ما تعرض له الزميل الشاعر و الكاتب و الأديب العراقي أحمد عبد الحسين من تعسف و تهديد بالقتل و التصفية العلنية و من مصادرة للرزق و من منع لحقه الإنساني و الدستوري الكامل في التعبير يعتبر النموذج الأوضح على طبيعة المستقبل و الصورة الحقيقية لحرية الإعلام العراقي في ظل هيمنة الأحزاب الدينية و الطائفية المعادية للحياة و للمجتمع و حتى لنفسها و المتعلقة برامجها الفكرية و الآيديولوجية و السلوكية بخرافات التاريخ و أساطيره الميتة و بمجموعة من قيم الدجل و الشعوذة و التخلف التي ألبسوها لباسا دينيا مقدسا و جعلوها محصنة من أي نقد أو إنتقاد!، كل جريمة الزميل الشجاع أحمد عبد الحسين هي دعوته لكشف الحقيقة و لتحديد المسؤوليين الحقيقيين عن مصرع ثمانية من الشباب العراقي البريء قتلوا في عملية الهجوم و السطو المسلح على مصرف (الزوية) البغدادي!! فتم الإهتمام بالمليارات العراقية المسروقة و بما يعادلها من الدولارات الأميركية! بينما لم تهتم حكومة (دولة القانون) و لا الصحافة (المؤمنة) إلا البنكنوت و أوراقه الثمينة الغالية و تراجع الإهتمام بالنفس البشرية التي كرمها الله و أهدر قدسيتها و حرمتها أهل التدين و التطيف و النفاق السياسي المريع!، لقد ذبح و على طريقة أفلام الأكشن الأمريكية ثمانية من شباب العراق كانوا يقومون بعملهم وواجبهم في أمن و حماية الأموال، وتمت معرفة القاتل و إنتمائه و تحديد فصيلته أيضا و أضحى كل شيء واضحا وضوح الشمس في رابعة جهنم العراق المستمر منذ عقود ومع ذلك لم يتكلم أحد؟ و لم يشر إلا بالقليل للضحايا، ولكن ما أن تحدث اليراع الشجاع و حاول الزميل أحمد عبد الحسين توضيح ما حدث حول الدوافع السرية و الأهداف المخفية لتلك الجريمة المروعة حتى قامت منابر البؤس الطائفية و لم تقعد و أستثار الإعلام العراقي الرسمي و المسيس طائفيا و جندت كل الإمكانيات من أجل مطاردة الكاتب و ليس القتلة و من يقف خلفهم!! كما أعلنت و كالعادة عند جماهير الإسلاميين و الطائفيين فتاوي القتل الصريح تحت مبررات الإفساد في الأرض و تشويه (المعصومين) من أهل الفكر الطائفي المتدثرين بالحمايتين الأمريكية و الإيرانية الحرس ثورية!!، أنا و غيري من المراقبين لا نعتب على الطبقة السياسية الطائفية العاجزة و الفاشلة فهي لم تعد تسوى العتب كما كان يقول الفنان المطرب العراقي (ياس خضر): (لو تسوى العتب جا عاتبيتك)!! كما لا أعتب على الجهاز الإعلامي الرسمي الطائفي العائد للحكومة الخضراء، ولكن العتب كل العتب يقع على أعناق و في ضمائر تلك الآلاف المؤلفة من الإعلاميين العراقيين المنتمين لنقابة الصحفيين أو لغيرها من المؤسسات وهم يراقبون ما يحدث و يشاهدون إنفراد أمراء التطيف و الترهل و القتل بصحفي و أديب فرد و بسيط و يصمتون صمت الموتى عن ما يحصل بل أنهم يعيدون مرة أخرى مؤامرة الصمت الشامل و المباركة العلنية التي أقامت دولة و نظام صدام حسين للقمع الفاشي و الإرهابي و حيث تشيد اليوم و أمام العالم أجمع تجربة قمع سلطوية دينية طائفية مريضة في العراق باتت معالمها تتشكل بجلاء في ظل مباركة الشعب الضائع و الجاهل و صمت القوى الحرة و المثقفة وهو صمت غريب يؤشر بوضوح بأن مرض الفكر الفاشي في العراق هو ذو طبيعة إجتماعية شاملة فالشعب قد تعود على الخنوع للطغاة بل و تخصص في صناعتهم، فعندما أبيدت قدسية الطغيان القومي باليد الأمريكية فقط لا غير أكرر فقط لا غير أقيمت قدسية الطغيان الدينية ذات المرجعية الطائفية و لكن هذه المرة تحت بصر و رعاية الديمقراطية الأمريكية التي تقاتل الطالبان و أخواتها في أفغانستان بينما و يا للهول ترعى طالبان العراق و تحميهم بل و تمدهم بأسباب و عناصر الحماية و الحياة، موت مؤسسات المجتمع المدني العراقية و نكوصها الفظيع عن نصرة الكاتب الحر العراقي هو بمثابة موت سريري للمجتمع العراقي الذي يشاهد تعاقب الطغاة و حثالات التاريخ على التسلط عليه دون أن يتحرك أو حتى بأن يقوم بأضعف الإيمان أي الإحتجاج اللفظي!! و السبب طبعا هو إقتصادي محض أي الخوف من قطع الأرزاق..! و في هذه الحالة علينا أن لا نفرح برحيل الفاشية و الدكتاتورية عن أرض العراق فهي باقية و متجذرة حتى ظهور المهدي كما يقولون.. كل ما حصل هو التبديل الخارجي لشكل و نوعية اللباس و الهندام أما روحية العجز و الوهن و التخلف و الخنوع فهي باقية و لم يكن الراحل الشاعر محمد مهدي الجواهري يرجم بالغيب وهو يقول قبل عقود: خلفت حاشية الخنوع ورائي...! فمن يهن يسهل الهوان عليه و ما لجرح بميت إيلام...! الحرية الإعلامية و الصحفية في العراق اليوم و بعد أزمة لصوص المصرف البغدادي (المقدسين)، و محنة الأديب أحمد عبد الحسين المدرج أسمه على لائحة القتل الطائفي المعروفة لم تعد في خطر بل أنها إنتهت فعليا و ما نراه أو سنراه في المستقبل القريب ليس سوى كوابيس أهل التخلف و العنجهية و الخرافة.. تلك هي الحقيقة، و نبارك للشعب العراقي خنوعه التاريخي.. إذ يبدو أن للبهيمة أتباع نشطون حتى اليوم كما قال إمام المتقين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قبل قرون.

[email protected]