بقلم جون بار

تقديم وترجمة فادي سعد: في عام 2002، أحدثت جريدة النيويورك تايمز في عددها الصادر في شهر نوفمبر مفاجأة كبيرة في الوسط الأدبي والإعلامي الأمريكي بإعلانها عن تبرع السيدة quot;روث ليليquot;، وريثة شركات ليلي الدوائية، بأكثر من مائة مليون دولار لمجلة شعر الأمريكية في وصيّتها الأخيرة. مجلة شعر هي المجلة الشعرية الأمريكية الأشهر على الإطلاق والأكثر عراقة والتزاما برأي الكثير من النقاد، وكان لها الفضل، منذ تأسيسها عام 1912، في اكتشاف العديد من أقطاب الحركة الشعرية الأمريكية الحديثة.
يبدو أن السيدة ليلي، بعد محاولات عديدة لها فاشلة في الدخول إلى عالم الأدب من باب الكتابة، لاحظت، من خلال حبّها للفن وإيمانها به، انحسار اهتمام الجمهور بالأدب بشكل عام، والشعر بشكل خاص، وقررتْ خلق فرصة لقاء نادر لم يحدث سابقا في تاريخ الأدب الشعري بهذا الشكل الهوليودي، لقاء بين إحدى السلطات الثقافية الشعرية الأمريكية العريقة والمال، فارضةً خيارات لم تخطر لأحد، خيارات يملك فيها المال تأثيرًا لم يُجرّب من قبل.
أيّ ارتباك أصاب متلقو هذه الهدية الثمينة التي حوّلت مجلة أدبية فقيرة كغيرها من المجلات الأدبية، يتألف طاقم تحريرها من أربعة محررين يعملون في طابق متواضع في إحدى المكتبات الخاصة في شيكاغو، إلى مؤسسة أدبية ضخمة وغنيّة، تحاصرها أسئلة مشروعة عن مشاريعها المستقبلية وعمّا يمكن أن تفعله لأزمة الشعر التي لا يتوقف الحديث عنها في الوسط الأدبي الأمريكي وغير الأمريكي.
أخذت مجلة شعر وحاضنتها الوليدة مؤسسة شعر الأمريكيتان على عاتقهما مهمة إعادة الشعر إلى دائرة الاهتمام الجماهيري معوّليْن على كل من تراث المجلة والغنى الجديد الذي هبط عليها، مُطلقيْن من أجل ذلك مجموعة من البرامج والخطط كنت قد تكلمتُ عنها في مقالة سابقة.
بعد الصدمة الأولى، بدأت مؤسسة شعر بتنظيم خططها المستقبلية، ولم يخلُ تعيين جون بار رئيسا لها من دلالات مهمة في الخطة التي تبنتها المؤسسة والعهد الذي أخذته على نفسها بتغيير نظرة الجمهور إلى الشعر. فالسيّد بار القادم من سوق نيويورك للأسواق المالية ، بالإضافة لمسيرته الأدبية، تحدّثَ مرارا عن أهمية التواصل مع القارئ/ المستهلك للنص الشعري، ولم يخفِ نظرته الناقدة لما يُكتب من شعر في يومنا هذا، مُلقيًا المسؤولية بشكل شبه كامل على عاتق الشاعر والنص المعاصرَيْن اللذيْن تقولبا في رأيه ضمن أساليب ورؤى لم تستطيع الخروج من أنماط حداثيّة متقادمة. ربّما أراد بار في هذا المقال أن يقول رأيه بشكل أوضح ويوحي بالإجابة لسؤال طرحته المجلة سابقا في أحد أعدادها على بعض الكتّاب: quot;هل تفكّر أثناء كتابتك للقصيدة بقارئك وإنْ كان سيحبّ ماتكتبه؟quot;
مع اختلاف الكثير من خصائص المشهد الشعري العربي عن مثيله الأمريكي، فهو لايختلف كثيرا في أزمته الراهنة مع القارئ العربي. سألتُ مرة أحد أصدقائي الروائيين عن آخر قراءاته الشعرية، فاعترف لي، هو المالك لأدوات ثقافية ونقدية لايملكها القارئ العادي ، أنه بات غير قادر على قراءة النصوص الشعرية العربية المعاصرة، لأنه لايفهم منها شيئا. إذا لم يستطع مثقف مختص، واسع الثقافة والاطّلاع، فهمَ مايُكتب من شعر عربيّ اليوم، فماذا نتوقع من قارئ عادي يبحث في القصيدة، بالإضافة لما يمكن أن تولّدَه لديه من إحالات شعورية وفكرية وثقافية، عن متعة النص التي تغريه بالعودة ثانية للبحث عن قصيدة جديدة للقراءة. ربّما لانحتاج لجمهور كما يقول باوند: quot; الفنان لايعتمد على أي جمهورquot;، معارضًا بذلك ماقاله ويتمان: quot; ليكون هناك شعراء كبار، يجب أن يكون هناك جمهور كبير أيضاquot;، وهو لايتردد في وصف ويتمان، بسبب ذلك، بالرجل المُتعَب.
في تحليله لأسباب انحسار الشعر، يتكلّم بار في نهاية مقاله ( الشعر الأمريكي في القرن الجديد) عن القصيدة الغنائية، وعلى الرغم من الغموض المُرتبط بتعريف هذا المصطلح، يمكننا تصنيف الكثير من الشعر العربي الحديث في خانة القصيدة الغنائية بتعريفها الشامل، بأنواعها الحسيّة والفكرية والصوفية، تلك القصيدة الذاتية في علاقتها مع الخارج، والشخصية في موضوعها ممّا جعلها تخلو من أيّ خصائص سردية أو وصفية وحَكم عليها بالغموض ( المستعصي في كثير من الأحيان). ربّما أفضل من يلّخص النظرة السائدة في ثقافتنا الشعرية العربية المعاصرة برأيي هو أدونيس في كتابه quot;مقدمة للشعر العربيquot; بقوله: quot; إن زهرة أكملت تفتحها تبهج، لكنها لاتغري. الشيء الذي توضّح، أي لم يعد يخفي إلا الوضوح، ولم تعد له طاقة إلا طاقة الوضوح، يفرغ من الشعرquot;. ثم يكمل قائلاً: quot; ولئن كان الوضوح طبيعيًا في الشعر الوصفي أو القصصي أو العاطفي الخالص، لأنه يهدف إلى التعبير عن فكرة محددة أو وضع محدد، فان هذا الهدف لامكان له في الشعر الحقquot;. أيلزمنا البحث عن مفهوم آخر للشعر الحق ؟ مفهوم يشترك القارئ في صياغته؟

جون بار*: الشعر الأمريكي في القرن الجديد

الشعر، في هذه البلاد، مستعد لشيء جديد. نحن على أعتاب قرن جديد، وكان هذا في الماضي إيذانًا بتحولات جديدة في الفن. أطلقَ كل من باوند وإليوت حقبة الحَدَاثة في السنوات الأولى من القرن العشرين على صفحات هذه المجلة(1). وفي بدايات القرن التاسع العشر، في عام 1802 على وجه الدقة، أطلق ووردورث حقبة الشعر الرومانسي مع صدور الطبعة الثانية من quot; قصائد غنائيةquot; ( لايذهب التاريخ القرني أبعد من ذلك، حيث لم تطرأ على الشعر الانكليزي تحولات جديدة في بدايات القرن السابع العشر والثامن العشر. أما الشعر الأمريكي فوَجَد بداياته الحقيقية مع ويتمان وديكنسون اللذيْن أصدرا نتاجهما في منتصف القرن التاسع العشر، ليس في بدايته أو نهايته).
لكن في الحقيقة، ليس الموضوع قضية تقويم. الشعر الأمريكي مستعد لشيء جديد لأنّ شعراءنا باتوا يكتبون بالطريقة نفسها لزمن طويل الآن. وهناك تعبٌ، شيء راكدٌ يسِمُ الشعر المكتوب اليوم. إذا كنا نستطيع القول أن ماميّزَ الحقبة الرومانسية، بعد رسوخها، هو كثرة ماكُتب من شعر رومانسي حينئذ ( مازالنا نقرأ حتى اليوم في مطبوعات الشعر المنظوم كتابات على النمط الرومانسي)، نستطيع أن نقول الشيءَ نفسه عن الشعر الحديث، والذي أمست أساليبه مكرورة منذ زمن طويل. تغلغلتْ الحداثة في دي إن إي ( DNA) برامج الماجستير للفنون الرفيعة ( MFA)(2)، وعلى الرغم من تنوّع مدارس وتجارب الشعر المعاصر، مازال هذا الشعر يُكتب في ظلّ الحداثة. إنها ndash; أي الحداثة- المحرك الذي يقود مايُكتب اليوم، وهو محرّك مُرهَق.
تبزغ الحاجة لشعر جديد ليس رغبة منّا بذلك، بل لأن الطريقة التي يكتب بها الشعراء لم تعدْ تُصوّر واقع الأشياء والتحولات التي أصابتها. أمسى الواقع منفصمًا عن الشكل الفني: لم يعدْ الشكل الفنّي مُعبّرًا عن الواقع المُحيط به. كتبَ شعراء العهد الجورجي نتاجهم بعد قرنٍ من الشكل الكتابي نفسه، بحساسيّة رومانسية استنفدَت نفسها؛ كان شعرهم مُغرمًا بانكلترا ماقبل الحرب: quot; الآن/ تقف ساعة الكنيسة عند الثالثة إلاّ عشر/ أمازال هناك بعض العسل للشاي؟quot;، لم يشعر شعراء العهد الجورجي باقتراب الحرب العالمية الأولى، وكان شعرهم لايعادل فظاعات حرب الخنادق. ( لمعرفة الحسّاسية التي استجاب من خلالها الشعراء الجورجيون، اقرأْ روبرت برووك: quot; إذا كان لابدّ لي من الموت، تذكّرْني في ذلك فقط:/ أنّ هناك ركنًا ما في هذه الأرض الغريبة/ اسمه إلى الأبد انكلترا.quot; هذه قصيدة جميلة، لكنّها بعيدة عن أجواء غاز الخردل). كان علينا انتظار ييتس كي يمنحَ الشعر البريطاني الجرعة الأولى والكبيرة من واقعية القرن العشرين. كان علينا انتظار quot;الأرض الخرابquot; ليُسمَح ببعض الفوضى في الشعر.
الحاجة أكيدة لشيء جديد. الغياب الصارخ للشعر المعاصر من الحوارات العامة في يومنا هذا، بدءًا من صفوف المدارس الثانوية، حتى المكتبات العامة، وانتهاءً بالوسط الإعلامي الجماهيري، هذا الغياب دليل على انعدام التفكير بالشعر لدى الجمهور وانعدام الاهتمام به. في بلادنا هذه، تستطيع أن تعدَّ على أصابع اليد الواحدة المكتبات المعروفة باقتنائها مجموعات شعرية. لقرنٍ خلا، كانت جرائدنا تنشر قصائد على صفحاتها بشكل شائع؛ قبل خمسين سنة، كانت المطبوعات الكبرى تنشر مراجعات نقدية عن المجموعات الشعرية الجديدة بشكل منتظم. أما في يومنا هذا، فلا يمكن للمرء أن يرى قصيدة واحدة منشورة في جريدة، كما أن عدد المجموعات الشعرية التي يتم مراجعتها نقديا في قسم مراجعة الكتب في النيويورك التايمز انخفض إلى بضع مجموعات فقط في السنة. يحتاج الشعر بشكل عاجل إلى الحصول على الاهتمام العام للجمهور.
منذ حوالي عشر سنوات، أدرك quot;دانا جوياquot; هذا الانفصام بين الشعر والحياة العامة، وعبّر عنه في مقاله المهم، quot; هل يهم الشعر؟quot;. هذا السؤال مازال قائمًا، ففي ظل غياب جمهور عام للشعر، مازال الشعراء يكتبون لبعضهم البعض، ( والشاهد على ذلك ازدياد عدد الحلقات الدراسية الخاصة بالكتابة وعدد برامج ماجستير الفنون الرفيعة MFA). ولأن مشتري الكتب من الجمهور العريض لايشترون كتب الشعر، على الأقل ليس بالكميّات التجارية المطلوبة، لايستطيع الشعراء إعانة أنفسهم من الكتابة، ممّا يجعلهم يتوجهون إلى التدريس. لكنّ الحياة الأكاديمية تُبعدهم أكثر فأكثر عن جمهور القراء، حيث يتخرّج كل عام من برامج الماجستير للفنون الرفيعة ألوف الطلاّب الذين نشؤوا على ثقافة ترى في الشعر مهنة عملية، وتعتقد بأن كتابة الشعر له علاقة بالمؤهلاّت التعليمية؛ إن أثر هذه البرامج على صورة الفن هو زيادة غزارة مايُكتب من شعر، ولكنْ في الوقت نفسه تحدّ هذه البرامج من تنوع الكتابة الشعرية. نتجَ لدينا من كل ماسبق شعرٌ خالٍ من القوة وعديم التأثير، كما أنه غير ndash; وأشدّد على هذه الصفة- مُمتعٍ؛ شعْرٌ يعتمد في علوّه وهبوطه على المعونات الأكاديمية التي تُقدّم له.
ليس مفاجئًا وجود مشكلة أخلاقية في الشعر. قرأتُ منذ عدة سنوات في جريدة Sunday Times مراجعة نقدية لثلاثة كتب شعرية، يتكلم الأول عن آلام الشيخوخة، والثاني عن إيرلندا المقصوفة بالقنابل، والثالث عن الأب الميّت للشاعر. هنا، يطرح السؤال نفسه: كيف يمكن لصورةِ فنٍّ بأكمله أن تتشكّل من أمزجة سوداويّة؟ طبعاً، لاننكر دور المأساة في الكتابة الشعرية؛ في الحقيقة، من إحدى وظائف الكتابة الشعرية هي العزف على أوتار القبح الذي تقدمه لنا الحياة. وكما قال ييتس: quot; تصفّقُ الروح بيديها وتغني، تغني عاليا/ لكلّ مِزْقة في ثوبها الفانيquot;. ولكن لايجب على الفن أن يعبّر عن القصور فقط، وليس ضروريا أن ينبثق الشعر من الضعف فقط.
بقدر مايحدث ذلك، بقدر ما يقع الشعر في الرتابة وأحادية الجوّ الشعري. أدركَ ييتس ذلك عندما كتب: quot; سبعون عامًا ماعشته،/ سبعون عامًا بين الرجولة والشباب،/ ولمّا أرقصْ مرةً من الفرحquot;. لايأتي عجز الشعر اليوم من قصور في البراعة الشعرية، (تتولى برامج الماجستير العناية بهذا الأمر)،ولكن من مرضٍ في الروح. مازلنا ننتظر من الشعر الأمريكي أن يأتي ب quot; مارك توينquot; خاص به.
أدّى كلٌّ من الإهمال الذي قوبل به الشعر من الجمهور، والثقافة التي ترى في الشعر مهنة كغيرها من المهن، إلى تأثير مُضاعف تمثّلَ في ركود فكري وروحي في الشكل الفني. ومع أن الشعراء يفتخرون باستقلاليتهم، متى كانت آخر مرة قرأتَ فيها قصيدة تحمل رؤية سياسية تفاجئك أو تتحدّى أفكاركَ؟ لقد حلَّ الموقف مكان الفكر.

2-
كنتُ أتمنى لو كان بإمكاني تقديم وصف دقيق للصورة التي أتخيلّها للشعر في المستقبل. لكن التنبؤ بالطريق الذي سيسلكه الشعر مستقبلاً هو كالتنبؤ بسلوك البورصة ( كَوْن وول ستريت مهنتي الأخرى). كلاهما عصيّان على الكشف، والشعر بدرجة خاصة كوْنه يأتينا من الأماكن الأكثر سريّة في الروح الإنسانية. (فالشعر ndash; الحمد لله- هو الحيوان الذي يستطيع الهرب دائما). ولكن هناك طريقة أخرى لمقاربة الموضوع: كأنْ نصِفَ كيف يمكن لشعرٍ جديد أن يختلف عمّا لدينا اليوم. يمكن أن تعطينا هذه المقاربة صورة دقيقة عن الفيل، وفي نهايتها، سنستطيع أن نصِف الفيل بما يحمله من اختلاف عن الحيوانات الأخرى الموجودة حاليًا في سفينة نوح.
للبحث عن شعر المرحلة القادمة، عليك بالبحث في الأماكن غير المُتوقَّعة. فالحداثة وُلِدت وسْط مرحلة هيجانٍ كتابي اعتمدت بشكل كبير على مفاهيم تقنية: الحركة الصُوَرية والدُوّامية لدى باوند، الكتابة الآلية لدى جرترود شتاين، الشعر الحر والإلصاقي لدى إليوت، الشعر المقطعي لدى ماريان مور. من الطبيعي إذًا أن نتوقع بزوغ الشعر الجديد من محاولات تجريبـيّة أخرى في الشعر. ولكن هذا جُرِّبَ أيضًا، والإبداعات التجريبية التي لحقت تلك المتعلقة بالحداثة ( القصيدة الإسقاطية، شعر اللغة، الشعر العينيّ) لم تستمر كشكل فني جديد. ( باعتقادي، كل شعر لايعكس انفعالات الروح الإنسانية سينتهي بلامحالة إلى طريق مسدود)، والابتكارات التقنية لمجرد ذاتها هي كالذيل الذي يحاول هزّ الكلب، فالشعر التقليدي مقابل الشعر الحر، هذا الجدال الذي كان منذ حوالي القرن شبه محرّم، أمسى اليوم قضية اختيار شخصي لما يناسب الشاعر أكثر، و الكثير من الشعراء يختار الكتابة بالأسلوبين معا، حسب الحاجة التي تفرضها القصيدة. أنا مؤمن بأن العصر الشعري القادم لن يولد من ابتكارات جديدة في الشكل، بل من تطوّر في الحسّاسية المُعتمِدة على التجربة المُعاشة.
ليس هناك من سبب واحد يمكن ردّه لجوّ عدم الارتياج المُحيط بالشعر السائد اليوم، وسيلزم أكثر من تغيير واحد محدّد ليستعيد الشعر حيويته. اسمحوا لي في هذا المجال بالاستفاضة في الحديث عن قضيتيْن اثنتيْن لايتم الخوض فيهما إلاّ نادرًا.

الشعر كمهنة
تجربتي الشخصية مع برامج الماجستير للفنون الرفيعة MFA ndash; كوْني علّمتُ في إحداها- أنها تستطيع أن تجعل من كاتبٍ ما كاتبًا أفضل. ماأعنيه بـ quot;أفضلquot; في هذه الحالة هو أكثر معرفة وفهمًا بأصول الفن المعاصر وتفرّعاته، أكثر إنجازًا في حرفة الكتابة، أكثر وعيًا بأجواء النقد المعاصر المُحيطة بالفن والمُحرِّكة له إلى درجة ما. هذه هي الأخبار الجيّدة: أنك تتخرج مع فهمٍ أفضل للتنوع الثقافي لدى الجمهور ولدى الكتّاب الآخرين. ولكن في الوقت نفسه، تفرض هذه البرامج ضغوطًا مخيفة يصعبُ مقاومتها، مشابهة لأجواء التنافس الموجودة في الأوساط المهنية؛ وهي تعمل بالاعتماد على شبكة من المناصب الأكاديمية وجوائز تعمل على تكريس الوضع الراهن. بالإضافة لكوْن هذه البرامج مدعومة بنظام من المنح الأكاديمية والهِبات ومعونات أخرى تحرّر متلقّيها من مسؤولية إصدار كتبٍ قد يتمتع بها الجمهور غير الاختصاصي ناهيك عن شرائها.
هناك خلط في تجربة برامج الماجستير بين كتابة الشعر كضرورة مهنية وكتابته نتيجة حاجة ودافع داخلييْن، فالخلق الفني ليس قضية منحة أكاديمية، وكتابة قصيدة هي عمليّة مستقلة إلى أقصى الحدود، وأبعد ماتكون عن إرشادات المعلّمين ووصاية المرجعيات.
الدافع الوحيد الذي يمكن اعتباره شرعيًا لكتابة قصيدة هو الرغبةُ في مشاركة الآخر، مشاركته مشاعر الدهشة أو الغضب أو الوجْد، لا الرغبةُ في إثارة الإعجاب. الدهشة بالذات ضرورية، فالإحساس بالدهشة لدى الشاعر شرط ضروري ليستطيع استخدام الانزياحات اللغوية في توليد ردود فعل جديدة. هل سيكون وولت ويتمان الجديد من عداد متخرجي برامج الماجستير؟ يصعب عليّ تخيّل ذلك.

عش برحابة، واكتبْ بجسارة
منذ عدة سنوات، في أحد التجمعات الفنية، استدار نحوي على طاولة العشاء أحد المشاركين وسألني: quot; أين تدرِّس إذًا ؟quot;. كان السؤال منطقيًا بما أنّ معظم الفنانين الحاضرين آنذاك من الذين يمارسون مهنة التدريس للحصول على الرزق، مع كونهم يكرّسون حياتهم للفن. لاتسِئ فهمي الآن، فمن الممكن للحياة الأكاديمية أن تمنح المرء قاعدة ممتازة من الخبرة يمكن الانطلاق منها إلى الكتابة، والدليل على ذلك الكميّة الوافرة من الشعر الرفيع المكتوب بأقلام أكاديمية. لكن التأثير الذي تمارسه طريقة حياتنا على مايمكن أن نكتب ndash; تأثير يبدو لي في كثير من الأحيان غير معترف به كما يجب في وقتنا هذا- يوحي إلينا أنّه في حال اتجه كل كاتب إلى التدريس ليدعم حاجته إلى الكتابة فسيؤدي هذا بالتأكيد إلى شحّ مخزون الخبرة الحياتية الذي ينهل منه الشعر عادة. في الحقيقة، ومع استثناءات قليلة، لم يفرز العالم الأكاديمي أيّ شاعر أمريكي كبير، فقد عمل والاس ستيفنز كنائب مدير لشركة هارتفورد (Hartford) لتأمين الحوادث، كما عمل إليوت لفترة في بنك للويدس (Llyods)، وبعد ذلك في مجال النشر في فيبر وفيبر (Faber and Faber)، أما ويليام كارلوس وليامس فكان طبيب أطفال في ولاية نيوجرسي، وهؤلاء جميعا، وبدرجات متفاوتة، كان لهم علاقات عمل مع مجموعات النقاد في الوسط الأكاديمي، ولكن لم يكتب أي واحد منهم اعتمادا على خبرة حياتية مُكتسبة في هذا الوسط، فالشعر مثله مثل كتاب صلاة مفتوح في الهواء الطلق، يجب أن يكون مفتوحًا على كل الصفحات في وقت واحد.
في عام 1933، غادر إرنست همنغواي مسكنه في أولى رحلاته السفارية باحثًا عن صيد كبير في أفريقيا الشرقية. كتب بعد عودته قصصا قصيرة ( quot;الحياة القصيرة السعيدة لفرانسيس ماكومبرquot;، quot; ثلوج كيليمانجاروquot;)، والكتاب غير الروائي quot; تلال أفريقيا الخضراءquot;، ورواية غير مكتملة quot; حقيقي من الضوء الأولquot;. من الشائع لدى الكتاب المبدعين الكتابة عمّا يعرفونه، لكن همنغواي أخذ هذا الموضوع أبعد من ذلك عندما رحلَ باحثا بنفسه عن تجارب جديدة تخدم كتابته: قيادة سيارات إسعاف خلال الحرب الأهلية الإسبانية، اصطياد سمك المارلين على شواطئ كوبا، الركض مع الثيران في بامبلونا؛ لقد أراد أن يعيش بطريقة أكثر غزارة ليكتب بشكل أفضل، لايعني هذا بالضرورة أن يُطارَدَ الفرد من قبل الثيران في بامبلونا ليستطيع اكتساب الخبرة المطلوبة، بل يمكن أن تكون التجربة بسيطة كبساطة الفرق بين قصيدة مكتوبة من قبل شاعر مرّ سريعا على موقع بناء وتلك المكتوبة من قبل شاعر كان يصبّ الاسمنت بنفسه. قد يكتب أيّ الشاعريْن القصيدة الأفضل، لكن قصيدة الشاعر الثاني ستكون حُكْما مستندة على تجربة أعمق. فكما يقول ديريك والكوت quot;لتغير لغتك، عليك أن تغير حياتكquot;.
لكن متى كانت آخر مرة التقيت فيها بشاعر معاصر يعتمد هذا الأسلوب، مُحاولا الانغماس في تجارب جديدة أو البحث عن معارف جديدة من أجل إغناء شِعره أو شِعرها ؟ لاأعرف شخصيًّا الكثير من الشعراء الراغبين بعبور طريق، ناهيك عمّا فعله همنغواي، على أمل الحصول على إلهام شعري. بالأحرى، أمسى من العادة الآن على الشعراء، وبشكل غير واع، انتظار القصيدة حتى تأتي هي إليهم، ( حسب قول شاعر صديق، quot; أنت لاتختار القصيدة، بل القصيدة تختاركquot;). فمعظم الشعراء المعاصرين يُساوي بين وظيفة الكاتب ووظيفة الشاهد ( تقول ماري أوليفر: quot; لاأعرف بالضبط ماهي الصلاة./ لكني أعرف كيف أسبغ الانتباهquot;، أو كما يقول وليام ماثيو: quot; أنا مزمع على الانتباه لكلّ شيءquot;)؛ يرون في الفنان شخصا يُمَثَّل فيه الفعل لا شخصًا فاعلاً، ومن نافل القول إن الشعر العظيم لايمكن له أن يَنْتج من مخزون هزيل من التجارب الحياتية. ( فكّرْ بإميلي ديكنسون، بكل هذه السنوات من الكتابة في منزل هادئ، تحت قبضة تركيز دائم). ماأريد قوله إن شعراء اليوم لايدركون حقيقة تأثُّر كتابتهم بطريقة حياتهم. يقول أودن:
يمكن لله أن يصغّرك
في يوم القيامة
إلى دموعٍ من خجل،
مُنشدًا عن ظهر قلب
القصائد التي كان يمكن
أن تَكتبَ، لو
كانت حياتك خصبة.
لو اهتم الشعراء بطريقة حياتهم بالقدر نفسه الذي يهتمون به بمحتوى كتابتهم، لأمكن أن يشكّل هذا نقطة بداية جديدة للشعر. فكما المحترف في صنع شاي الزِن، الذي يقوم قبل حفلة صنع الشاي بوقت طويل، بتحضير الحديقة لضيوفه، بكنس الطريق، بتنظيف وترتيب غرفة الضيف، على الشاعر أيضا إعطاء اهتمامه الأكبر للحياة التي يعيشها. في الحقيقة، إن لم يقمْ بذلك فعلى أيّ شرعية سيستند في ادعائه بأنه أحد مُشرّعي العالم غير المُقدَّرين حق قدرهم، أو كيف يمكن للشعر عندئذ أن يدّعي بأنه فعل أخلاقي ؟ كيف يمكن للشعراء أن يتحملّوا حينئذ مسؤولية التأثير الذي تحدثه كتابتهم على حياة قرّائهم؟ يجب عليهم أن يعيشوا برحابة ويكتبوا بعدئذ بجسارة.

3-
كان الشعر خلال مسيرته الطويلة كل شيء لكل الناس. بالنسبة إلى المحاربين، حكتْ كل من قصيدة بيوولفBeowulf والساغا الإيسلندية قصص أبطالهم؛ موضوعة هوميروس في ملحمتيْه التوأمتين تتحدّث عن عالمٍ قديمٍ حيث آلهة تزور الرجال وتطلّ عليهم من أفق عالٍ؛ لوكريتيوس، وضع علمه وفلسفته في كتب ذات قصائد سداسية التفعيل؛ فيرجيل، استخدم الملحمة ليمنح روما(ه) ماضيا أسطوريا ورعاية مقدّسة؛ شوسر، وصفَ النبيل والوضيع في المجتمع الانكليزي في مقاطع شعرية خماسية التفاعيل، وهو يُعتَبر بموهبته السردية وحبّه للطبيعة الإنسانية كاتبنا الأول للقصص القصيرة. أمّا الكتّاب الدراميون للقصيدة الإليزابيثية فقد خلقوا صناعة ترفيهية تعتمد على السطر الإيامبي الخماسي التفعيل. في كل التجليات السابقة - الملحمة، المرثاة، التأمل، التفاني الديني، الهجاء، القصيدة الشعبية، القصيدة الدرامية- كان الشعر شيئا مختلفا عن القصيدة الغنائية، ومع ذلك تسيطر القصيدة الغنائية على المشهد الشعري المعاصر. الوظيفة الوحيدة لهذه القصيدة، مع الانتشار والتأثير الكبيريْن اللذيْن التصقا بها، هو شخصنة الموضوع المُتناوَل.
إذا أردنا أن نكون أكثر إنصافًا في وصفنا، الغاية من القصيدة الغنائية هي اكتشاف ماهو إنساني، فالقصائد الغنائية ترنو إلى العالم من خلال ذاتها؛ يمكن لقصيدة غنائية عظيمة أن تمنحنا في خاتمتها جرعة من المعرفة الذاتية. كان فروست يتكلم عن الشعر الغنائي عندما طرَح ادّعاءه الشهير ndash; الذي لم يأخذ حقّه كاملاً- عن القصيدة بقوله: quot; القصيدة توضيح للحياة ، ليس بالضرورة توضيحا كبيرا كالذي نشأت عليه الأديان والمذاهب، لكنها لحظةُ توقّفٍ في وجه الارتباكquot;. فالشعراء الغنائيون يسعون دائما إلى معرفة ذواتهم من خلال ذواتهم، بينما يحتاج شعراء الملحمة، في الطرف المقابل، إلى معرفة العالم المحيط بهم وكيفية عمله، لهذا السبب تقدم القصيدة الملحمية نظاما للعالم، وتفعل ذلك بحسّ أخلاقي مُلحّ.
ماأقصده هنا إن انتشار الشعر الغنائي في يومنا هذا على حساب الأصناف الشعرية الأخرى، دليل آخر على فقر الشكل الفني. فالقيود الموجودة في شعرِ مرحلةٍ ما لاتأتي عادة من الأفكار التي أدركها الشعراء ولكنهم لم يستطيعوا تحقيقها ( هذا اسمه قصور في البراعة )، ولكنْ بالأحرى من الأفكار التي ماخطر على بالهم إدراجها في فنّهم أو ظنوا أنها بلاقيمة. ليس الأمر مقتصرا على الشعراء، بل هذا مايميّز عصرا ما عن الذي يليه، ففي أعين اللاحقين، تتحدّد حقبة شعرية بما لم يكن موجودًا فيها. يقول كافكا الأوروبيّ: quot;لاتستطيع معرفة عصر ما حتى يمضي نصف قرنٍ من الزمن عليه، عندما لايعود له وجود وتستطيع أن تحدّد مالم يكن عليه، ماتبدّى للعيان منه وما حلّ محلهquot;. إذا نُظر للحقبة الحالية من قبل قراء المستقبل كحقبة كان الشعر فيها قيّمًا لكنّه غير مثير للاهتمام، فلن يكون ذلك بالتأكيد بسبب قصور في البراعة.
عند هذه النقطة، من الطبيعي التساؤل حول مسؤولية الجمهور في معضلة الشعر المعاصر. يجيب أحد الأصدقاء: quot;إن ثقافتنا الحالية تتآمر علينا لتحرمنا من خصوصيتنا ومن الوقت الهادئ اللازم لقراءة قصيدةquot;، لكني لاأتفق مع هذا الرأي، فالعقل البشري مثل السوق التجارية، خاصة عندما يتوقف الأمر على اختيار مانرغب من ترفيه. إذا أخذنا مثلاً متردّدي المسرح في العهد الإليزابيثي، فقد كانوا يملكون الخيار بين حضور إحدى مسرحيات شكسبير وحضور حفلة لاصطياد الدببة. إحدى الدراسات التي كفلتْها مؤسسة شعر وأجراها مركز البحوث للرأي العام توصلّت إلى أن غالبية كبيرة من القرّاء في هذه البلاد تملك رأيا حسَنا عن الشعر وستقرؤه في حال توافره.
أعتقد شخصيا أن مسؤولية الجمهور تجاه الشعر معدومة. ليس مطلوبًا من أحد قراءة الشعر من باب الواجب، فهذا كمن يدّعي الاستمتاع بموسيقى راقية، لكنه في الحقيقة سينام عند سماعها لو شعر أنه وحيد وغير مراقب. هل ذهبتَ مرة لحضور فيلم في السينما بدافع الواجب؟ بالأحرى، أرى أن المسؤولية كلّها تقع على عاتق الشعر تجاه جمهوره. ( فالشعر لايتسامح مع أي شيء، وبالأخص مع حياة الشعراء). وكما يقول صموئيل جونسون، مُردّدًا أقوال الأقدمين، إن غاية الفن هي التثقيف من خلال الإمتاع، فمازال أجمل مالدينا من أفلام و روايات وأغان شعبية حيًّا حتى وقتنا الحاضر بسبب ماتملكه هذه الفنون الترفيهية من قيمة فنية؛ إنها تجذبنا لقدرتها على سبر حيواتنا، تُثقّفنا وفي الوقت نفسه تقوم بإمتاعنا. والشعر، في الطرف المقابل، يتحتم عليه، بالإضافة إلى مايملكه من عمق، أن يحتوي على حدّ أدنى من قدرة الإمتاع إذا كان مُقدَرّا له استرجاع مكانته في الثقافة الأمريكية.
يجب على الشعر أن يجد جمهوره ثانية، ويتوجه بالحديث إليه. يستطيع الشعراء المساعدة في تحقيق ذلك الهدف بإدراكهم لعمق التأثير الذي تُحدثه طريقة حياتهم على كتابتهم، ومحتوى كتابتهم على حياة قرائهم. ربما عليهم إعادة التفكير بالمعارضات التقليدية أكان ذلك داخل الوسط الشعري نفسه ( كتلك بين الشعر المنظوم والحر) أم تلك الكائنة بين الشعر وبقيّة العالم، أن يعيدوا التفكير ببعض الآراء الموروثة مثل: quot;الفن لأجل الفنquot; وquot; الفن هو العلاجquot; و quot; الشعر الغنائي هو النوع الشعري الوحيدquot;؛ يستطيع هؤلاء الشعراء، كأوائل الرسامين الانطباعيين، وبتقبلّهم لنظرات الرفض التي قد يوجهها إليهم المتمسكون بالوضع السائد ، استرجاع القاعدة التي استند عليها الشعر طويلاً
مؤسسة شعر، بدورها، ملتزمة باستعمال هدية quot;روث ليلي (3)quot; التاريخية لتمنح الشعر حضورًا أقوى في ثقافـتنا الحالية. تسعى المؤسسة، من خلال برامجها المتعددة، إلى اكتشاف الشعر الأفضل وتقديمه لأكبر شريحة ممكنة من الجمهور. لايعني هذا أن نُغرِق الجمهور بكل مايُكتب من شعر، فميراث مجلة quot;شعرquot; يُرغمنا، في جميع نشاطاتنا، على البحث دائما عن الأفضل والاحتفال به، وليس المقصود أيضا اعتبار عدد القرّاء المعيار الوحيد لأحقيّة النص، فالشعر يزداد أهميّة بقدر اعتناقه للتجربة الإنسانية بكافة تعقيداتها. في الحقيقة، يُعتبر البعض القليل من القراء، بالنسبة لبعض الأساليب الشعرية، أقصى مايمكن الحصول عليه من جمهور. فكل قصيدة تحمل جمهورها معها، وهدفنا هو وضع أيّ قصيدة أمام أوسع شريحة من جمهورها الممكن.
لاأحد يعلم إذا كان أمام الشعر عصر ذهبيّ بانتظاره في أي وقت قريب، ولكن من الصعب حتما تخيّل عصر كهذا من دون جمهور. لو تأمّلتَ الدراما في أيام شكسبير، أو الراوية في القرن الأخير، أو الفيلم في يومنا هذا، لاستنتجتَ أن فنًّا ما يدخل عصره الذهبي عندما يستطيع التوجّه إلى جمهور زمانه ويملك القدرة على التفاعل معه. في عصر ذهبي للشعر، لايمكن للجمهور أن يكون متواجدًا فقط في صفوف مدرسيّة أو في حلقات دراسية حيث يستطيع الشعراء الكتابة لشعراء آخرين -كلا المكانين وفرّا ملجأ للشعر خلال النصف الأخير من هذا القرن- بل لابدّ أن يكون له جمهور بين القرّاء غير المغرمين بالشعر والذين يمكن لهم أن يكتشفوا عمق بنائه. قال ويتمان: quot;ليكون هناك شعراء كبار، يجب أن يكون هناك جمهور كبير أيضاquot;، ثم بدأ بعد ذلك بالكتابة لهم.
يأتي الفن الرائد عندما يغيّر الفنانون أحكامهم المُسبقة عن علاقتهم مع جمهورهم، عندما يُحاورون قرّاءهم بطريقة جديدة ويفترضون مُسبقًا أنهم سيُفهَمون من قبلهم. عندما كتب ميلفيل: quot; نادِني (اسماعيل)quot; وعندما كتبَ ويتمان:quot; أحتفل بنفسي وأغني نفسي،/ وماأعتنق يجب أن تعتنقهquot; وعندما كتب بودلير: quot; القارئ المنافقquot;، وفروست، عندما قال في القصيدة الأولى من كتابة الأول: quot; أنت أيضًا، تعالquot;، كل واحد منهم بدا وكأنه وضع في ذهنه افتراضاتٍ مُسبقة عن جمهوره أدّت إلى تحوّلات أدبية مهمة، ممّا جعل خطابهم المباشر أكثر مباشرة. استمر هذا الخطاب، ونجح، وتمّ تغيير وجه الأدب.

*جون بار هو رئيس مؤسسة الشعر quot; Poetry Foundationquot; الأمريكية التي نشأت على أنقاض جمعية الشعر الحديث quot; Modern Poetry Associationquot; بعد تلقيها لهبة مالية ضخمة من الوريثة الوحيدة لشركات ليلي العملاقة السيدة quot; روث ليليquot;. واصل السيّد بار ممارسة مسيرتين مهنيتين، الأولى كشاعر، والثانية كمستثمر مصرفي. خلال مسيرته في عالم الأعمال، ترأس عدّة شركات مالية وعمل في بورصة نيويورك للأوراق المالية. أما مسيرته الأدبية، فتخلّلتها إصدار ست مجموعات شعرية حتى الآن، بالإضافة لتدريس الشعر في برامج الماجستير للفنون الرفيعة.

هوامش المترجم:
1-مجلة شعر الأمريكية: تأسست هذه المجلة عام 1912 على يد الشاعرة والناقدة الأمريكية اللامعةquot; هارييت مونرو Harriet Monroequot; تحت شعار quot;الباب المفتوح Open Doorquot;، وأخذت على عاتقها في بيانها التأسيسي quot;نشر أفضل شعر مكتوب، مهما كان نوع أو أسلوب أو طريقة كتابة هذا الشعرquot;. ونتيجة لهذه السياسة المُنفتحة كان لهذه المجلة الفضل في اكتشاف العديد من أقطاب الحركة الشعرية الأمريكية، أسماء شكّلت وبلورت مايمكن أن يُسمّى الآن بالإرث الشعري الأمريكي.
2-Master of Fine Arts: شهادة ماجستير في أحد الفنون التطبيقية كالكتابة الإبداعية، الفنون المسرحية، الفنون البصرية وغيرها.
3-روث ليلي quot; Ruth Lillyquot; الوريثة الوحيدة المُتبقية من سلالة quot;إلي ليلي Eli Lillyquot;، مؤسس الشركة الدوائية العملاقة quot;ليلي Lillyquot;. بدأت علاقتها مع مجلة شعر الأمريكية في السبعينات عندما حاولت نشر بعض القصائد فيها، وقوبلت عندها بالرفض. بسبب اهتمامها بالواقع الثقافي الأمريكي، قررت عام 2002 بالتبرع للمجلة في وصيّتها الأخيرة بأكثر من مائة مليون دولار، مُحدثة صدمة في الوسط الأدبي حينها تمّ على أثرها ولادة مؤسسة الشعر.

مقال مترجم عن مجلة شعر الأمريكية الصادرة عن مؤسسة الشعر في الولايات المتحدة.

نقلا عن quot;الغاوونquot;

www.alghaoon.com

لمراسلة إدارة quot;الغاوونquot;
[email protected]