ايلاف من برلين: للمرة الرابعة قدم صالح كاظم عمله المسرحي quot;زخرف 2quot; في حانة برلينية تقع في منطقة quot;نويكولنquot;، في تعارض مع العروض السابقة التي كانت تعتمد الرقص أساسا، إذ تم هذه المرة التركيز على النصوص المأخوذة عن كتاب quot;طوق الحمامةquot; لإبن حزم الأندلسي و quot;حي إبن يقظانquot; لإبن طفيل و quot;عشرة فصولquot; لموسى بن ميمون القرطبي، إضافة الى نصوص معاصرة مأخوذة عن هاينر ملر quot;ماوزرquot; وبرتولت بريشت. وكما يدل عنوان العمل فهو لم يكن يعتمد على أساليب المسرح الكلاسيكي، بل كان حدثا فنيا تتداخل فيه مختلف الفنون ومنها الرسم والفيديو كلب والقراءة والرقص التعبيري والموسيقى. وكما في الزخرفة لم يعتمد العمل على صورة متكاملة ينقلها للمشاهد، بل وضع المشاهد أمام خيارات شتى ينتقي منها مايريد ليبحث في ما يربطها ببعضها.
في الحصيلة النهائية إعتمد العمل على مكونات فنية تنسف أطر العمل المسرحي التقليدي وتتجه للجمهور في محاولة لإستدراجه لخوض حوار جدي فيما يتعلق بالتداخل الحضاري و بـ quot;صراعquot; الحضارات إعتمادا على النموذج الأندلسي، حيث أختلطت الحضارة الإسلامية العربية مع الأصول الفكرية اليهودية والمسيحية لتشكل فيما بعد الأسس الأولى لحركة التنوير في أوربا التي أعتمدت في الغالب على أفكار أبن رشد وإبن طفيل الذي أسس من خلال روايته الفلسفية quot;حي إبن يقظانquot; مدخلا للبحث في أصول الوجود والكينونة.
وقد لعبت الموسيقى دورا أساسيا في العمل الذي أفتتح بأغنية لفرقة Doors تعالج حلم الجنوب عنوانها Spanish Caravan في الوقت الذي يقوم فيه الفنان الألماني ويلي بويسنغ برسم لوحة ترتبط بهذا الشكل أو ذاك بمضمون الأغنية. ومع إنتهاء الأغنية يأتي صوت ممثل من الميكروفون وهو يقرأ قصيدة إبن العربي التي تبشر بتداخل الأديان مع كل ما يوجد فيها من وجوه التخالف. في هذه الأثناء يتم تعتيم المسرح إستعدادا لقراءة يؤديها ستيفن ستيغلز لقصيدة quot;مديح الأندلسquot; للشاعر الألماني هاينرش هاينه. من هنا يكتشف المشاهد غرضية العمل التي تزداد وضوحا بعد عرض فيديو لنص من هاينر ملر من مسرحية quot;ماوزرquot; التي كتبها أصلا لتمزيق أطر المسرح التعليمي، حيث يتحدث الممثل عن quot;إنتهاكquot; جسدية الإنسان لـ quot;خلقه مجدداquot;.
مع أغنية توم ويتس quot;الطريق الى السلامquot; يضعنا المخرج في مواجهة إشكالية أخري في عصرنا الراهن، ألا وهي القضية الفلسطينية بكل ما يحيط بها من أزمات إنسانية وسياسية، ليلحق ذلك بـ quot;حكاية الخاتمquot; من مسرحية quot;ناثان الحكيمquot; لكاتبها ليسنغ.
ما ميز هذا العرض هو تجاوز الأطر المسرحية التقليدية والسعي لإيجاد أسلوب للتعامل مع الواقع الحالي يتناسب مع شروطه التي تختلف كليا عما تأسس عليه المسرح المعاصر، وذلك بسبب دخول أساليب تعبير مختلفة في الحياة العامة، أقلها الكومبيوتر والفيديو. من هنا جاء إستقبال الجمهور لهذا العرض إيجابيا، رغم الإشكاليات التقنية التي برزت هنا وهناك.