تشهد مدينة السليمانية هذه الأيام فوضى عارمة بسبب بدء الحملة الإنتخابية للقوائم المتنافسة على الإنتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة في كردستان..
فيوما بعد يوم تزداد حدة التوترات في هذه المدينة بما ينذر بوقوع كوارث لا تحمد عقباها، خصوصا في حال ما إنفلتت الأوضاع أكثر من ذلك لا سمح الله، دون أن يتحرك قادة القوائم المنافسة على تأديب أنصارهم وعقلنة دعاياتهم الإنتخابية بشكل حضاري، والإحتراس من إشتعال عود الثقاب الذي يكفي ليتنشر النار في الهشيم، عندها ستحرق كردستان بأخضرها ويابسها بيد بعض المراهقين السياسيين يتبعهم شرذمة من صبية الشوارع المنفلتين.

لقد وصلت الأمور الى حد لا يطاق، لأن الحملة الدعائية تسير بشكل غير طبيعي خصوصا من قائمة التغيير التي يرأسها السيد نوشيروان مصطفى،حتى وصل الأمر بها الى إصدار بيان قبل يومين يهدد بشكل واضح بصبغ الشارع الكردي بالدم في حال إستمرار الخروقات للحملة الإنتخابية، مبرئة نفسها من أية مسؤولية عن تأجيج الإستفزازات غير المبررة، وكذلك عن الكم الهائل من الشحن والحقد في قلوب أنصاره بما أدى قبل أيام الى حد الجرأة على حرق العلم الكردستاني الذي ناضل من أجله أجيال من أبناء كردستان..

ورغم أن الرجل يخرج يوميا على شاشات التلفزيون وينصح في بعض المرات أنصاره بالإلتزام بالقوانين والضوابط الصادرة عن المفوضية العليا للإنتخابات، ولكن يبدو أن هناك البعض من حاشيته أو مقربين منه يستغلون تناغم ورغبة البعض في التغيير لتصعيد المواجهة مع القوائم المنافسة رغم إدعاء القائمة بأنها تسعى الى تغيير ديمقراطي سلمي وحضاري كما جاء في برنامجها الإنتخابي.

لا جدال في القول بأن ظهور قائمة السيد نوشيروان قلب الكثير من الموازين والمعادلات السياسية القائمة في كردستان، ولا خلاف بين جميع المثقفين والمراقبين السياسيين للأوضاع في كردستان بأن ظهور تلك القائمة دفع وسيدفع بالعملية الديمقراطية في كردستان الى مسارها الصحيح، وسيقود الى حتمية تغيير الوضع السياسي الراكد خصوصا مع إنغماس حكومة الإقليم السابقة بالفساد. ولطالما حذرت في معظم كتاباتي من تداعيات هذه الظاهرة، ونبهت حكومة الإقليم الى ضرورة إيجاد حلول جذرية لإستئصال شأفتها، وتوقعت في الكثير من كتاباتي بأن الفساد سيأكل في النهاية رأس هذه الحكومة.ولكن للأسف لا حياة لمن تنادي..

إن تركيز نشاط قائمة التغيير بمدينة السليمانية له أسباب مرتبطة بشكل جدلي بظاهرة الفساد الذي عم كردستان منذ سقوط النظام السابق،خصوصا مع إنهمار مليارات الدولارات سنويا على رأس حكومة الإقليم..

فالكل في السليمانية يبصر بملء عينيه مدى الظلم والإجحاف الذي لحق بالمدينة جراء الإداء السيء لحكومة الإقليم، خصوصا في الشق المتعلق بإدارة السليمانية..ففيما يلمس المواطن في الإقليم حركة عمرانية وتنموية واضحة المعالم في محافظة أربيل من خلال العشرات بل المئات من المشاريع المنجزة في شتى مرافق الحياة، لا يكاد يرى ولو مشروعين ذات جدوى في السليمانية، مع أن حصة المدينة من الميزانية السنوية كانت ميزانية ضخمة، لكن يبدو أنها ذهبت الى جيوب بعض الفاسدين والمفسدين في الإدارة السابقة بالنصف الشرقي من حكومة إقليم كردستان.

بحسب الإحصائيات المنشورة مؤخرا تشير البيانات الى أرقام تصاعدية في نسبة تنفيذ المشاريع الخدمية بمحافظة أربيل.
ففي عام 2006 كان المجموع الكلي للمشاريع المنفذة يبلع 125 مشروعا، زاد في عام 2007 الى 346 مشروعا، أما في عام 2008 فقد وصل الى أراقام مشجعة إذ بلغ 647 مشروعا يشمل قطاعات الصحة والتربية وشبكات المياه والكهرباء والطرق والمرور والرياضة والشباب والزراعة والسياحة والمتنزهات.

وفي المقابل لم تشهد السليمانية منذ سقوط النظام السابق وبدء حملة الإعمار في كردستان خلال السنوات الست الماضية ولو عشر معشار هذا الرقم المتحقق في أربيل.
صحيح أن هناك حركة عمرانية ملحوظة في السليمانية، لكن تلك الحركة تعود الى الإستثمار الفردي وليس الحكومة، فمن كان يتخوف من إخراج أمواله للتوظيف في مشاريع صغيرة وكبيرة، أصبح بفضل الإستقرار الأمني في الإقليم يأمن على أمواله ويصرفها على إنشاء البنايات والفنادق والمشاريع الخدمية الصغيرة، أضف إليهم بعض المنتفعين والفاسدين الذين سرقوا أموال الشعب خلال السنوات الست الماضية بفضل الفساد، وهم يستثمرونها اليوم في مشاريع خدمية وترفيهية مماثلة في المدينة بهدف تبييض أموالهم، ففيما عدا هؤلاء لا وجود لأية مشاريع إستراتيجية أو حتى متوسطة من حكومةالإقليم. وهذه حقيقة نعترف بها رغم مرارتها بالنسبة للبعض خصوصا في هذه المرحلة من الحملة الإنتخابية.

ورغم أن المشاريع المنفذة في أربيل لم تخلو بالطبع من إقتطاع حصص الفاسدين والمفسدين، ولكن المهم أنها مشاريع حقيقية قائمة على الأرض لا يمكن نكرانها، أما في السليمانية فبرغم الجزء المستديم من ميزانية الحكومة سنويا لها، فبالكاد تجد مشروعا مهما على صعيد المحافظة اللهم إلا إنشاء جسر عائم في مدخل المدينة الذي أنجز بملايين الدولارات وأفتتح قبل عدة شهور، ولكنه تداعى قبل أيام وينهمك العمال حاليا على إعادة صيانته؟؟؟!!!.

نحن نعلم بأن مدينة السليمانية حرمت من الكثير من مظاهر التمدن ومن مشاريع الإنماء والعمران، ويحق لنا أن نوجه اللوم الشديد الى الإدارة التي مثلت إقليم السليمانية في حكومة الإقليم الحالية، وهذا بالذات ما دفع بالقائمة الكردستانية التي يرأسها المرشح لرئاسة حكومة الإقليم القادمة برهم صالح الى أن تولي جل إهتمامها في برنامجها الإنتخابي بتجديد حكومة الإقليم ورفع وتائر الإعمار والتنمية خصوصا في مدينة السليمانية.

لقد وعد الرجل بشن حملة واسعة النطاق ضد الفساد، وقد إعترف في أكثر من مناسبة بأن الفساد هي الآفة الخطيرة التي تهدد كيان الإقليم، وتعرقل جهود الحكومة لوضع بنيان سليم لإدارة مؤسساتية حديثة تخدم الجماهير وتلبي حاجاتهم الأساسية.

وأعود في الختام لأؤكد مرة أخرى بأن ما يجري اليوم في السليمانية في خضم الحملة الدعائية الحالية من شحن الشارع وإنفلات الغضب الشعبي مرده الى حرمان سكان المدينة من أبسط حقوقهم في تغيير واقعهم الإجتماعي والعمراني والخدمي، وبين وعود القائمتين المتنافستين بالتجديد والتغيير لا يسعنا إلا إنتظار ما ستنبئنا به صناديق الإقتراع، مع التمني بتجاوز هذه المرحلة الخطرة من الحملة الإنتخابية بسلام وأمان، وأن تكون النار بردا وسلاما على شعب كردستان.

شيرزاد شيخاني

[email protected]