حاورته فينوس فائق: ئازاد برزنجي من الكتاب و المترجمين الكرد البارزين، اللذي ترجم لكبار الكتاب و الشعراء و المفكرين الكرد إلى اللغة العربية، و بالعكس أغنى المكتبة الكردية بروائع من الأدب و القصة العربية و مواضيع أدبية و فكرية أخرى.. بحسب آزاد برزنجي أنه لم يتفّق الباحثون لحد الآن على تعريف ثابت و مقولب للترجمة، ويرى أنه لايمكننا تصنيف الترجمة في خانة واحدة من تلك الخانات المتعارف عليها، مثل الأدب أو الفن أو غير ذلك. في حين أنه يؤمن أن الترجمة فنٌّ، لأَنّ الترجمة الحيّة نوع من أنواع الأبداع، وليس بوسع كل من أجاد لغتين أن يصبح مترجماً مبدعاً، ويقول أن الترجمة الفنّية (الأبداعية) تحتوي على فنون اللغة و تثير في اللغة المترجم اليها مايثيره النص الأصلي في لغته الأصلية من أحاسيس و مشاعر جمالية (إستطيقية).
و جواباً على سؤالي حول ما إذا يصنف الترجمة على أنها فن من فنون الأدب أو اللغة يقول برزنجي: نعم الترجمة فنّ لأنها عبارة عن ايجاد نص جديد في لغة أُخرى و نظام لغوي مغاير.والترجمة أدبٌ (خصوصاً إذا كان العمل المترجم عملاً أدبياً) لأنها تتعامل مع اللغة و فنونها و لأن الأعمال الأدبية المترجمة تندرج في خانة الأدب، و المترجم أديب، لأنه لابد أن يكون ضليعاً في اللغة و الأدب حتى يتمكن من ترجمة رواية أو قصيدة أو إلخ... وكذلك الترجمة لها جانب علمي لأن لها أسساً لابد أن يرعاها المترجم.
حول عملية الترجمة الأدبية و أدب الترجمة، و نقل ثقافات الشعوب و تداولها من جيل إلى جيل بفضل مترجمين عملوا غالباً كجنود مجهولون، خدموا اداب شعوبهم و عرفوا بقضاياهم عن طريق نقلها إلى لغات أخرى، بحيث تمكنت شعوب أخرى ربما بعيدة بعد القرات عن بعضها.. و حول حركة الترجمة في كردستان بإعتبارها منطقة غنية ثقافياً و حضارياً و إطلاع القاريء العربي و الفارسي و التركي على الميثولوجيا الكردية عن طريق الترجمة، و حول الترجمة و الترجمة المحايدة و مراكز الترجمة و غيرها من المواضيع كان لي هذا الحوار مع آزاد برزنجي، الكاتب و المترجم الكردي..
* الشعب الكوردي يملك أدب و ثقافة غنية، إلى أي مدى خدمت حركة الترجمة هذا الأدب، من حيث نقل آداب الشعوب الأخرى إلى اللغة الكوردية، و نقل الأدب الكوردي إلى اللغات الأخرى؟ بكلمات أخرى، هل هناك في كوردستان حركة ترجمة يمكننا الحديث عنها الآن؟
آزاد البرزنجي: في الحقيقة، الترجمة بمعناها المعاصر ليس لها تأريخ طويل في الحركة الثقافية الكوردية. صحيح أنه كانت هناك محاولات متناثرة هناوهناك في النصف الاول من القرن العشرين من لدن بعض الأدباء و كذلك بعض المجلات (كمجلة طلاويذ مثلاً)، ولكنها لم ترق الى مستوى جيد، لذلك يمكننا أن نقول أن الترجمة بمعناها المعاصر و كممارسة فنية بدأت في السبعينات من القرن الماضي، عندما قامت مجموعة من الأدباء بترجمة بعض الكتب التأريخية و الروايات العالمية و نماذج من الشعر العالمي إلى اللغة الكوردية، و استمرت هذه العملية حتى نهايات الثمانينات، ولكن يجب أن يُقال بأن هذه المحاولات لم تكن خاضعة لبرنامج معيّن و إنّما لذائقة المترجمين و أهوائهم، رغم أننا نجد مجموعة جيّدة من الكتب و الروايات و المسرحيات المترجمة في هذه الحقبة و أما التسعينات، أى سنوات مابعد الأنتفاضة الكوردية في كوردستان العراق، فالظروف السياسية غير المستقرّة كان لها أثرها السلبي على كافة مناحي الحياة و من ضمنها الحياة الثقافية، ولكن منذ بداية الألفية الثالثة و تزامناً مع تأسيس بعض الدور الثقافية و دور الطبع و النشر (كدار سردم للطباعة والنشر ودار آراس ودور أخرى) بدأ الأهتمام يعود إلى الترجمة كأحد أنواع الأنشطة الثقافية، فبدأت دور النشر هذه بتخصيص سلاسل و مجلات ثقافية للترجمة (كمجلة (سردم) و (سردم العربي) على سبيل المثال) و ظهر بعض المترجمين الذين ركزوا جهودهم على ترجمة أعمال إبداعية عالمية و كذلك بعض الكتب التأريخية و العلمية و الفلسفية الخ... إلى اللغة الكردية، و مازالت هذه الحركة لها استمراريتها... أما بخصوص ترجمة الاعمال الأدبية الكوردية إلى لغات أُخرى، يمكننا القول أنها ليست في المستوى المطلوب (خاصة اللغات غير العربية). هناك ثمة مجلات تهتم بترجمة نصوص كردية إلى العربية (كمجلة (سردم) التي اشرنا إليهما سابقاً و التي تصدرها دار سردم للطباعة و النشر) و كذلك كتب كردية مترجمة الى العربية (كالكتب التي أصدرتها دار آراس في أربيل و دار سردم في السليمانية) و لكنها لا تندرج ضمن مشروع عام و شامل، بل وتبقى أيضاً ضمن ذائقة و اهتمامات المترجمين.
* كقاريء هل تمنحك الترجمة المذاق الذي يمنحه للك النص باللغة الأصلية؟
آزاد البرزنجي: هذا يتوقّف على الترجمة التي أتعامل معها و كذلك المترجم الذي أقرأ له، فليس كل الترجمات بوسعها إثارة الذائقة الجمالية لدى المتلقي (او القاريء). حينما قرأتُ دوستويفسكى في الترجمة الشهيرة التي قام بها سامي الدروبي( رغم أنه ترجمها من الفرنسية وليس الروسية )، لولا أسامي الشخصيات و الأماكن، لم أُكن أشعر أنني أمام نص مترجم. فالصياغة الأبداعية التي قام بها الدروبي جعلت من لغته لغة تلقائية إنسيابية ساحرة، وكما قال احدهم نشعر و كأن دوستويفسكي بنفسه قد كتب رواياته هذه بالعربية (هذا إن افترضنا أنه يجيد اللغة العربية). البتة هناك ايضاً عشرات المترجمين الآخرين الذين حينما تقرأ لهم تشعر و كأنك أمام نصوص مؤلفة لامترجمة، مثلاً جورج طرابيشى في ترجماته، صالح علماني و آخرين، و لايمكننا إلا أن نسمّيهم مبدعين أيضاً.
* هل صحيح أن ليس هناك ترجمة محايدة في كوردستان؟ بمعنى ان كل ما يترجم الآن يتم من خلال العلاقات الشخصية و المجاملات، بمعنى أن المترجم لا يترجم إلا إكرماً لصديق، و بالتالي يحدث أن تكون الترجمة غير أمينة، أو ليست بمستوى النص الأصلي، ماهو تعليقكم؟
آزاد البرزنجي: المترجم المبدع و الجيدّ هو المترجم الذي لديه رؤية خاصّة للعالم و الابداع، هو المترجم الذي له فلسفته في إختيار النصوص التي يقوم بترجمتها، أنا شخصياً لا أختار نصاً لايعجبني و لي معايير أدبية و فنية (وكذلك فكرية) في اختيار نص معيّن، كذلك أنا لا أبذّر وقتي مع نصوص ركيكة أو ميتة، ولابد للنص الذي اختاره أن يكون مشحوناً بدلالات فنيّة و جمالية عميقة تستجيب للمعايير الجمالية التي تروق لي، ربما تكون هناك ترجمات لبعض المترجمين من ذلك النوع الذي تؤشرين إليه، ولكنها لاترقى إلى مصاف الترجمات الجيدة. فعلى المترجم أن يتعامل مع النص لا مع الأشخاص، ولكن ربّما احياناً يترجم مترجم ما عملاً إبداعياً يكون مؤلفه صديقه، و هذا شيء لا شائبة فيه، و أما بشكل عام ولحد الآن ليس لدينا أجندة أو مشروع طويل الأمد للترجمة، إضافة إلى أننا و لحد الآن ليست لدينا جمعية أو أتحاد للمترجمين الكورد.
* هل الجهود الفردية في الترجمة تحول دون اقامة مراكز و مؤسسات خاصة تتبنى ترجمة كتب قيمة تحتاجها المكتبة الكوردية و بالعكس من الكوردية إلى العربية؟
آزاد البرزنجي: الجهود الفردية شيء و إقامة المركز و المؤسسات شيء آخر، فلا المؤسسات تحول دون قيام بعض المترجمين بانجاز اعمالهم، و لا الجهود الفردية تحول دون إقامة مؤسسات للترجمة، ولكن الشيء الذي نحتاجه الآن برأيي هو إقامة مؤسسة خاصة بالترجمة من قبل حكومة أقليم كوردستان، مؤسسة تتفرغ لمجال الترجمة لا غير، لأن إقامة مؤسسة ضخمة كهذه هي من واجب الحكومة أو الدولة، فالأفراد ليس بوسعهم تأسيس مؤسسة كبيرة كهذه، حينها تكون بوسع هذه المؤسسة وضع خطط سنوية (خمسية، عشرية الخ...) و مشاريع ترجمة في مجالات متنوعة، ولحين ذاك ستبقى الترجمة خاضعة لاجتهادات شخصية و محدودة.
* كمترجم ماهو الأقرب إليك، ترجمة الرواية، أم الشعر؟ ولماذا؟
آزاد البرزنجي: إن أعمالي المترجمة تتوّزع بين الفلسفة و الفكر و الأدب، أنا أميل إلى ترجمة الفكر و الفلسفة و لكنني أعشق الأدب، خصوصاً الرواية و الشعر، و هذا ما دفعني خلال السنوات الماضية إلى ترجمة بعض الروايات العالمية إلى اللغة الكردية، فمثلاً إحدى الرويات التي أحببتها و مازلت أحبها هي رواية (عيونها) للكاتب الايرانى (بزرك علوي) و التي ترجمتها من الفارسية إلى الكوردية، وقد أُعيد طبعها سبع مرات، وكذلك روايات (الثلج) و (الكمان الأسود) و (العسل) التي تعتبر ثلاثية للكاتب الفرنسي (ماكسينس فيرمين) وروايات (الحرير) و (أسطورة 1900) و (بدون دماء) للكاتب الأيطالي (أليساندرو باريكو) التي ترجمت أثنتين منها من الفارسية و الثالثة من الانكليزية. ورواية (بيدرو بارامو) لخوان رولفو التي ترجمتها مع صديقى الكاتب و المترجم (ريبوار سيويلي). كذلك لدي كتابين عن الشعر الفارسي، احدهما عن الشاعر سهراب سبهري (العاشق وحيد دائماً) عبارة عن مختارات من قصائده و مقالات عن حياته و شعره، والثاني كتاب (إمرأة في عتبة فصل قارس) عن الشاعرة الأيرانية (فروغ فرخزاد)، وهو ايضاً عبارة عن مختارات لشعرها و دراسة عنها، أما بخصوص الكتب الفلسفية، فلدي كتابين (مع العقل الغربي) و (حول العقل الحديث) يحتويان على محاورات مع بعض الفلاسفة و المفكرين، وكذلك ترجمتُ كتاب (الوجودية) للكاتب جون ماكوري، كما ولدي كتب عن (سارتر) و (نيتشه) و (كيركجارد) و (كازانتزاكي) و غيرهم. و أما بخصوص ترجماتي إلى لغة الضاد فأشير إلي أبرزها وهي (مضيق الفراشات) قصيدة طويلة للشاعر الكردي الشهير شيركو بيكه س حيث طبع في بيروت عام 1997 واعيد طبعه هذا العام في السليمانية، كما وترجمت له قصيدة اخرى بعنوان (سفر الروائح) المطبوع في دمشق عام 2000 و أخيراً كتاب (عارٍ تماماً كالماء) و هو عبارة عن مختارات شعرية للشاعر دلاور قرداغي طبع في سوريا عام 2001.
* هل أن الترجمة مهنة، أم هواية؟
آزاد البرزنجي: الترجمة عندي ليست مهنة و لاهواية، الترجمة عندي فنّ و عشق للجمال و كذلك إنها نوع من الأدمان، الأدمان على حب الأبداع و اللعب مع الكلمات و مغازلة اللغة و التفنّن فيها. فالمترجم المبدع ليس موظّفاً مأموراً و لاهو هاوٍ يمرّ مرور الكرام على النصوص، بل هو عاشق ناضج الوعي و المشاعر و الذائقة... وكما يقول شاعر كلاسيكي كوردي:
لا تصدّق كلَّ من أتى و ادّعى العشق
حتى ترى على صدره جرحا يَشبه لدغة الأفاعي
إذن ليس كل من كان مترجماً هو بالضرورة مبدع و فنان في عمله.
* هل كل ما ترجمت من نصوص سواء شعرية أو قصص أو إلى ذلك، كلها كانت قريبة إلى نفسك؟ أم ربما جاملت صديقا شاعراً أو قاصاً.. ألخ؟
آزاد البرزنجي: يقول الفيلسوف الكبير (فريدريش نيتشة) أن الكتب العظيمة هي الكتب التي تكتب بالدّم، وأن كذلك أقول أن الترجمات الأبداعية هي الترجمات التي يساهم في إنجازها الدّم والنفس و الروح، فيما يتعلق بي لم أترجم نصّاً إبداعياً لم أحبه و لم يمس شغاف قلبي.