل موقفاً صريحاً يدين فيه السلوك العنصري للمتعصبين الأقباط الذين يكررون نفس السلوك العنصري للمتعصبين المسلمين في شتم معتقدات الأخرين، فنحن نريد الأطمئنان الى أن الأستاذ خليل مثقف حر يؤمن بحقوق الانسان في حرية المعتقد ويطالب بها لجميع البشر مثلما نحن نطالب بحق القبطي في الحرية الدينية والتمتع بكافة حقوق المواطنة؟
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات