صلاح نيازي: ما من جنون، كما يبدو، أكثر إيناعاً ويفاعة كجنون أوفيليا. عطّل فيها الكلام، وجعله غناء. دوزنها فأصبحت آلة موسيقية. أوّل مخلوقة بشرية تتحوّل إلى آلة موسيقية، وحنجرتها نهر يتموّج كسلّم موسيقي. الجنون دلّ أوفيليا على نفسها. وجدت نفسها، كأصفى ما يكون عليه جوهر الإنسان. أكثر من ذلك جنون أوفيليا عميق وفيه رنّة عاقلة.
يبدا المشهد الخامس ndash; الفصل الرابع بدخول الملكة وهوراشيو، وهو عالم متنوّر، ورجل لا على التعيين. يبدو أنّ الحديث كان يدور، قبل ظهورهم على خشبة المسرح، على أوفيليا.
أوّل جملة تنطقها الملكة في هذا المشهد: quot;لن أتكلّم معهاquot;.
مَنْ هذه التي لا تريد أن تتكلّم معها الملكة؟ لماذا؟
قال الرجل للملكة:
quot;إنّها لا تتوقّف،
مجنونة بلا ريب، حالتها تثير الشفقةquot;
أجابته الملكة:quot;ماذا تريد؟quot;
حكم شيكسبير المشهد إحكاماً فنيّاً دقيقاًاً، حيث جمع الملكة مع هوراشيو الذي يمثّل العقل والحكمة، ومع رجل نكرة، لإعطائه صفة الحياد والصدق فيما ينقل من أخبار. تتأتى خطورة المشهد أكثر أنّ رجلاّ عاديا بلا آسم، ولا لقب كان يسير إلى جانب الملكة، وإلى جانب هوراشيو صديق هاملت.
لا بدّ أنّ النظارة متحرّقون لمعرفة مَنْ تلك المجنونة التي تثير حالتها الشفقة. هل هي اوفيليا؟ تركناها في الفصل الثالث في كامل قواها العقلية. وحتى حينما قالت الملكة:quot;ماذاتريدquot;، بهذا الجفاف أو الاكفهرار، فما من أحد يخمّن أنها أوفيليا، نظراً لما تكنّه الملكة لها من ودّ.
بهذه التقنيات كان شيكسبير يحشد عناصر الإثارة والفضول. مَنْ تكون؟ مَنْ تكون؟
آستدلّ الرجل على جنون تلك الفتاة، من هذيانها الموصول عن والدها. مرّة أخرى مَنْ والدها؟ حتى اللحظة وما تزال الفتاة مجهولة. واصَلَ الرجلُ وصْفَه لها:
quot;...تقول إنها تسمع
عن وجود حِيل في الدنيا، وتتنحنح كأنّها
تتفادى قول أشياء، وتدقّ على صدرها
وتتميّز غضباً لأتفه الأسباب، تتحدّث
عن أشياء لا تُفهَم، ولا تحمل إلاّ نصف معنى، مع ذلك
فطريقة كلامها الذي لا رابط له، يحثّ السامعين
على تجميع أجزائه لإيجاد معنى يخمنونه
يرقّعون الكلمات بطريقة تناسب أفكارهم هم
ففي خلجات عينيها، وإيماءات رأسها، وإشارات يديها
ما يُعطي للكلمات معنىquot;

في المقطع أعلاه أسرار خطيرة. فالفتاة تلك quot;تسمع عن وجود حيل في الدنياquot;. الفعل تسمع، يدلّ على أنّ إشاعات تدور.أمّا وصفه لها بأنّها، quot;تتنحنح كأنها تتفادى قول أشياءquot;، فهل يعني أنّها تعرف عن مؤامرة إبعاد هاملت عن البلاد، أو مؤامرة قتله؟
قال الرجل كذلك:quot;طريقة كلامها الذي لا رابط له، يحثّ السامعين على تجميع أجزائه لإيجاد معنىquot;. لماذا السامعين؟ هل كانت تتحدّث هاذية أمام جمهور؟ ثمّ هل كان الجمهور مقتنعاً بما كان قد سمع لذا لا يفسّر الآن أقوال الفتاة إلاّ تفسيراً واحداً quot;تناسب أفكارهمquot;
بالإضافة، ذَكَر الرجل أيضاً:quot;ففي خلجات عينيها وإيماءات رأسها، وإشارات يديْها، ما يُعطي للكلمات معنىquot;، إنما كان وكأنما يصف مشهداً تمثيلياً يُؤَدّى أمام جمهورٍ علناً.
لا عجب إذن قول هوراشيو الحكيم بعد ذلك مباشرة:
quot;من الخير لو تحدّث إليها أحد
قد تنشر أفكاراً خطِرة في رؤوس تميل إلى إثارة الشكوكquot;
يبدو أنّ هوراشيو حمل كلام الفتاة على محمل الجدّ ومن الخير كما قال، أن يتحدّث إليها أحد.
تستجيب الملكة لنصيحة هوراشيو، وتأمر: quot;دعها تدخلquot;، ثمّ تتحدّث عن هواجسها. ولكن لماذا الهواجس؟ كيف تولّدت الهواجس؟. راحت الملكة تتحدّث إلى نفسها:
quot;يبدو لنفسي العليلة، وهذه ميزةُ مَنْ
يعاني من إثم،أنّ أيّ شئ تافه
يكون مقدّمة إلى كارثة عظيمة من نوع ما.
المذنبون ممتلئون تمام الآمتلاء
بشكّ لا يمكن السيطرة عليه
فيفضحون أنفسهم خشية ألاّ يُفضحواquot;
قبل ذلك جعل هاملت أمّه الملكة تنظر إلى نفسها لترى عِظَم إثمها. أخافتها أعماقها، فراحت تصيح مذعورة:
quot;آه يا هاملت، كفّ عن الكلام
إنّك تدير عينيّ إلى صميم روحي
وهناك أرى بقعاً سوداً ومتأصّلة
ولن تمّحي صبغتهاquot;
سألها أن تحدّق وكأن في مرآة نفسها. لكنّ الملكة تخاف المرآة، وأوفيليا مرآة الملكة الصافية. هي صورتها الأولى في الجمال والبراءة. الملكة تخاف صورتها الأولى. وها هو القدر يضطرّها كراهية للنظر فيها. تدخل أوفيليا وأوّل جملة تخاطب بها الملكة:
quot;أين ولّى التزويق في وجه جلالة ملكة الدانمارك؟quot;
وكأنّ الملكة بزوال التزويق، ظهر وجهها على حقيقيته. أو كأنّ الممثّل نزع عن وجهه قناع البراءة التي كان يمثّلها. وحين تسألها عماذا يمكن أن تفعله لها، تغنّي أوفيليا:
quot;كيف لي أن أعرف حبيبكِ الصادق
من حبيبكِ الآخر
بقبّعته ذات المحارة، وبعصاه
وبحذائه الصندلquot;.
تشير المحارة في هذذه الأغنية إلى المحارة المروحية Scollop -shellوكانت توضع في القبّعة مشيرة بالأصل إلى شخص حجّ إلى مرقد القدّيس جيمس بأسبانيا. بالإضافة كانت المحارة تستعمل في التعميد، لذا فهي رمز للتوبة، والانبعاث الروحيquot;.
المهم في هذه الاغنية، الرنّة الدينية، والتوبة، وصعوبة التمييز بين حبيب وآخر، إلاّ أنّ الملكة لم تفهم مغزى الأغنية، فسألتْ:
quot;وا أسفاه ايّتها الفتاة الجميلة
على أيّ شئ تدلّ هذه الاغنية؟quot;
هل كانت الملكة حائرة حقّاً أم أنها كانت تداري حرجاً ما ، مَثَلها مثل أوفيليا، حينما قالت لهاملت كما مرّ بنا أعلاه: quot;ما الذي تعنيه يا سيّدي اللورد؟
رغم ذلك فتساؤل الملكة، إنّما يدلّ على أنّ الأغنية، لم تكنْ عفو الخاطر، على ما في أوفيليا من جنون. بكلمات أخرى، إن الملكة أدركتْ مغازي كامنة في الأغنية، قد تمرّ بآخرين دون أنْ تثير فيهم شيئاً غير عادي.
تجيب أوفيليا عن تساؤل الملكة:quot;ماذا تقولينquot;؟، وهو جواب لا يليق بمخاطبة ملكة، وكأنّ أوفيليا الآن بلغت درجة كبيرة من الانسجام مع عالمها الخاص، بحيث لم تعد تسمع إلاّ باطنها الروحي، ولم تعد ترى إلاّ ما يجوس في أعماقها.
يبدو أن أوفيليا لم تحققْ نفسها إلاّ في جنونها. وفي غنائها وجدت أرقّ آنسجاماتها الروحية. كان الجنون يدوزن أوفيليا، ليجعل منها أدقّ آلة موسيقية. من الآن وحتى غرقها آستغنت أوفيليا عن الكلام. أصبح غناء. هل انتقلت من العاديّ إلى السامي؟ مع ذلك هل آنسجم جسدها بكلّ خلاياه المشدودة كما آنسجمت وتناغمت ذبذبات روحها، أم ما يزال يتحرّق الى ذلك الوهج الجنسي؟
على أية حال، تغني أوفيليا ثانية:
quot;لقد مات وذهب يا سيّدتي
لقد مات وذهب
عند رأسه حشيش أخضر
وعند قدميه شاهدة القبر
آه، يا ويليquot;.
في هذه الأغنية موتان إنْ صحّ التعبير. فالميت إذا كانت معروفة هويته، يوضع quot;حشيش أخضر على صدره، لإبقائه في الأعماقquot;، أمّا الميت غير المعروف quot;فتوضع حجارة عند قدميهquot;.
بعد الأغنية يدور الحوار التالي quot;
ـــــ الملكة: لا يا أوفيليا
ـــــ أوفيليا: أتوسّل إليك إسمعي:
(تغني) كفنه أبيض مثل الثلج الجبلي
(يدخل الملك)
ـــــ الملكة: وا أسفاه أنظرْ هنا ياسيّديquot;.
حينما قالت الملكة: quot;لا يا أوفيلياquot; فإنما يدلّ على أنّ الأغنية أصابت مقتلاً لدى الملكة، فلم تستطعْ تحمّل المزيد. لذا فتوقيت دخول الملك إنقاذ للملكة من حرجها.
الغريب، إنّ أوفيليا، لم تتوقّفْ عن الغناء عند دخول الملك، وهذا دليل آخر، أنها لم تعُدْ تسمع ما تسمعه، ولا ترى ما تراه:
quot;مزيّنٌ نعشه بالأزهار الحلوة
لكنّها لم تذهبْ إليه
مع دموع الحبّ الصادقquot;.
تشير الأغنية إلى أنّ الميت لم يُدْفَنْ بعدُ. إلاّ أنّ الملك لم يسألْها عمّن يكون ذلك الميت الذي لم يدفنْ، وإنما سألها:quot;كيف حالك، أيتها الفتاة الجميلةquot;؟
جواب أوفيليا غريب. آختلط فيه الواقع بالأسطورة، والجنون بالحكمة والعقل:
quot;يقولون إنّ البومة كانت آبنة الخبّاز يا سيدي
نحن نعرف مَنْ نحن الآن، ولكننا لن نعرف
ما سنكون عليه. منح الله البركة لمائدتكquot;.
المعروف أنّ بنات الخبازين ، في الأغاني البلدية يصوّرْنَ على أنهنّ داعرات. أمّا البومة فأصلها حكاية شعبية، مفادها أنّ المسيح طلب خبزاً، إلاّ أنّ آبنة الخباز، أصرّت على أن لا يُعطى إلاّ قطعة صغيرة، فما كان منه، إلاّ أنْ مسخها بومة.
هل ثمة إشارة ، إلى أنّ أوفيليا نفسها قد مُسِخت معنوياً إلى بومة لأنها لم تُعْطِ من حبّها لهاملت إلاّ القليل؟
أمّا قولها:quot;نحن نعرف مًنْ نحن الآن، ولكننا لن نعرف ما سنكون عليهquot;، فربما هو تعليق على مصير آبنة الخبّاز غير المضيافة، أو أنه صدى لما قاله هاملت في مناجاته الشهيرة:quot;أكون أو لا أكونquot;. على أية حال يثير التعبير الحيرة، لأننا لا ندري ما الذي سنكون عليه بعد حين، مما يتناسب تماماً مع وضع الملك وحالته النفسية المضطربة.
(رأينا من قبل كيف شبّه بولونيوس آبنته أوفيليا بدجاجة الحرش).
***
ظنّ الملك أنّ مردّ جنون أوفيليا، إنما هو مقتل والدها. ولكنْ هناك سبب آخر لا يقلّ أهمية. أجابته أوفيليا:
quot;أتوسّل إليك لا تقلْ شيئاً عنها ولكنْ
إذا سُئلْتَ ما الذي تعنيه فقلْ هذا:
غداً يوم القدّيس فالنتاين
سأخرج في الصباح الباكر
حتى تراني كأوّل صبية قرب نافذتك
فأكون حبيبتك
عندئذٍ،آستيقظَ، وارتدى ملابسه
وفتح باب حجرة النوم
وأدخل الصبية، ولم تخرجْ عذراء أبداًquot;
في الأغنية أعلاه ، تظهر الطيور، وهي هنا كناية، في أقصى شبقها، ولا سيّما في يوم فالنتاين، أي اليوم الرابع عشرمن شهر فبراير/ شباط. كانت العادة السائدة في ذلك الحين، هي أنّ الرجل يعد أوّل فتاة يراها، بأنْ يكون وفيّاً لها لمدّة عام كامل. لكنْ ما يثير الآنتباه، أنّ الفتاة كانت تنتظر هذا اليوم فذهبت إلى ذلك الفتى طواعية، لفضّ بكارتها.
(حذّر لرتيس أخته أوفيليا أن تكون quot;خارج نطاق المرمى الخطر للشهوة.)
وحين يقاطعها الملك بالقول:quot;أوفيليا الجميلةquot;، تجيبه:
quot;لا ريب بلا تجديف، سأكمل الأغنية
أُقسِم بيسوع وبالمحبّة
الويل ياللعار
الشباب يعملونها، إذا آقتربوا منها ndash;
أُقسم به، هم الملومون
قالت له قبل أن تطرحني أرضاً على ظهري
أوعدني بالزواجquot;.
فأجابها:
quot;لفعلتُ ذلك، قسماً بالشمس البعيدة
حتى وإن لم تأتي إلى فراشيquot;
في المقطع أعلاه، قَسَم بثلاثة أشياء. القَسَم بالله محرّم في الديانة المسيحية، لذا قالت أوفيليا:quot;لا ريب بلا تجديفquot;. القَسَم الثاني: By cockأي قسماً بالديك وهو يعني God أي الربّ. إلاّ أنّ:cock تعني باللغة الإنكليزية آلة الرجل.
القَسَمُ الثالث على لسان الفتى:quot;قسماً بالشمس البعيدةquot;، وهو قسم غير ملزم، ثمّ أنّ الشمس تدلّ على أنّه يفعلها حتى في النهار، أي بلا نوم.
يبدو أنّ الملك سُقِط في يده، فتساءل:quot;كم مضى عليها وهي في هذه الحالة. بادرت أوفيليا بالجواب، دون غيرها:
quot;أرجو أنْ يكون كل شئ على مايرام. يجدر بنا الصبر
ما بيدي حيلة سوى البكاء حين أفكّر أنهم
سيدفنونه في التراب البارد. سيعلم أخي بالأمر
لذا شكراً لكم على مشورتكم. هيّا، أين عربتي.
طاب مساؤكنّ، يا سيّداتي، طاب مساؤكنّ
أيتها السيدات المحبوبات، طاب مساؤكنّ،
طاب مساؤكنّquot;
أمر الملك أن توضع أوفيليا تحت الرقابة الدقيقة، ظانّاً أنّ جنونها وهمٌ، وهو quot;سمّ الحزن العميقquot;، ناجم عن موت أبيها. لكنْ لماذا أمر بوضعها تحت المراقبة؟ هل لأنّ في عفوية أغانيها، ما يفضح جريمته وخطيئته، تماماً مثلما فعلت تمثيلية quot;مصيدة الفئرانquot; التي مُثّلتْ أمامه؟.
قال الملك مخاطباً زوجته:
quot;إنّ معمعان الأمور
أشبه شئ بمدفع متعدد الطلقات
تصيبني بالموت مرّةً بعد مرّةٍ في عدّة أماكنquot;.
المفارقة هي أن إطلاقات المدفع تسبق عادة مَقْدِمَ ملك أو إمبراطور، إلاّ أنها هنا آذنت بدخول لرتيس شقيق أوفيليا، على رأس قوّةٍ متمردة ضدّ الملك نفسه.
عرف لرتيس منذ الوهلة الأولى، أنّ أخته أوفيليا أصيبتْ بالجنون. أراد quot;من غضبه أن يُتلِف دماغه، ومن الدموع السافعة تدمير الإحساس والقوّة في عينهquot;. أقسم أنّه سيثأر لها ممّنْ دفعها إلى الجنون. خاطبها:
quot;آه يا زهرة أيّار
أيتها الفتاة العزيزة ndash; الأخت الحنون ndash; أوفيليا الحلوة ndash;quot;
غير أنّ أوفيليا راحت تغنّي:
quot;حملوه ووجهه مكشوف على عربة الموتى
وفي قبره سقطت دموع غزيرة
وداعاً يا حمامتيquot;.
(أي ْ وداعاً يا حبيبي).
ما من شارح لطبعات هاملت العديدة، يعرف لمَنْ كانت أوفيليا توجّه الكلام. مع ذلك يبدو أنّ الجنون بات أكبر من معاني الكلمات. ربّما يكمن ثِقَلُ الأغنية في تعبير:quot;ووجهه مكشوفquot;، لماذا كان مكشوفاً، وما من طقوس دينية تفرض ذلك؟ تغني أوفيليا بعد ذلك:
A ndash;down, a down
A ndash;down وتسميه
آه، كم يناسبها إيقاع قرار الأغنية
إنّ مدير الخدم هو الذي سرق آبنة سيّدهquot;
قلنا باتت الكلمات تضيق بالمعاني. فاللازمة A ndash;down, adown خالية من أيّ معنى شائع في العصرالأليزابيثي. جاء في النص كلمة Wheel أيْ قرار أو لازمة الأغنية.ومن معانيها الأخرى: المغزل، وكأنّ أوفيليا كانت تغنّي للمغزل، أو ربّما هي حركة معيّنة في الرقص، أو ربّما دولاب الحظّ.
أما تعبير quot;مدير الخدم الذي سرق آبنة سيّدهquot;، فيشير إلى أنّ الملك أدغار أرسل أحد النبلاء المزيّفين لخطبة سيّدة جميلة إلاّ أنّه خطبها لنفسه، وكذب على الملك، ولكنْ كُشِفَ أمرُهُ في النهاية وقُتِل.
الغريب أنه رغم عدم وجود ترابط ظاهر في الأغنية، إلاّ أنّ لرتيس رأى فيها معنى عميقاً:quot;في هذا الكلام السخيف تعبير أكثر ممّا في العقلquot;
(قال بولونيوس عن هاملت من قبل:quot;مع أنّ هذا جنون إلا أنّ فيه نظاماً)
بعد ذلك تقدّم أوفيليا للرتيس:quot;وردة إكليل الجبل إنها للذكرى أرجوك/يا حبيبي أذكرني/ وهذه زهرة الثالوث للتأملات الحزينةquot;
ثمّ أعطت للملك ورد البسباس، والأخيليا ( وهما ترمزان إلى التوبة). أمّا الملكة فأعطتها الحرمل (وأخذت هي بعضاً منه)، كما أعطتها أقحوانة (وهي وردة الحبّ غير السعيد)، وقالت: quot;بودي لو أعطيتك بعضاً من أزهار البنفسج، إلاّ أنها ذبلت جميعاً حين مات والديquot; (وهي وردة الوفاء)، ثمّ تغنّي:
quot;يقولون لطائر أبي الحنّاء الحلو الجميل كلّ بهجتيquot;.
في النص Robin. يذكر الشراح أنّ أغنية أوفيليا هذه ربّما هي أغنية داعرة، على غرار فالنتاين السابقة. يشير الطائر هنا إلى:1- المعشوق. 2- آلة الرجل. 3- جزء مركّب من أسماء عدد من النباتات البرية.
يبدو من التفاسير المختلفة المتناقضة أعلاه، أن الجنس قد نفذ في كلّ شئ. هل الحرمان الجنسي كان السبب في آضطرابات أوفيليا العقلية؟
ربّما فطن شقيقها لرتيس لما كانت تعاني منه أوفيليا. قرأ ما وراء الكلمات، منسحراً ببيانها، فقال:
quot;إنها تحوّل التأمل الكئيب، والأسى
والألم والجحيم نفسه إلى سحر وبهجةquot;.