إلى مايا

رأيتُ غفوةً تسيرُ فوقَ عينيهِ المغمضتين، سيرَ نبيٍّ مكتملِ الخطى، ينتابه بكاءُ ميتٍ في السرير الأخيرِ من قصر الظلمات. ووقادٌ يده الماء يرفعُ ظله إلى النعشِ الفراتْ. ويلٌ لعينكَ الغياب، يا آخر الصفاءِ المجنحِ، وأول الضباب. هكذا تنزُّ ثيابُ الزيتِ نورا، ويرفعُ العاشقُ من خرابْ.

تلكَ قوةُ هيكلٍ، تندلقُ فيها جرارُ اللازورد، ويصعدُ على رحمها شيباً جَمَاد. ما رأيتُ في مثلِ حسنهِ، صاعداً غرفةَ الكونِ، ونازلاً خطايا الترابْ. عَلَتْ صدره موجةً تقلِّبُ قلبهُ على الأنحاء، وتطحنُ عظمهُ صريراً نافذاً في بخارِ الليل.
تُحوِّل الترحال إلى نجمتينِ صاعدتينِ، وعصافير ضوءٍ حانيةٍ فوقَ جبالِ الورد. تفتحان مفاتنَ البصيرةِ لشوارعٍ مائيةٍ يحرسها ترابٌ مبلولٌ بالجدلِ وبقايا كائناتٍ ترقصُ حولَ نعشٍ مولودْ. جنينُ بهاءٍ يتفصدُ غرقاً، وزوايا حياتهِ تميلُ برفقٍ، رفيق.

يا صحوةَ الأورجازم عندَ منبتِ شعره، تمرحينَ كقطةٍ من موسيقى، ويأفل في رذاذ عينيكِ ذيل الهدوء الطويل. فروةُ قلبهِ تنمو على مدفأة الحزن، وصورةُ ذوبانهِ المتلاحق في الهواء، يهدهدُ بينَ أصابعهُ ربوتا ماء.
يفتحُ مغاليق النوم، ويبهرجُ قوافلَ العتمةِ بلغاتٍ تتبعُ أثير الظلال: وجِدَ على ظلٍّ ناعمٍ وحليبه يبكي في صدرٍ ما، متخذاً شكلَ أفعى تتلوى جوعاً، وتشلحُ ثوبها طبقةً عن طبقةٍ، وتلقي بهِ فوقَ أجراسٍ تنبعُ من حولها.

هو الآن.. هو الآن، ظلٌّ لكمانٍ يعزفُ على وترهِ لحناً، يجرحُ زورقَ الروحِ في منطقةٍ بين المرساةِ وبين الشمسْ. آخذٌ في الهبوطِ على نقطةِ النون.
بمظلةِ الموتْ...

بمظلةِ
ا
ل
م
و
ت
تحملها ريحُ الجنون!


* شاعر مقيم في غزة