د. باسم عبود الياسري: يشتد التنافس الإعلامي بأشكاله المتعددة الذي يصل إلى حد الصخب أحياناً، حيث تولد الفضائيات والمجلات بشكل متسارع منها ما يصمد ومنها ما يختفي بصمت، وحتى تلك الوسائل الإعلامية التي تستمر لا يعني ذلك نجاحها بقدر ما يعني قدرة الإنفاق عليها. فهناك فضائيات تبث لا مشاهدين لها وصحف ومجلات تصدر لا يقرأها أحد مع ذلك تجدها مستمرة بالصدور.
ويبقى جمهور الفضائيات بازدياد مع تضاؤل جمهور الصحف والمجلات التي تحتاج متابعتها إلى بذل جهد في القراءة والتأمل وربما الاستنتاج، وهو ما لا يحتاجه مشاهد الفضائيات الذي يجلس باسترخاء يتلقى ما يعرض عليه وهو مستلق أو وهو يأكل، وقد تنوعت تخصصات القنوات فطالت كل شؤون الحياة من السياسة إلى الأبراج.
ربما يكون الخليج من أكثر المناطق العربية في عدد وسائل الإعلام وتنوعها، وفي الدوحة صدر قبل أشهر مطبوع جديد هو عبارة عن مجلة quot;الريانquot; وهي مجلة شهرية، يرأس تحريرها الشاعر المعروف فالح العجلان الهاجري، وفضلنا عدم الكتابة عنها من عددها الأول حتى يتحدد مسارها بوضوح.
اليوم وقد صدر عددها الرابع نحاول من خلال تصفحه أن نعرف بهذه المجلة الطموحة ونأمل أن تترسخ أقدامها بين سائر المطبوعات الأخرى، وأن تتميز على غيرها، في زمن يصعب فيه التفرد.
مثل أي مطبوع آخر تحاول المجلة أن ترسم لنفسها خطاً خاصاً بها، فقد أعلنت عن نفسها quot; مجلة ثقافية تراثية منوعة quot; وبعد أن نعرض لموضوعاتها ستكون لنا بعض الملاحظات نتمنى أن يطلع عليها القائمون على تحرير المجلة.
المجلة في شكلها العام تفرد قرابة نصف صفحاتها للشعر النبطي الذي يجد رواجاً كبيراً في المنطقة، رغم أن السيد رئيس التحرير له ملاحظة جيدة حول هذا الموضوع أوردها في زاويته quot;نافذة أخيرةquot; حيث يرى quot; كلنا نلاحظ أن التكرار الممل أصبح السمة الغالبة للبرامج الثقافية التي تهتم بالشعر وأنها تميل كثيراً إلى النمطية ولا تقدم إبداعاً حقيقياً يثري الساحة الشعريةquot;، من خلال هذه النظرة التي تحمل الغيرة على الشعر والثقافة تزداد مسؤولية المجلة التي يرأس تحريرها الشاعر الهاجري، وهذا ما سيجعل الحرص كبيراً على الارتقاء بها لتكون على أفضل ما يرام.
تستهل المجلة في عددها الرابع صفحاتها الأولى بقصيدة quot;لا هنتquot; للشاعرة القطرية مي الحبابي عن أمير البلاد فتشير إلى جهوده الكبيرة في إرساء السلام في لبنان. وهناك أخبار قصيرة، ثم قسمت المجلة إلى ملفات اختص كل منها بجانب إبداعي معين، فهناك ملف الفن quot;ألحانquot; وهو ملف خاص بالفن والموسيقى اشتمل على عدد من اللقاءات مع المعنيين بهذا الفن.
الملف الآخر هو ملف الثقافة quot;أركانquot; الذي تنوعت لقاءاته مع مبدعين في الفن التشكيلي وجوانب الثقافة الأخرى. أما ملف quot;أوزانquot; فهو ملف الشعر وهو أكثر الملفات أهمية في المجلة، في حين جاء الملف الأخير quot;قيفانquot; وهو ملف القلطة، وهو الشعر الخاص بالمحاورة وهو نوع من الشعر له رواده وفرسانه.
إذا كان لابد لكل مطبوع أن تكون له خطته وسياسته التي يسير عليها، فيبدو أن مجلة quot; الريان quot; قد اختارت لنفسها أن تكون مجلة محلية أولا وخليجية ثانياً رغم أن سعر المجلة ثبت فيه معظم الدول العربية، وهذا يعني أن طموحاً يشغل بال القائمين عليها لتصل إلى أكثر عدد من القراء وهذا طموح كل مجلة أو صحيفة أو وسيلة إعلام.
المجلة بامكانياتها الجيدة وطباعتها الأنيقة وإخراجها المتميز كان يمكن أن تكون أكثر سعة وشمولاً وبالتالي أكثر قراءً لأمرين، الأول أنها شهرية والثاني من خلال إعلانها كونها ثقافية تراثية، فكونها شهرية يجعلها بعيدة عن ملاحقة الخبر السريع وتكون مهمتها تقديم مادة ناضجة مختمرة تمتع وتفيد القارئ. أما كونها ترفع شعار quot; ثقافية تراثية quot; فإنها تضع على عاتقها مسؤولية كبيرة فكلمة ثقافة كما هو معلوم شاملة للثقافة بأنواعها، مثلما هي كلمة quot;تراثيةquot; حيث ثراء هذه الكلمة التي تدخل فيها كل كتب الأدب القديمة، فلو كان شعارها quot;مجلة مهتمة بالتراث الشعبيquot; لأعفاها من مهمة الاهتمام بالثقافة الواسعة.
حتى الثقافة الشعبية لا ينبغي استسهال الكتابة فيها فقد باتت علماً واسعاً يهتم به العالم وتعقد له الندوات وتصدر عنه الكتب والدراسات. هنا نعتقد أن استكتاب بعض الأقلام المتخصصة في مجالات الثقافة المتنوعة وتوسيع الدائرة الجغرافية للكتاب سيجعل من المجلة مقروءة في الوطن العربي وهو طموح مشروع لمجلة مثل الريان، وقد تهيأت للمجلة أقلام مشهود لها بالكفاءة والخبرة، فهناك عايد عجاج الخالد مدير تحرير المجلة صاحب الخبرة الإعلامية، والإعلامي الشاب فالح حسين الهاجري سكرتير المجلة له من الطموح ما يجعله يرتقي بهذه المجلة مع زملائه إلى مستوى المجلات الكبيرة، وquot;الريانquot; ولدت كذلك فنرجو لها أن تستمر في تميزها.