سلوى اللوباني من القاهرة: الكاتب quot;بهاء طاهرquot; عاشق قديم للرواية على حد تعبيره.. عاشق لها قراءة وكتابة.. فلا متعة لديه تفوق متعة قراءة الرواية.. فهو يبدأ بقراءة الرواية بنوع من البطء يقرأ صفحات قليلة في أول يوم ثم يتركها. في اليوم التالي يتسلل سحر الرواية الى نفسه فيقرأ أكثر... ثم بعد ذلك يكاد يصل الليل بالنهار منغمساً تماماً في القراءة إن كانت الرواية طويلة الحجم... وتصبح أحداث الرواية وأشخاصها عالمه الحقيقي. هذا بعض ما ذكره الكاتب بهاء طاهر في كتابه quot;في مديح الروايةquot; الطبعة الثانية-دار أزمنة- عن عشقه للرواية.. وقد وضح في مقدمة الكتاب انه ليس كتابا لنقد الرواية، بل العكس كما يسجل عنوانه هو قراءة مادحة لبعض الرواية والروائيين ممن أحبهم.. ليسوا هم كل من أحبهم والا لاحتاج الامر كتباً كثيرة، وكل فصل من فصول الكتاب يطرح مسألة أو مسائل تتعلق بفن الرواية وهي نابعة من صميم العمل المقروء لا من نظريات وأفكار مسبقة تزعم ما ينبغي أن يكون عليه الفن الروائي. تناول في كتابه مصر القديمة في أعمال نجيب محفوظ، ورواية quot;المصريةquot; للدكتورة فوزية أسعد، وquot;محاولة عيشquot; لمحمد زفزاف، وquot;عمارة يعقوبيانquot; لعلاء الاسواني، وquot;مسك الغزالquot; لحنان الشيخ. اضافة الى تواصل الاجيال في الادب المصري... كما تحدث عن فتحي غانم ولطيفة الزيات وعبد الفتاح الجمل وأحمد صالح مرسي.
الروايات مرايا سحرية
ذكر بهاء طاهر أهمية الرواية وسبب عشقه لها..فهناك بالدرجة الاولى عنصر التسلية.. فأي نوع من الروايات لا ينجح في إمتاع قارئه وإثارة شغفه بما يقرأ مقضي عليه بالفشل مهما توفر له من العمق وجودة الصياغة والنية الحسنة... فما من انسان يواصل قراءة رواية أو أي عمل أدبي لكي يتململ أو يتعذب بما يقرأ..اضافة الى أن الرواية الحقيقية تفكك الواقع المألوف وتعيد تركيبه مرة اخرى.. فنراه بنظرة جديدة أعمق وبفهم أفضل.. وهي تغوص في أعماق النفس الانسانية على نحو يتجاوز ما يمكن أن يكشفه لنا علم النفس... كما أن الرواية الحقيقية تطرح أسئلة جادة عن ماهية الحياة والوجود على نحو يستفز القارئ إن لم يكن لتقديم أجوبته الخاصة... فهو يستفزه على الاقل الى أن يفكر في تلك الاسئلة. يقول..الروايات الحقيقية باختصار مرايا سحرية يرى فيها القارئ جوانب مجهولة من عالمه ومن مجتمعه ومن نفسه أو كانت مجهولة له من قبل أن يدخل عالم الرواية... لذلك يعتبر بهاء طاهر أن الرواية فن له مكانته وخطره في المجتمعات المتحضرة.
الرواية تحتاج الى اختبارين
يوضح في كتابه أن القارئ المدرب قادر على اكتشاف الرواية الحقيقية من الزائفة..كما ان كل رواية تحتاج الى اجتياز اختبارين مهمين. الاول هو حكم الجمهور.. غير أن هذا الحكم قد يصيب وقد يخطئ.. أي أن بعض الروايات قد تلقى بعد صدورها رواجاً ونجاحاً لاسباب لا علاقة لها بالفن.. بينما روايات اخرى عظيمة قد تفشل ويعجز القارئ عن تذوقها.. الا ان في كثير من الاحيان يكون حكم الجمهور صائباً. والاختبار الثاني أو الحكم النهائي هو اختبار الزمن فمع مرور السنين تسقط من ذاكرة الجمهور والادب والروايات التي لا تستحق الاعتبار في حين تصبح الروايات الحقيقية جزء من الذخيرة الباقية للفن الروائي وتكتسب حياة متجددة مع الاجيال المتتابعة من القراء. ويعتبر طاهر أن هذا هو أهم ما تعلمه من تجربته كقارئ للروراية وكاتبا لها فلا تخدعه مهرجانات المديح بروايات بعينها ولا حملات الهجوم على غيرها.
الرواية وتكوين الوعي الفكري
ذكر بهاء طاهر في كتابه بعض الروايات التي لعبت دورا في التكوين الفكري لجيله. مثل الايام لطه حسين، ويوميات نائب في الارياف لتوفيق الحكيم، والمهلهل لمحمد فريد، ابو الهول لمحمود تيمور، ورواية قنديل ام هاشم ليحيى حقي، وعودة الروح لتوفيق الحكيم التي قال عنها عبد الناصر انها كانت من عناصر تكوين فكره الثوري. ويقول طاهر أن الرواية كان لها دور في تكوين الوعي العام لجمهور القراء بدءا من صغار التلاميذ الى كبار الكتاب وحتى زعماء الدولة. فقد كان ظهور رواية جديدة لنجيب محفوظ أو يوسف ادريس أو غيرهما حدثاً هاماً يترقبه الجمهور ويحتفي به النقد ويعلق عليه كبار الكتاب والصحفيين في اعمدتهم... أما الان فتغير كل شئ للاسف.. تصدر روايات وقصص بديعة ولكن كل هذه الروايات تسقط في بئر الصمت فلا يتجاوز تأثير أي رواية في أيامنا هذه مهما بلغت خطورة القضايا التي تطرحها حدود قرائها المعدودين. بالرغم من الرواية الان تعيش ndash;ابداعا- ازهى عصورها ولا يكاد القارئ النهم أن يجد الوقت الكافي لمتابعة كل الانتاج الجديد..اضافة الى أن الرواية الان تقتحم آفاقاً غير مسبوقة في أساليب الابداع الفني وبجرأة غير مسبوقة في تسليط الضوء على الاوجاع الحقيقية للمجتمع ولكن دون أن يكون لذلك أي صدى حقيقي في المجتمع المعني. ويقول أن اقصى ما يطمح اليه أي روائي الان أن يجد من ينشر له عمله دون أن يدفع بنفسه ثمن النشر وأن يتناول أحد النقاد عمله في مقال قصير أو طويل في مجلة ثقافية أو في احدى الصفحات الادبية أو البرامج الثقافية المتخصصة ثم ينتهي الامر بعد ذلك بالرواية الى غياهب النسيان.
وخلاصة القول عند بهاء طاهر انه ولولا قلة من القراء لا يعرف بأي معجزة ما زالت باقية في هذه الظروف وما زالت قادرة على فرز الاعمال الجيدة وابقائها حية في ذاكرتنا الثقافية... لولا هذه القلة المكافحة للظروف الطاردة لاندثر فن الرواية مثلما لقي فن المسرح في مصر مصرعه من قبل.
التعليقات