بغداد: ترددت كثيرًا قبل أن أكتب عن هذا الفيلم. قلت لنفسي هل يستحق الكتابة؟ وهل يستحق أن يتجشم القارئ عناء قراءة ما كُتب عنه؟ ففي الأفلام التي لقطة من فيلم بدون رقابةكتبت عنها كان يشدني اليها أمر ما كالاخراج، القصة، الفكرة، المعالجة، جمال الصورة، السيناريو، اداء الممثلين، لكن هذه المرة لم يستوقفني شيء من كل تلك الاشياء. فلماذا أجدني أكتب عنه؟ ما حفزني للكتابة هو خطورة الفيلم نفسه على الشباب وتشويش افكارهم وزعزعة ثوابتهم. وهو ما يتضارب مع الهدف الذي تتوخاه السينما ومع رسالة هذا الفن النبيل التي هي باختصار الارتقاء بالفكر وتثقيف المجتمع والسمو بقيمه ومستواه الاخلاقي. هذا ما تعلمناه من صاحبة الجلالة، لكننا هنا نرى العكس, فبدلا من أن يحاول الفيلم طرح مشكلة ضياع الشباب وانغماسهم في الملذات المحرمة والمخدرات والعلاقات الشاذة بطرحها كظاهرة خطيرة يجب مواجهتها بكل حزم، ومحاولة ايجاد حلول مناسبة تنتشلهم من واقعهم لانقاذ مايمكن انقاذه, نراه في الاعم الاغلب من وقت الفيلم يشجع على كل تلك الضواهر والتخفيف من وقع تلك التصرفات المستهترة على الاخرين وجعلها مقبولة بالتدريج فأبطال الفيلم يمارسونها بكل استسهال والطامة الكبرى أنهم طلبة في كلية القانون! فاذا كان طلبة الجامعة والقانون تحديدا يفعلون ذلك فماذا تفعل الفئات غير المتعلمة؟

رقابة تكيل بمكيالين
عندما تسمع كلمة رقابة بالتأكيد سيتبادر الى ذهنك نوعان من الافلام طالما شاكسا الرقابة وتبارت هي معهما أولهما السياسة والثانية تلك التي تطرحموضوعة الجنس بمحاولة اثارة الغرائز لابطرحها بشكل موضوعي هادف، الاولى دائما ما تكون أفلامها مهمة وتحمل افكاراً ترتقي بالانسان وبتطلعاته وطموحاته وتهتم بتوعيته على مايدور حوله من احداث وملابسات وهذه الافلام غالبًا ما يحاول مقص الرقيب تشويهها بحيث لاتصل الفكرة كاملة او بمحاولة فرض توصيات تؤثر على العمل quot;وإلا فلا يرى الفيلم النورquot; فالرقابة هنا صارمة ولديها خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها وعلى الاعم الاغلب يناور كُتّاب هذا النوع ويستخدم الرموز والتورية لتمرير الفكرة. أما النوع الثاني فهي للاسف موضوع فيلم quot;بدون رقابةquot; الذي من الواضح ان الرقابة كانت مرنة معه جدا الى درجة خطيرة.

ضياع مع مرتبة الشرف quot;الشحيحquot;
مع اللقطات الاولى للفيلم نعرف موضوعه وخطوطه العريضة فيظهر في الصورة شباب مخدرون في حانة quot;التصوير بالاسود الأبيضquot; وفي احضانهم فتيات بملابس فاضحة وبعد مجموعة لقطات تستعرض المكان يدخل اللون على الصورة لتظهر رقصة لفتى وفتاة تعرض كاملة ثم في نهاية الرقصة يبدألقطة من فيلم بدون رقابةتايتل الفيلم، هنا عرفنا الموضوع والشريحة التي ركز عليها الفيلم وبالازمة الاخلاقية التي يعانيها، نتوقع الان معلومات جديدة تضاف مع بداية الفيلم، لكن الفيلم يستمر في ترسيخ الفكرة الاولى بأظهار علاقات محرمة وشباب مُخدّر وشذوذ تعترف به إحدى تلك المجموعة وهي شيرين quot;علا غانمquot; بكل ثقة بالنفس وتتكلم مع صديقها عمّا تفعله مع صديقتها بكل وقاحة وباسلوب quot;الامر المسلم بهquot; والطبيعي جدا بل وتتفاخر بانها صريحة وواضحة ويحترمها اصدقاؤها على تلك الصراحة! quot;من دون ان يرينا الفيلم استهجاناً لتلك الافعال أو رفضاً صريحاً يدس في النصquot; ثم يتحفنا المخرج ومنتج الفيلم quot;هاني جرجس فوزيquot; برقصات وأغان لايفوته التركيز فيها على اجسام الفتيات المثيرة بملابسهن الخليعة.
نتعرف في الفيلم على ثمانية نماذج رئيسية من الشباب خمس منهم منغمسون في الرذيلة والسادس ينكشف في النهاية ويظهر انه كان يمثل دور المصلح وهو في الحقيقة لايختلف عن اخلاقهم وفتاة أخرى توشك أن تسقط لكنها وبعد ان حمي الوطيس، quot;أو يكادquot; تتركة مسرعة كأنها تذكرت أنها تركت القدر على النار! لم يتبق سوى شابة واحدة وهي الوحيدة التي بقيت على استقامتها وحتى هذه ظهرت في غاية السطحية فكان جُلَّ همها هو الزواج من احد زملائها الحشاشين quot;لانها تحبهquot; دون أن تعي لخطورة ذلك الزواج من هكذا نموذج، حقيقة مفزعة أن تمثل هذه النماذج الشباب المثقف للمجتمع المصري وطلاب جامعاته! فواحدة فقط مستقيمة quot;أخلاقيا على الاقلquot; تقابل سبعة من المنحرفين أو quot;الموشكين عليهquot; هؤلاء كلهم يمثلون عينة ونماذج من المفترض ان تكون واقعية. أليست حقيقة مفزعة؟ ويستمر الفيلم على هذا المنوال quot;الى درجة الاسفافquot; حتى آخر 10 دقائق من الفيلم عندما يتحول بشكل حاد quot;من الواضح انه مقحمquot; لوضع خاتمة للفيلم وكان من المفروض أنها تمثل الازمة والحل. ومن المضحك ان المشكلة طرحت في95 دقيقة أما الازمة والحل فطرحت في 10 دقائق فقط، quot;من هنا نعرف الهدف الرئيسي من الفيلم الذي لايخرج عن دائرة اغواء الشباب وتشجيعهم، بل وحثهم على المجون والاستهتار بعرض اجساد شبه خليعة وتفاصيل مخجلة لكي يجني الفيلم اموالاً طمع بها المخرج ومنتج الفيلم لان هكذا افلام تلقى رواجاً في دور السينما وربحها مضمون quot;أو هكذا فكّرquot; فلا يعدو كونه فيلم اثارة محض للغرائز وهو يعيد الى ذاكرتنا افلام السبعينات التي اطلق عليها تسمية quot;الافلام التجاريةquot; لعزل الغث عن السمين وتلك الافلام لفظتها حتى عقول معظم المنتجين الطارئين على السينما فهؤلاء عرفوا أن ما يطمحون اليه من ربح يأتي من احترام فكر المُشاهد فهو ذكي وفطِن ومثقف. قُلت المنتجين الطارئين فما رأي القارئ اذا كان المنتج هو ذاته المخرج؟ فعلينا اذن الحذر من quot;المخرجينquot; الطارئين على الفن السابع!quot; أما الذي يحصل في تلك الدقائق العشرة الأخيرة فهو أنهم يقررون حرق كليتهم بسبب اخفاقهم في الاجابة في الامتحانات وينفذون الفكرة لتقبض عليهم السلطات وتزجهم في السجن. ثم لتظهر مذيعة تبحث في أسباب سقوط هؤلاء الشباب لتحل quot;المعظلةquot; قبل نهاية الفيلم بثوان وهو أن هؤلاء الشباب لم يكن عليهم رقابة من عوائلهم، وحتى ايصال هذه الفكرة quot;السطحيةquot; بالحدث أخفق فيها الفيلم فلجأ الى قولها صراحة على لسان المذيعة لأن همه لم يكن ايصال تلك الرسالة بصدق فالاغراء والاثارة في الفيلم كان الغاية وليس الوسيلة. والامر لا يعدو كونه كلمة حق خجولة quot;قيلت في 10 دقائقquot; يراد بها باطل قيل في95 دقيقة، كلمة حاكها أربعة كتاب دفعة واحدة هم quot;أمين جمال, خالد ابو بكراكرم البرديسي, عبد الله حسنquot; أربعة عقول تمخضت فولدت فأرا تحمل أضراسه طاعوناً مميتاً، وحتى الاسم استخدم تورية مبطنة مقصودة بخبث فمن جهة يوحي العنوان انه فيلم خالٍ من مقص الرقابة quot;وهذا ما ارادهquot; خصوصا ان الاعلانات عن الفيلم وبوستراته توحي بذلك, يبصر المخرج في النهاية quot;بما لم يبصروا بهquot; من أن سبب انحراف الشباب هو انعدام الرقابة عليهم!
العجيب أن الفيلم حملت بدايته اهداء الى أرواح ثلاثة زملاء لفريق العمل والمخرج ولا أعرف ماذا قدم الفيلم لأرواح اصدقائهم quot;الطاهرةquot; من قيم نبيلة فهو لم يقدم غير اجساد خليعة وشذوذ quot;علا غانمquot; وصديقاتها !
[email protected]