الروسية هدية لم تفقد بريقها في صندوق رأسي
حوار:عدنان أبو زيد
عبد الرحمن الماجدي المؤمن بالغياب ، وبأن عشق الظهور يبعد الشاعر عن الشعر ويشغله باسمه وشكله ، يطل علينا في مجموعتين شعريتين جديدتين صدرتا الشهر الماضي تحت عنوانين { أختام هجرية } و { المعنى في الحاشية }ليشكل حضورا شعريا جديدا منذ اطلالته الاولى في
مطلع الثمانينيات من القرن الماضي.. عززه بمجموعة (ممالك لغد حيران) وهي اول مجموعة له عام 2002.. يقول الماجدي انا اكتب لنفسي اكثر من اي احد اخر.. وان نشرت يوما، بالرغم من تعدد منافذ النشر المتاحة لدي، فلاشراك قاريء مجهول بذات المتعة التي اجدها بما اكتبه.. ويصل بالماجدي الاخلاص للشعر الى حد خروج سياق الحياة اليومية وانفراطه بسبب ذلك القلق الشعري وفي هذا يقول.. نعقدت علاقتي بالحياة فوفائي للشعر كان سببا في عدم اتزان صحتي بشكل نموذجي
اذ باتت ساعات الراحة بما فيها النوم قليلة جدا.. الزمان في هذا الحوار تسبر اغوار تجربة شعرية بدات في الوطن وانتهى بها المطاف الى هجرة ومنفى مفتوح الاحتمالات..
امنت بالغياب حين وجدت عشق الظهور يبعد الشاعر عن الشعر ويشغله باسمه وشكله بعيدا عن الشعر.. قد يكون تناسبا عكسيا بين الاستقتال علي الظهور هنا وهناك وبين الابداع..
الامر ليس سهلا طبعا فالنفس التواقة للظهور ونرجسية الشاعر من الصعب كبح جماحها.. انما الامر يتطلب تمرين للنفس.. قرات يوما ان الفيلسوف البسطامي تعمد الايحاء للاخرين بأنه فاسق لالشيء الا ليبعد المريدين والمحتفلين به عنه ليمسك بلجام نفسه ويسيّرها لاتسيّره.
اختلال النظر لدي القاريء العربي للشعر وتراجعه اري اليه محفزا ليراجع محبو الظهور انفسهم فمعظم قراء الشعر اليوم هم الشعراء وحدهم او اصدقاؤهم معهم مجاملة ً ومن النادر ان تجد قارئا مجهولا للشعر وهو الذي اعول عليه حين انشر.. انا اكتب لنفسي اكثر من أي أحد اخر.. وان نشرت يوما، بالرغم من تعدد منافذ النشر المتاحة لدي، فلاشراك قاريء مجهول بذات المتعة التي اجدها بما اكتبه. وربما كانت قصيدة quot;عزلتي أستدل بها عليquot; التي حواها ديواني الاول نموذجا علي شغفي شخصيا بالعزلة التي من مزاياها انها توفر فرصة مثلي للابداع.
وقد تركت الظهور والاضواء لمدبجي المقالات من الشعراء باسماء وهمية مادحين انفسهم او حين ينشرون بيانات تهديد لانفسهم باسماء وهمية ايضا لهم.. او حين يشتمون جريدة او موقعا الكترونيا او تلفزيون في العلن ليمتدحوها في بيانات باسماء سرية لتكرمهم او تستضيفهم.
امام هذا الكم من الزيف اتشرف بالانزواء بعيدا عن الاضواء. وتركتها للميتين فيها.
الاجابة علي هذا السؤال مرتبطة باجابة الذي قبله.. فعزوفي عن النشر ليس عزوفا عن الشعر.. اما الصحافة مهنتي التي احترفتها واتقاضي عليها اجرا.. وهي ليست كالشعر الذي لن يكون مهنة ابدا.. وربما كنت محظوظا في هذا الجانب فلم اكن مثل شعراء اخرين ابتلتهم المقادير بالعمل في ظروف ومهن ابعد ماتكون عن الشعر او الكتابة.. لست كسواي من بعض الشعراء العاملين في الصحافة الذين اتي الشعر بهم لها.. بل كان دخولي للصحافة قبل نحو 16 عاما اضطراريا ولم اتنقل من الكتابة في الثقافة للسياسة بل كان العمل في تحرير الخبر السياسي والتحقيقات الصحافية هو البداية وان اتي العمل في التحرير الثقافي لاحقا حين يعرف من معي باني شاعر. اذ كنت ومازلت لااتعكز علي الشعر للمرور نحو الصحافة اذ الشعر ليس عكازة وان استخدمه احد كعكازة فهي عكازة هشة او ان المكان الذي يقبلها مكان هش. لقد تركت للصدفة اكتشاف زميلاتي وزملائي في العمل الصحافي اني شاعر.. لكن لايمكن اغفال ان العمل الصحافي اخذ من وقت الشعر الذي كنت امنحه جل وقتي قبل العمل.. اما اليوم وقد تعقدت علاقتي بالحياة فوفائي للشعر كان سببا في عدم اتزان صحتي بشكل نموذجي. اذ باتت ساعات الراحة بما فيها النوم قليلة جدا.. لكن الحظ الجميل يلازمني كثيرا.. فقد استعدت منذ اكثر من عام وقتا اكثر للشعر حين توسع عملي الصحافي ادرايا وبت غير مطالب بشكل يومي بالكتابة الصحافية.. اضافة الي مكان العمل الذي يمنحني حرية المحظوظين مقارنة بالعمل في دولة اوربية مثل هولندا التي جربت العمل لفترة من الزمن فيها في اذاعة هولندا الدولية كانت اشبه بالاستعباد من حيث الوقت الضائع في الذهاب فجرا والاياب مساء مترنحا تحت وطأة العمل الذي لااعرف التلاعب فيه كما غيري. واذكر هنا تعليق صديق شاعر حول العمل في هولندا بانه قتل للابداع وان العطالة ام الابداع.. طبعا لو طبق الناس هذا الكلام لتعطلت الحياة. لكن ليس كل الناس شعراء او امناء للشعر. وقد تعود القوم هاهنا العبودية للعمل والنظام.
دراستي للادب الروسي في جامعة بغداد كانت صدفة جاءت بها تقنية التقدم للدراسة الجامعية التي كانت تخضع للفرز التقني في الثمانيات من القرن الماضي. وكنت ارجو ان تكون دراسة القانون من نصيبي اذ حققت وقتئذ معدلا جيدا كان يؤهلني لدخول كلية القانون والسياسة او الاداب باعتبار ان دراستي الاعدادية كانت ادبية.. لكن علمت لاحقا ان بامكاني دراسة القانون لكن في جامعة الموصل فتقدم اختيار كلية الاداب الذي كتبته بدون مراجعة دقيقة لكوني كنت واثقا باني ساكون في القانون.. لكن دراسة اللغة الروسية وادابها كانت صدفة حنونة لمعرفة اللغة الروسية والانشداد لشاعر اسمه الكسندر سيرغيفتش بوشكين الذي كنت اترجمه نصوصا شعرا موزونا بالعربية ضمن الدرس المقرر اثناء الدراسة فاكتسبت وقتها لقب بوشكين من قبل زملاء الدراسة. وادين للغة الروسية بتعرفي للبروفسورة حياة شرارة التي كانت تدرسنا الترجمة والشعر وكانت المشرفة علي بحث السنة الاخيرة حيث اطلعت علي جوانب من شخصيتها غير الصارمة التي كانت ترينها في الصف الدراسي.. حد انها كانت تنتقد السلطة امامي بدون خوف او وجل الامر الذي شجعني وشجع زميل معي هو محمد عبد علي للحديث امامها عن ظروف التعسف الامني الذي كانت تمر به البلاد.. واتسعت علاقتي بحياة شرارة الي تبادل الكتب بيننا والتواجد في مناسبات ثقافية بمشورة منها حيث كانت تصلها دعوات رسمية.. ثم تزاملنا في جمعية المترجمين العراقين. وقتها كان مجال النشر محدودا ولم يوجد مركز ثقافي روسي في العراق بل اننا كنا ندرس الادب الروسي في وقت ان روسيا تحولت لدولة كبري جدا اسمها الاتحاد السوفياتي كانت التسمية تكفي كشبهة علي توجهك السياسي في العراق.. لكن نشرت ترجمات جميلة في دار ثقافة الاطفال من كتب عدت بها من موسكو عام 1987 حين سافرنا كطلبة متفوقين في السنة الدراسية الثالثة ضمن بروتوكول بين جامعة بغداد ومعهد بوشكين في موسكو. اليوم تبدو اللغة الروسية في صندوق رأسي مثل هدية قديمة استذكر حين اتفقدها سنوات دراستي وبوشكين وحياة شرارة وكلية الاداب واللغات واصدقاء يلوحون مثل بحارة جميلين.
لم تكن قصيدتي الاولي عمودية بل انها كانت حرة ضمن نظام التفعيلة مطلع الثمانينات مع اختلال في الوزن في بعض اسطرها.. وهنا يمكن العودة لاجابة سابقة في هذا اللقاء اذ اجبرت نفسي علي تعلم الوزن والقافية والكتابة بهما لكن مع مرور الزمن وجدتني حنبليا في العروض.. كنت اكتب الدواوين الشعرية واخزنها عمودية او حرة.. وكانت مثار اعجاب اصدقاء مجاملين.. اذ وجدتها بعد ذلك عبارة عن كلمات مرصوفة مع بعض ضمن سياق عروضي.. ولما ازل اذكر حفلة الحرق التي قادها صديق اسمه وليد خادم في باحة منزلنا ببغداد لحرق دفاتر اشعاري بموافقة مني. حينها كنت منهمكا بقراءة كتب التحليل النفسي. وفسرت موافقتي حرق الاشعار بالتخلص من سلطة الاب وفق سيغموند فرويد وهو ماكان سببا فعليا للحرق من قبل صديقي. وربما لو لم يحرقها هو لكنت احرقتها بنفسي مع ماحوت تلك النصوص من ذكريات ومناسبات كتابتها. لكن القصيدة العمودية تمنحك ذائقة نقدية للنصوص الكلاسيكية. وتدربك علي الغنائية حتي في قصيدة النثر..
اما الجزء الاخر من السؤال حول الابتعاد عن الغنائية فهل تقصد بالغنائية الوزن والقافية؟ لان حتي قصيدة النثر تحوي الغنائية. عمود الشعر هو اب قديم للشعر العربي يجب ان لا يبقي هراوة مسلطة علي رؤوس الشعراء.. فاذا كانت القافية اليوم سجن الشاعر فالعمود هو سجانه. واعجب من شاعر يبقي منقادا لسجانه ويرفض فسحة الحرية ولاافسرها الا بخشية ان لايجد مايكتبه حين ينهار العمود وتسقط اركان القافية. وان كنت اجدني في مرات قليلة اكتب نصا موزونا فاعمد لتهديمه والابقاء علي مااراه شعرا فحسب. لكن بالرغم من ذلك كله اجدني مترنحا اعجابا وانا اقرا او اسمع في مرات نادرة قصائد عمودية لشعراء لم تقف قضبان التفعيلة والقافية بوجه تدفقهم الشعري..
لم اتعرف للشاعر سركون بولص بشكل مباشر ولم يحصل بيننا أي لقاء وترجمته لقصائدي جاءت بعد ارسالي نسخة من ديواني الاول اليه وشعراء اخرين عراقيين وعرب. ويبدو انه اعجب بالديوان حسب مانقل لي احد الاصدقاء ونشرها في مجلة بانيبال التي تصدر باللغة الانكليزية في لندن.
انا لااكتب بالهولندية بل اترجم احيانا قصائد لي للغة الهولندية يحبذ الناطقين بها قراءة نصوص خفيفة وغير مركبة من لغات اخري..
طبعا اشعر بغبطة حين اري قصائدي مترجمة للغة اخري خاصة من قبل شعراء او مترجمين لاتربطني بهم اية علاقة شخصية.. كما حصل حين ترجم شاعر مغربي قصائد لي للفرنسية.. واري ان اغلب الشعراء العراقيين خاصة الذين اصدروا دواوين بلغات غير عربية هي في الاصل ترجمة لقصائدهم عن العربية وان بدا الامر لاسباب تسويقية كاصدار بتلك اللغة وحسب..
لكني اجد متعة في الترجمة عن الهولندية للعربية وقد انجزت كتابا مترجما ينتظر الطبع في دار المأمون ببغداد هو ضمن مشروع شعري موسع نوهت عنه في مقدمة الكتاب نفسه.
الى اي الاجيال الشعرية ينتسب الماجدي , وماهي افاق الشعر العراقي المستقبلية بعد ان غيب الموت رموزه المهمة؟
ومع موات مقولة الاجيال مازال شعراء وشاعرات من العراق او غيره في الداخل والخارج يفاجؤننا دائما بالجميل والنقي والصادم من الشعر..
لااقف كثيرا حيال مقولة الوطن العراقي او مفهوم الوطنية التي ارى اليها تعبيرا مطاطيا لو امعنا سبرها لقادتنا لطرق لاتوصل الا الى الوهم. ولاارى أي ترابط بين الشهرة ووهم الوطنية.
التعليقات