تسرب الأنباء الأخيرة حول طبيعة عملية الإغتيال الإسرائيلية للقيادي في حزب الله اللبناني ( عماد مغنية ) في العام الماضي و التي حدثت في قلب العاصمة السورية دمشق بل وفي عمق محيطها الأمني و الإستخباري هي أكبر بكل تأكيد من مجرد كونها عملية تسلل لكوماندوس إرهابي إسرائيلي في عمق أراضي الخصم! بل أنها تعتبر إستمرارا لمسلسل الفضائح و الثقوب الأمنية الخطيرة و لتسربات النزيف الداخلي في أجهزة الأنظمة الأمنية الشمولية التي تبرع غاية البراعة في تقطيع أوصال الشعب الذي تتحكم بمقدراته و تفشل في مقاومة العدو الخارجي المتربص رغم كل الشعارات الزاعقة حول ما يسمى بالممانعة و الصمود و التصدي و التوازن الستراتيجي وغيرها من ألأقاويل و التسميات و العناوين المثيرة للسخرية و الغثيان، فمن الواضح بأن عملية الإغتيال لم تكن لتتم بتلك الحرفنة و المهارة و الإتقان و لو لم تكن هنالك عناصر متعاونة من الداخل سواءا من ناحية توفير المعلومات الأمنية الحساسة ورصد التحركات أو تلك التي تقدم المساعدة اللوجستية لفرقة الإغتيال لما تمت بكل هذه السلاسة الملفتة للنظر و التي تشكل ما هو أكبر من فضيحة لنظام يدعي دفاعه عن الأمة بأسرها بينما لا يستطيع حماية قاعدته الأساسية و مركز بيته؟

و تلك ممارسات وصيغ تم تجريبها سابقا في جميع الأنظمة الشمولية فهي أسد على أهلها و المبتلين بتسلطها و نعامة على الأعداء الخارجيين الذين لم يلمسوا حتى خربشة من براثنها المتآكلة ضد خصوم الخارج، لقد تسربت أنباء مؤكدة عن تورط ضابط كبير في جهاز المخابرات السورية بتقديم المعلومات الأمنية الحساسة عن تحركات عناصر حزب الله في دمشق لجهاز الموساد الإسرائيلي مقابل مبلغ رشوة مالية دسمة وصل ل 12 مليون يورو وضعت في حساب ذلك الضابط في أحد البنوك الخاصة في بلغاريا!!، و قد تمت العملية و التجنيد بعد تورط ذلك الضابط بعلاقة غرامية مع عشيقة أوزبكية الأصل تعمل مع ( الموساد )! وهي الوصفة التقليدية لتجنيد وجلب العملاء حيث الجنس أولا و المال ثانيا!! وهو ما برع به جهاز الموساد دون شك!!

ولكن تبقى القضية الأساس المتمثلة في أن بيت الدكتاتوريات العربية هو أوهى بكثير من بيت العنكبوت و إن ضرر تلك الأنظمة على الأمن الوطني و القومي لا حدود له، و لعل في التجربة العراقية المعاصرة خير دليل، فعنطزة و عنترية و إستهتار نظام صدام البعثي في العراق لم يؤد في المحصلة سوى لتمزيق و تشظية و إحتلال ذلك البلد!، وهي نفس الوصفات و التجارب التي عاشتها جميع الأنظمة الفاشية و الشمولية، كما أن في بقاء تلك الأنظمة الوصفة السحرية لإدامة عمليات الإرهاب الإسرائيلية و غيرها لأنها تكبل طاقات الجماهير و تجعل الوهن و اليأس و الإحباط و الفشل هو من أهم سمات الشعب المبتلي بتلك الأنظمة التي لن تحرر شبرا من الأرض المغتصبة بل تتمنى إستمرار سياسات الإحتلال و التوريط للعب على الوقت و الزمن و من أجل إدامة عملية السلطة و التسلط و التحكم و نهب الثروات الوطنية، عمليات الإختراق الأمني الإسرائيلي و غيرها لن تنتهي قطعا لأن في وجود تلك الأنظمة الضمان الأكيد لإستمراريتها، وبرغم أن تلك الأنظمة ترد على أي تحديات و إحتجاجات شعبية بحرق المدن على رؤوس أهلها!!

كما حدث مع مدن عربية عديدة إلا أنها لن ترد و لو بكلمة عتاب على الإسرائيليين الذين لهم وحدهم حق إختيار الزمان و المكان لتوجيه أي ضربة لأي طرف وهم في حالة إطمئنان تام بعدم وجود رد رادع مماثل!! لأن ذلك فوق طاقات أهل الصمود و التصدي الذين يقولون مالا يفعلون! و الذين هم في اللغو سادرون، وفي القمع غارقون، وفي الإنبطاح و التردد و الخوف نائمون!!، فليأمن الإسرائيليون في ظل جبن أنظمة الصمود و التصدي، و ليبشرون بطول سلامة و بعمليات كوماندوز قادمة ضد أي هدف مطلوب... فما أسعد إسرائيل بأنظمة الصمود و التصدي..

داود البصري

[email protected]