إبراهيم سبتي: برحيل فؤاد التكرلي، فقدت السردية العراقية والعربية عمودا مهما من اعمدة القصة والرواية معا.. التكرلي لم يكن قاصا عابرا او رقما في سجل السرد العراقي، كان مجرة تأثير بكامل عناصر صنعة الاستاذ. لبست الرواية ثوبه الواثق ومهارته في صياغة الحدث الروائي الصعب، فصنع ركنا روائيا اكيدا في مساحة الرواية العراقية المتباطئة. في الخمسينيات ظهر التكرلي وعبد الملك نوري مع عشرات الكتاب الذين ظهروا في المرحلة ذاتها، الا انهما تميزا بما جاءا به كلاهما، فالتكرلي كان مشدودا الى انتقاء مواضيعه الواقعية وصياغتها بفن لم يكن معهودا قبلهما.. كان شغل التكرلي قد استند على فضاءات جديدة احدثت حينها لغطا كبيرا داخل المشهد الثقافي العراقي.. فلم يكن سوى قاص يجمع الألم العراقي مغلفا بنقد شديد للوضع السياسي القائم.. كان يقول كل شيء على لسان ابطاله. فجاء البذخ السردي متوائما مع الوجع العراقي ابتداء من الخمسينيات حتى مرحلة الكتابة الأخيرة فهو يقول (النثر الروائي عالم معقّد، واللغة الروائية ينبغي أن يكــــــــــتشفها الروائي بنفسه).. فسجل رقما مهما على صعيد المحنة القصصية والروائية مطروحة بجرأة فكان وقع ذلك لافتا في المشهد القصصي المتاثر اصلا بكتابات كبار الكتاب الغربيين مع ان البعض منهم اشتغل على مساحة مطلقة من الوعي القصصي المحلي دون النظر لما يكتبه اصحاب الاسماء اللامعة من الغربيين الذين ابهروا اغلب كتاب العراق والعرب. مع ان التكرلي كان يردد بان حقبة الخمسينيات كانت حقبة القصة التي تئن من جرح واحد، فقدموا مشروعهم التاريخي في القصة المناهضة للسياسة.. انهم يكتبون كل شيء دون خشية ومواربة من سلطة غاشمة او رقيب متخلف. يكتبون بنفس واحد وان اختلفت رؤاهم معتبرا اياهم الارتكاز الحقيقي للقصاصين الستينيين ولا جدال في ذلك. فشكل ذلك الجيل باسمائه الوائقة، ارضية مبهرة للذين جاءوا لاحقا. و قد خرج التكرلي من الساحة العراقية مبكرا الى المجلات المشهورة في لبنان ونشر قصصه معرفا عن اسمه الذي اشره النقاد هناك مبكرا. وهكذا فعل اقرانه.. نشر التكرلي مجموعة الوجه الآخر عام 1960 مع انه كتبها في منتصف الخمسنيات ليتوقف عن النشر باحثا ومنقبا عن فن القصة والرواية العراقية ومديات التأثر والتأثير بالرواية والقصة العربية التي كان التكرلي جادا في جعل الفن العراقي معروفا ومقروءا عربيا، حتى انجازه لروايته البكر الرجع البعيد 1980 وكانت بحق تحول كبير ومتقن في حياة التكرلي السردية سيما انها شكلت منطلقا مهما لمواصلة طريقه في عالم الرواية فاصدر خاتم الرمل عام 1995 أي بعد خمسة عشر عاما ولحقهما بروايته المسرات والاوجاع عام 1998 وبصقة في وجه الحياة 2001. وكانت روايته اللاسؤال واللاجواب هي المحطة الاخيرة في مسيرة الرواية التكرلية ليتفرغ لمقالاته عن الوضع العراقي والثقافة الراهنة في ظل المحنة العراقية.. لقد أسس التكرلي، ناصية روائية عراقية كانت تعتمد على مرتكز الفن الروائي الصعب الذي يدين عراقيا للتكرلي.