كامل الشيرازي من الجزائر: تخلّل مهرجان الفيلم العربي بوهران المختتم قبل يومين، سجال نقدي من نوع خاص حول مسارات السينما العربية الحالية، وانبرى كوكبة من خبراء الفن السابع لطرح أسئلة واقتراح مقاربات تباينت بين منتقدين ومتفائلين بمآلات الفن السابع عربيًا، وما يشهده في مصر وسوريا وفلسطين والمغرب والجزائر وغيرها. وذهب جمهور النقاد إلى أنّ ولادة سينما جديدة ترتبط بالظروف الناشئة والتحولات السياسية والاجتماعية، وتطور مفهوم الإنتاج السينمائي، ما يجعل الأفلام الجديدة تقدّم نفسها بديلاً، وليس نقيضًا للأفلام التقليدية.
جانب من الحضور في الندوة النقدية لمهرجان وهرانعدّد الناقد الفلسطيني quot;عز الدين شلحquot; جملة من المآخذ على مسلكيات الفعل السينمائي الراهن في بلاده، حيث لم يستسغ تركيز سينمائيين فلسطينيين على مسائل أقل أهمية، ورأى أنّه يُفترض بالسينمائيين الاهتمام بموضوعات أساسية كالاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الأماكن المقدسة في فلسطين وحملات غلق الأماكن الخاصة وغلق المدارس والجامعات، وركّز شلح على أنّ ذلك متصل رأسًا بجوهر القضية الفلسطيني وهويته.
بينما خاضت الناقدة المصرية quot;ماجدة واصفquot; في إشكالية الحداثة في السينما العربية، ورأت أنّها تتشكل أساسًا في أسلوبية السرد وتقنيات التصوير التي مكّنت جيل جديد من المخرجين العرب، من إيصال نتاجاتهم، إثر توظيفهم لأدوات لا تقلّ تطورا عما يستخدمه مخرجون غربيون.
وأوعز الناقد السينمائي الأردني quot;عدنان مداناتquot; ونظيره المصري كمال رمزي، أنّ حلقة الضعف الأساسية في السينما العربية هي كتابة السيناريو، وقدّر مدانات أنّ الرواية لن تنتشل السينما العربية، ذاهبا إلى أنّ الفيلم التجاري على الرغم ممّا ينطوي عليه من مآخذ، إلاّ أنّه هو من يصنع الفرجة، في حين لاحظ رمزي أنّ الأفلام المستمدة عن روايات متميّزة كلها نجحت، مستدلاً بأعمال الراحل نجيب محفوظ ، لكن رمزي رفض الرأي القائل بأنّ الإمكانات المادية ستظل عائقًا في وجه الحداثة، معتبرًا أنّ من الأجدى الانفتاح بشكل أوسع على التمويلات الخارجية وتعزيز الإنتاج العربي المشترك.
بدوره، لخّص الناقد المغربي quot;مصطفى المسناويquot; نقاط الظلّ التي تحفل بها السينما العربية في الاهتمام المفرط للمخرجين بالكلام والمشاهد الحوارية المكثفة على حساب جماليات الصورة والمؤثّرات الصوتية، وهو ما أيّده عدنان مدانات، وأشار الناقدان إلى أنّ ملحوظتهما تنطبق على 90 في المئة من الأعمال السينمائية العربية الحديثة لا سيما المصرية منها.
كما طرح المسناوي عامل عدم انقياد كثير من المخرجين العرب وراء المجازفة، لمخاوفهم من عدم رواج أعمالهم جماهيريا، وأرجع الناقد المغربي هذه النقطة إلى الثقافة السينمائية لدى المشاهدين في العالم العربي وعدم تقبل كثير منهم لما أتت به السينما الحديثة، وهو ما دفع المسناوي إلى التساؤل بإلحاح عن مدى قدرة عرّابي السينما العربية على رفع التحدي وإفحام الجماهير بجدوى الحداثة والكف عن كل ما هو كلاسيكي، مشيدا بمخرجين حداثيين على غرار محمد ملص وعبد الحميد عبد اللطيف (سوريا)، نوري بوزيد (تونس)، محمد شويخ (الجزائر)، حميد بناني (المغرب)، منتهيا إلى أنّ نجاح اتجاه التحديث من شأنه التأثير إيجابا على سريان السينما العربية جنبا إلى جنب مع ما تشهده السينما العالمية من تحولات متسارعة.
من جانبه، تصورّ الناقد الفلسطيني بشار إبراهيم، أنّه يمكن للحداثة والكلاسيكية أن يتعايشا سويا في السينما كما في باقي الفنون، وشرح أنّ الحداثة لا ترتبط بالبعد الزمني وإنما بالرؤى الإخراجية، مستعينا بممارسات إخراجية حملت نقلة، مثل إظهار المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي في فيلمه quot;دار ودورquot; عام 1990، رجلا يبكي، وهو ما جعل بشار يرى أنّ ذلك بمثابة دقُّ لآخر مسمار في نعش السينما الفلسطينية التقليدية، تماما مثل الذي فعله ميشيل خليفة ومي المصري.
وفي سياق اشتغاله على السينما الفلسطينية، أورد بشار إبراهيم إلى أنّ هذه السينما في تراجع من حيث عوارض الخطابية والثورية والدعائية لفائدة التأمل، حيث تخلت عن صورة الجندي الإسرائيلي دون أن تتخلى عن أثر الاحتلال الذي يضغط بقوة على الشخصيات، واستعاضت عن quot;الفدائي السوبر مانquot; بالأطفال، وأسهم في ذلك سينما المؤلف التي تتميّز بالنوستالجيا، ما أدى إلى إيقاف مظاهر الصراخ وإبراز الفلسطيني بسمو فني أكبر، من خلال تخلّصها من البطل المركزي والحدث الأوحد والحكاية الواحدة.
والتقى بشار إبراهيم مع المسناوي ومدانات في كون الرهان الفعلي الذي يواجه السينما الجديدة الملتزمة بمقوّمات الحداثة لا يتمثّل في الرقابة أو غياب الإمكانات، بل في سبل استقطاب الجمهور الذي يعزف بحسبهم عن أفلام لها قيمتها الفنية، في صورة فيلم quot;الراقدquot; للمخرجة المغربية ياسمين قصّار الذي لم يكن له أي صدى في موطنه الأصلي، وهو اعتبار جعل نقاد يعلقون أنّ دوائر الرقابة لم تعد متشدّدة أمام الأفلام، لأنّ تلك الدوائر باتت مقتنعة بتشدد الجماهير مع العروض.
ونادى كاتب الدولة الجزائري المكلّف بالاتصال quot;عز الدين ميهوبيquot;، وهو إعلامي سابق وكاتب لعديد السيناريوهات والروايات، أنّ السينما العربية في حاجة إلى التجديد لتجاوز المدارس التقليدية التي مازالت تسيطر بحسبه على العقل العربي، وضمّ ميهوبي صوته للفريق الذي يطالب بقيام تحالف بين كتاب الرواية وصناع السينما، والعودة إلى الرواية العربية من أجل إعادة بعث ما سماه quot;الوعي السينمائيquot;.
وانتقد ميهوبي ما نعتها quot;أفلام الفاست فودquot; التي لا تتكئ في نظره على خلفية إبداعية حقيقية، مرددا أنّ الأفلام التي تثير أسئلة نأخذها معنا، بينما نقيضها نتركها ورائنا، واعتبر ميهوبي أنّ العرب بحاجة إلى أفلام استثمارية تثير الوعي وتنتج النقاش وليس إلى أفلام سطحية مناسباتية وما سماها quot;سينما استهلاكيةquot;، وذكر أنّ المجتمع العربي هو مجتمع (القلبانية) لذا من الحساس بمنظاره العودة إلى الأفلام الروائية للطيب صالح وعبد الرحمن منيف ومحمد شكري والطاهر وطار وعلاء الأسواني وواسيني الأعرج، مشيرًا إلى أنّه يتعيّن على المنتجين أن يقرأوا أو يجدوا من يقرأ لهم، منبّهًا إلى ضرورة تحقيق مقاربة بين ما كتبه ابن خلدون في وقته وما تقدمه السينما العربية اليوم، مبرزًا حاجتها إلى استعادة الصورة الافتراضية لمؤسس علم الاجتماع الحديث.