إذا سأل سائل عن العذاب الواقع - سحقاً - بأهل العراق،ودوافع بعض كتّابه؛ إلصاق أسباب ما يحصل بالعرب!.أقول مجيباً،وبحجم مقدرتي على تحليل الأخبار؛تعالوا معي أيها الأخوة العرب إلى كلمة سواء تكونون فيها حكماً، وكفى بأنفسكم اليوم عليكم حسيباً، فكيف يمكن تفسير الخبر المنشور اليوم في صحيفة عربية تصدر من لندن معروفة بقربها من البعثيين،إن كتاباً يمجد ويروي مذكرات صدام حسين صدر عن دار المنبر السودانية للطباعة والنشر، قد نفذت نسخ الطبعة الأولى منه في الأردن.

فواعجبا، دار نشر سودانية!، وقراء كثر من الأردن!. كيف يمكن تفسير الخبر؟.

وأسأل هل وصلت حرية النشر السوداني حداً يفوق بيروت؟

إذن ليفرح كتّاب العرب ممن لا يجدون منفذاً لطباعة مخطوطاتهم المغبرّة بفعل تقادم السنوات،فها هي دور نشر سودانية ستنفض غبار النسيان..فيا للبشرى!.

وهل لطاغية أذاق العراق والعرب ويل الحرب وثبور التضاد من يقرأ أفكاره بهذه الكثافة في الأردن الشقيق؟!.

وبسؤال آخر هل أغرم أهل الأردن بصدام إلى هذا الحدّ،أم إن في الأردن من يشتري نسخ هذه الكتب ويوزعها إلى من يعنيهم أمر قائدهم الضرورة؟!.

وهل في الأردن أعداداً من البعثيين لا تكفيهم نسخ الطبعة الأولى؟!.

ولِمَ لا نجد أصواتا تنصف هذا الدم العراقي المسفوح..إكراماً للإنسانية، على الأقل؟..

أسئلة مريرة تختلط بالدم والحزن وتسمّم أيامنا بكآبة غياب الإجابة التي لا يمنحنا إشراقتها عربي.فهل ثمة من يمتلك إجابة عن أسئلتي أعلاه؟..أفكلما نسأل أو نستفسر،وبما لا تهوى أنفسكم استكبرتم، ففريقا كذبتم وفريقاً تقتلون؟!.

أسئلة مريرة تختلط بالدم والحزن،ويزيد فيها جرح ما يشاع عن فضائية مزعومة لعشاق القائد الضرورة،تجد أخبارها أصداء واسعة في الأردن،حيث تعدّ العدّة لدعمها من هناك.وتقول الأخبار إن قناة فضائية ستبث من منطقة إعلامية عربية تحت أسم (قناة صدام حسين) ترعى المصالح الإعلامية للعرب والبعثيين من أتباع قائدهم الضرورة،وتتلقى دعماً من دول عربية متفرقة!.

ومهما كانت دقّة هذا الخبر وصحته،يبقى لي كعراقي متابع لمجريات الأحداث ما يستفزّني، في ارتباط الأخبار العراقية الأشد إثارة بالعرب؛فظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند.وأشد مضاضة أن تأتي هذه الأخبار في وقت دموي مفزع الوقع على أرواح الشرفاء في كلّ العالم،مع تصاعد وتيرة العنف والموت المجاني.

إذن علينا أن نصدّق خبر تلك الفضائية المزعومة، والتي قيل إنها ستنطلق في ذكرى تنفيذ الحكم العراقي بالمدان صدام، وعلينا أن نخشى ونحتسب من كلّ همز ولمز يضجّ به الإعلام العربي،لأنه أشدّ،و إلا كيف يمكن أن يفسِّر لي من يسعفني، خروج رجل عسكري مصري ينصح من يسميّهم بالمقاومة، بضرب القوات العراقية بدلاً عن القوات الأجنبية،لأنه يرى في ذلك تكتيكاً عسكرياً يفترض ضرب القوات التي تحمل معدات وأسلحة أخفّ،ويروي في هذا الصدد تجربة- ربما يكون له فيها كتيّب -عن مقاومة المصريين في مدينة بورسعيد.

لا يعنيني الآن هذا العسكري،وفلسفة خططه الدموية،بقدر ما يعنيني الحرية الهائلة التي تٌمنح لأي متحدث في الشأن العراقي من العرب،والفضاء الرحب الواسع للبوح،والذي سيفتح أقصى مدياته مع وجود فضائية للموت.

وربما يهمني أن أبيّن لهذا المحتفي بالدم إن لنا في المقاومة العراقية - وأنا واحد منهم - أهمية أن نكون عراقيين في ما نقاومه وما نفعله،وليس لأحد الحق في المزايدة،بل للآخر أن يفخر بهذا، بقدر فخرنا بمقاومة المصريين لكلّ احتلال،وكلّ حسب موقعه،و لي أن أفتخر هنا بروح المقاومة النبيلة للنحات المصري محمود مختار،فذات يوم، حطَّمَ هذا الفنان نصباً أنجزه كرمز للمقاومة!،لا لشيء إلا لقول احد أصدقائه من أن ما وضعه النحات مجسداً بهيئة امرأة مصرية، يشبه quot;جان داركquot; بطلة المقاومة الفرنسية التي أعدمها المحتل الإنكليزي.. فاخذ النحات محمود مختار فأسه ليحطم ما أنجزه قائلاً: أريد مصريّـتي فيما افعل واعمل..وأبدع بدلاً منه تمثال نهضة مصر، الموجود حالياً أمام جامعة القاهرة.

دور الحكومة العراقية في التصدي

أعتقد جازماً ان الحكومة العراقية لم تنجز من دورها المطلوب في التصدي للعنف العابر للحدود إلى الآن، ما يعادل 10%،رغم ما تحاوله من تدويل لبعض القضايا،فهذه الحكومة عليها واجب كبير في تشخيص مكامن الخطر،والمتمثلة بالمحفزات الأولى الهابطة من الإعلام العربي.فليس لدى الحكومة كما يبدو جهات رصد إعلامية تتابع ما يبث وما ينشر لترفع بذلك مذكرات استنكار لدى الجهات المعنية بهذا الإعلام في دوله وعبر الأقنية الدبلوماسية،أو رفعها إلى الجهات الدولية كقضايا ضمن الجهد العالمي لمكافحة الإرهاب؛دعماً وتحريضاً وتمويلاً.

أكثر من ذلك نجد إن هذه الحكومة تسعى وبالجهد الحثيث لتنفيذ الرغبات والمطالب العربية،دون أي اعتبار للرأي العام العراقي،وأعني رأي الشارع.فكيف يمكن على سبيل المثال،وبعد مطالعة خبر انتشار كتب البعث في الأردن،وأخبار تحركات البعثيين هناك،أن يُردّ العراق على الطلب الأردني الأخير حول زيادة كميات النفط المصدرة وبأسعار تفضيلية؟..

هل يعقل أن يورد العراق للأردن 4 ملايين برميل نفطي في العام،وبأسعار شبه مجانية،مقابل ما نرى ونسمع؟..

وهل يعقل أن لا تكون الحكومة العراقية قد ناقشت خلال زيارة رئيس الحكومة الأردني نادر الذهبي الأخيرة إلى بغداد سوى هذه القضية؟!..

وهل يصدق أحد إننا وبذات الخطة التي كان صدام يتبعها بنقل النفط إلى الأردن،لازلنا نستغل 500 شاحنة صهريج عراقية لنقل نفط مصفاة بيجي إلى الحدود الأردنية، قاطعة مسافة 800 كلم.دون أن نجني حتى ثمن تلك الرحلة. لنخسر!،مقابل ماذا؟..أن يحقق الأردن أربحا تصل إلى 300 مليون دولار في السنة.. تلك إذاً قسمة ضيزى؛أن نمنح من يؤوي قتلة العراقيين وأفواج المحرضين والداعمين لما يجري من عنف ورعب.

سؤال لن تجيب عنه الحكومة العراقية بالطبع،فهي في شأن يغنيها الآن،وهي مذهولة عن ما حكَمتْ،لأنها تعدّ العدّة للانتخابات..ولكن علّ وعسى بالمجيب عن هذه الأسئلة بضمير حيّ.