الى صديقي الشاعر صلاح نيازي

عن العزلة

أبجدية الوهم
التي تعلمتها
رحلت عني
ها انا وحيد
واعزل
الا من هذه الثمالات
التي تحجب بنورها مرايا الزواحف
هم، دائما، هكذا
يصرون على ان اللغة
التي تنفلت من جيوبهم
شيء مطلق
لو ابقى وحيدا
لو ان روحي تعلق باهدابها
جملي الناقصة
لو ان لي وهما آخر
لو استبدل طريقتي بالتأتأة
لو أقول: التحية الأخيرة
كانت عنك
وليست لكِ
ثمة فرق شاسع
ما بين السواد الذي أعنيه
وبياض الليالي الكسيرة

هل ثمة افصح منك
أيها الجسد وانت تقول:
لا موت
ازل فقط
هذا النسيان

حتى حدائق ليلي
وازاهيرها
حتى ليلكِ الحالك
في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل
وانت تعودين بكل أسى الفتنة
حتى عمري وهو
يتشقق
لينبت فيه آخر ما روته يداكِ

هكذا تلوحين
كما لو كنتِ اميرةً منكسرة.


عن الهذيان

عليك ان تعرف أن حيواتك الكثيرة؛ الكثيرة جداً
لم تكن سوى ميتات من نوع خاص؛ خاص جداً
اكره الجدران، اكره الفضاءات
اكره هذه الساعات:
ساعات الخديعة
ساعات الصباح وهي تعلق نهايتك الاولى
هل تذكر تلك الليلة البعيدة؟
لا..!
هل تذكر حزنك تعلوه صبابات الماضي

اكثر هدوءاً من نسيان قديم
هذا الزمن الآتي
لا تعلوه سوى لحظات البدء
أو لك ان تقول:
يا لها من روح ؛هذه الروح
في مرافئ الوحدة
كانت تتكاثر
لتفشل في العثور عليك
................
...............
وفي الاخير
لا نهاية لك
أيها الجدار
فضاء يعلو
كقوائم موتى منسيين
حتى وأنت تغرق في هذه الرتابة؛
رتابة هذا العالم

تبقى
الى الابد
تطل على خرابه.

عنك

عنكِ
عن مرمدة الوقت
أنتِ التي لا تهبين حتى دمعة
قلتِ: اعيتني بوارج الغياب
ليس سوى منفى واحد واخير
هذا العالم
فلا تخدعي
وهم
ومرويات فقط هي اعمارنا
وقد تهدلت بين:
معسكرات الخيبة
سجون الانتظار
مقابر النزق الاخير

ها أنا ارمي نسيانكِ
بما تليق به الذاكرة
أنت التي لا تتحدثين حتّى عن العطب
تكلمت كثيراً عن تشوهات الوردة الصغيرة
في تلك الحديقة التي تقاسمناها
نحن الثلاثة
فقط
أنا وأنت وهذا الصليب.

عن النسيان

ليس بعيداً
هذا الذي في انشودته
تتراءى الايامُ
قتلى موهومين

ليس بعيداً
هذا الذي في نسيانه
تساقطُ ازهاركِ
اعواداً يابسة

هل تؤمنين بهذه الحكاية:
الطرق الوعرة الخالدة
دروبُكِ وأنتِ تتسلقين
المسرات
الافق وهو ينهمر
السعادة المطلية بتباريح الماضي
مشيتُكِ وأنتِ تغذين السير......

هي الليلة ذاتها:
نبوءة النسرين التي تحدثنا عنها طويلاً
في ذلك المساء
الذي كنا نرنو فيه صوب مرايا الندم!

عن الذكرى

عليّ ان اتذكر الآن
جملة من الاشياء البعيدة القريبة:
طاحونة الهواء التي طالما مررنا بها صغاراً
ودونما سرفانتس كنا نمرر اصابعنا الغضة
قرب الربيع الذي كان يأتي غائماً وحزيناً
صنبور الماء حيث كنا نرتشف احلامنا هناك
اغفاءتُكِ وأنتِ تهدهدين وجع الأب العائد من ظهيرة
خاسرة
أعني الليالي التي كنا ننام فيها على اسطح
النسيان
لهذا
ولهذا فقط
رحلنا من سماء
تمطر دماً
الى سماء
تمطر دمعا.

عن النهار


قالت له: لا اطيقُ هذا النهار الدائم
لا اطيقُ أن احيا
واحيا
واحيا
وبلا ارث تتقاسمه الايام
اوزع ثيابَ الامس

لا اطيقُ أن احيا..!
هكذا تصفُ الحياة:
حانة فارغة
ودونما ضوء
يقفُ النادلُ امام زجاجات الخمر
وحيداً
يمجدُ اوقاته بتسليات العذاب.

عن الفصول

حتّى هذه الساعة
صيفُكِ الذي استفاقت عليه دهور عدة
يمر امامي مطرقاً رأسه كخريف
دعينا نلعبُ هذه اللعبة:
نبتكرُ صيفاً آخر للفصول
نسمي اللغة التي تغني شتاء
ونرسمُ على ربيع
اوجاعنا
فصلاً اخر.

عن الروح

أنا اعزل الآن
تماماً
كقارعة روحي وهي تتوسد النسيان
اعزل منكِ
اعزلُ من المرأة
التي لم انتظرها لحظة واحدة
اعزل من الليلة
التي تسمى باسمكِ
بسوادها الذي يضارع الموت
في خروجكِ تلك الليلة مدماة القلب
هذا لانكِ
كنتِ النسيان ولا شيئاً آخر غيره

عن المقبرة

لا تكلمني عن هذه المقبرة
أنا اعرف الذين خدعتهم أمانيهم
هل تتكلم عن روح الابدية؟
وهذا الصهيل الذي نقرأه في كتب التاريخ؟!
هو من بقايا الندم
هم الذين قالوا سنرحل عمّا قريب
وهم، ايضا، من ظلوا ليلة اخرى
بانتظارك.ِ

عن الموت

كما قال الاولون
نُقيمُ قرب معنى الموت
في بياضه الذي لا يشيخ
وليله الذي تتشح به الكائنات
حتى الوطن
الذي له شكل تفاحة القلب
يُقيمُ هناك
بالضبط
في ليل التمني
(قارب السعادات الميتة).

[email protected]