ترجمة عن السويدية: دلور ميقري
I
هناكَ، في جغرافيّة ذلك الحلم، كانت الحياة صورة من ظلّ الإله
من أساطير أمّي، تعلمتُ أنّ الأرضَ مستوية على
قرنيْ ثور. السماءُ، كانت بيت الله. الزمنُ، حيث
لا ثوان فيه ولا دقائق، خاط الأرضَ والسماء في
وحدةٍ مُطلقة.
كنتُ، والحالة هكذا، على خشيةٍ من أن يأتي يومٌ
يثور فيه الثورُ أو يقع مريضاً، فنهوي بدورنا في
الفراغ وتلتهمنا اللانهاية. كان في وهمي أنّ الثورَ
من الجسامة، حتى ليتعذر عليَ إستيعاب صورته.
خلال مرحلة مديدة، لم أع ِ ذلك الثقل المرعب،
الصامت، المُتحكم بالكون اللامرئيّ؛ بهذا الوجود
المُتجسّد في عينيّ، كصورة.
مع مرور الزمن،
تصاعدَ أيضاً بحثي عن الأيام المُنتظرة.
غالباً ما كنتُ أسأل أمّي: quot; في حالة ما إذا تداعتِ
السماءُ، كيف للثور أن يُخلّص نفسه؟ وإذا ما
تهاوت الأرضُ، أيضاً، ماذا سيحصل لنا؟ quot;
في كلّ مرة، غاضبة وساخطة، كانت أمّي تقطع
للفور أسئلتي وتطلب مني الإستغفار من الله.
كنتُ معتاداً على المضيّ خارجاً، لأجل أن أسرح
بطرفي نحوَ الخلاء البعيد؛ أين الجبال الشاهقة.
ذلك الضباب، المجنح، كان يحلق عالياً بإتجاه
السماء، وأسفل نحوَ الأرض؛ كأنما هوَ ملائكُ
الجبال، المُتنفسة ثمة على قممها.
في تلك الليالي العتمة، العميقة الزرقة، إعتادت
الملائكة أن تأتي مع الريح، مرفرفة فوق المدينة.
في السرير، إعتدتُ الهدهدة حتى النعاس، بفضل
قطرات المطر المُتسرّبة عبْرَ مزراب السطح: كنتُ
أتصوّر أنها رفيفُ الملائكة، وهيَ قادمة إليّ.
هكذا عبَرَتْ الليالي مع الأحلام، ومع دغدغة تلك
الأحاسيس التي منحتني إياها الأساطيرُ.

II
هنا، في مكان الزمن العاري، البلا حلم، تبحرُ
الطفولة، كما هوَ حالُ نجم الشمال (كلاويز)؛
هذا المنعوتُ أيضاً بإسم quot; قافلة الموت quot; (كاروان
كوجا)؛ تبحرُ في ذاكرتي الرمادية، نحوَ الغربة
الشائخة. ذلك النجم المُشاغب، الذي أفاق خلفَ
الجبال، مُبللاً الصخورَ خلل الليل، ناشدَ القافلة
أن ترتاحَ. النجمُ والقافلة، كانا من الضخامة في
الفنتاسيا، حدّ أن إدراكي لم يستوعبهما في مداه.
في هكذا سراب، مُتخم بموجوداته، قضيتُ الأعوام
السبعة الأولى من عمري.
في ليالي الصيف، جميعاً، كنتُ معتاداً على التوجّه
خارجاً للتبول، قبلَ أن أخلدَ للنوم، قبلَ أن يُخمَدَ بعينيّ
وميضُ النجوم؛ هذه التي تدعوها أمّي quot; مصابيح الله quot;
مع صوت بولي المتدفق ورائحة فم التربة، الجاف
كنتُ أشعر بأني قادرٌ على إرواء عطش الأرض.
وما فتأتُ أشعر بأنّ الأرضَ كينونةٌ عطشى، وما
زالت تتصاعد رائحتها وصوتها في أعماقي.
في ليالي العمر، تحوم ذكريات الطفولة مثل عمود
الريح في نهارات الصيف، الحارّة. تنتقل من هنا
ترقص وتتمايل حافية عائدة من مسافات الغابات.
تتلقف الطفولة، في طريقها، سحابة َ كلّ الأفياء
المتناعسة وتوقظ الأرض من خدَر العطش.
ثمة فوق السطح، تحدّثت أمّي عن النجوم؛ كاروان
كوجا وهفتوانه (الدبّ الأكبر والأصغر)، بحيث أني
توهمتُ رؤية عالم في السماء، مثل عالمنا، إلا أنه
أكثر فتنة. في ليال معيّنة، حينما تتهاوى النجوم مثل
المطر، كنتُ أسبل جفنيّ خشية سقوطها في عينيّ.
أمّي تؤكد، أنّ هذه النجوم تتهاوى علامة على موت
وليّ. ودَعتني أن ألزمَ الصمتَ وأكونُ يقظاً.
quot; طريق التبّان quot;، كان رحلة بلا زمن، أشارت
أمّي إليه: quot; أنظر إلى كلّ ذلك التبن، المُتناثر من
العربات السائرة quot;. بالنسبة لي، كان quot; طريق التبّان quot;
جسراً بين سماوات العالم. وتلك النجوم المعلقة هناك،
في الأسفل، إن هيَ إلا بشرٌ في سفر الطريق.
أحياناً، في ليالي الصيف، كان يحدث أنّ القمرَ وهوَ في
خسوفه، يتدحرجُ مثلَ كرةٍ في الفضاء. أمّي تضحي
عندئذٍ قلقة فتقول، أنّ وجه السماء صارَ عتماً؛ أشياء
شريرة لا بدّ وحصلت في الأرض.
إنها تنشد أغنية شاكيَة، الكلمات والنغم تبعثرت مثلَ
أمواج الحزن في صمت الليلة، ثمّ حملتني معها.

* مقطع من قصيدة طويلة، بعنوان quot; زمن السراب على قرن ثور quot; / من كتاب الشاعر هندرين quot; إسكندينافية: جزيرة اخرى من البخور quot; ـ ستوكهولم 2003، وهو منتخبات شعرية باللغة السويدية
* هندرين (أوميد مهدي)
من مواليد اربيل، عام 1963
من أهم الأصوات الشعرية، المعاصرة، في كردستان العراق
له أربع مجموعات شعرية منشورة، علاوة على عدد من كتب
الترجمة والدراسات النقدية والنظرية
ماجستير فلسفة من جامعة ستوكهولم، ويحضّر للدكتوراه
وهوَ مقيم في العاصمة السويدية منذ عام 1991