ألماجدي في مالمو السويدية باحثا وشاعرا
د.حسين الأنصاري-السويد: رغم ما قدم من دراسات وبحوث وإصدارات وترجمات عن الميثولوجيا العراقية القديمة فهو لايشكل إلا جزءا يسيرا مما هو قائم أو مازال مطمورا تحت الأرض، حيث أنجزت الشعوب التي أقامت على هذه ارض ومنذ أقدم العصور كبرى المنجزات التاريخية، والمتمثلة بالأساطير التي تشكل اليوم خزينا ثرا أمام الباحثين والعلماء والاثاريين والمؤرخين كونها تقدم الأس الحضاري للبشرية وتقدم الأدلة العلمية على عظمة هذا الإنسان الذي أبدع كل هذا العطاء ومنح العالم نور المعرفة وسعي الاكتشاف.
وفي ضوء هذا الانجاز وما كتب عنه من دراسات حديثة وبحوث أكاديمية معمقة تأتي مجهودات الشاعر والباحث د. خزعل ألماجدي عضو الهيئة الإدارية لجمعية اورورو للثقافة والفنون في مدينة دنهاخ الهولندية والذي حل ضيفا على الجمعية لاسكندنافية للتبادل الثقافي في مدينة مالمو السويدية في أمسيتين اقيمتا بالتعاون مع الجمعية الثقافية العراقية حضرها جمهور كبير في من المثقفين والفنانين ومتابعي النشاط الثقافي، نحاول هنا أن نلقي الضوء على ابرز محاور هذا اللقاء
سطور عن سيرة وانجاز ألماجدي
جاء في معرض تقديمي للماجدي وبما يختصر عطاءه الثقافي المتنوع ويعرف بمسيرته العلمية ومنجزه الإبداعي واصدراراته في الشعر ونظريته وكذلك جهوده الحثيثة في مجال التأريخ والميثولوجيا والأديان القديمة إضافة إلى حقل المسرح وتجاربه الكتابية فيه:
ربما يعرفه بعضكم جيدا ومنكم من قرأ له شعرا و دراسات في حقل التأريخ والميثولوجيا والأديان القديمة أو من شاهد برامجه الثقافية عبر الشاشة الصغيرة حيث عمل في الأقسام الثقافية للإذاعة والتلفزيون وبعض الصحف العراقية واتحاد الأدباء والكتاب في العراق ودائرة السينما والمسرح، ورغم إن أساس دراسته الجامعية كانت في المجال العلمي وقسم الأبحاث المجهرية إلا إن هذا لم يثنه عن اهتمامه وولعه بالثقافة والشعر، هواحد الأصوات المتميزة في فضاء الشعر العراقي والعربي ضمن الجيل السبعيني الذي شكل حضورا لافتا إلى جانب أسماء شعرية أخرى أمثال زاهر الجيزاني والراحل كمال سبتي وفاروق يوسف وسلام كاظم وآخرين، لايزال يرفد الساحة الثقافية بالجديد والمميز لما تتسم به نصوصه من رؤى حداثية وتصورات غرائبية وإحالات فلسفية ومفردات مستلهمة من بطون التراث والملاحم والاساطير، نهلت من الأفكار الجوهرية للحياة وحفرت عميقا في الجذور فهو يؤمن إن الشعر ولد من رحم الأساطير، نصوصه الشعرية التي صدرت بثلاث مجلدات عن المؤسسة العربية للدراسات كان أخرها قد صدر مطلع هذا العام تحمل في محتواها أسئلة كونية مقلقة، وتوحي بعوالم متخيلة تتخذ من المستوى الضمني مكانا ومن الزمان إطلاقا، لغته الشعرية تنم عن إلمام وإحاطة بالمعرفة والتجريب والمغامرة فالمفردة لديه لم تكتشف طاقتها التعبيرية بعد، إنها مكتنزة بالرمز والغموض المقصود إلى جانب اسلوبيته وتنوع أشكال الكتابة لديه ابتداء من قصيدة التفعيلة مرورا بقصيدة النثر ووصولا إلى النص المفتوح مما أتاح لقارئه مستويات متعددة من التلقي حيث المشاركة في التأويل وإعادة إنتاج المعنى.
إن ألماجدي لم يتوان عن الكتابة والتنظير في تجارب الحداثة الشعرية، لقد كتب في نظرية الشعر محاورا ومواكبا من سبقه في هذا الاتجاه أمثال الشاعر الفرنسي لوتريان أو سان جون بيرس واودنيس وسليم بركات وجاء ذلك عبر بيانه العقل الشعري الذي صدر في جزأين وكان بمثابة إعلان عن نهاية تأريخ القصيدة ودعوة لنمط جديد من شعر النص أو نص الشعر.
أما على صعيد الكتابة والبحث التاريخي القديم فهو مهتم بالأديان والميثولوجيا القديمة كيف لا، وهو الباحث والأكاديمي حامل الدكتوراه من معهد التأريخ العربي للدراسات العليا ببغداد عام 1996 وله شهادة دكتوراه ثانية من جامعة الحضارة الإسلامية في بيروت عام 2008 في فلسفة الأديان وله في مجال الأساطير القديمة والأديان أكثر من عشرين مؤلفا ركزت على الممارسات والتقاليد والطقوس والسحر والطب والمعتقدات والآلهة وكل مايمت بصلة للتراث الروحي للإنسان.
الميثولوجيا السومرية
ابتدأ ألماجدي محاضرته عن الأساطير السومرية مستخدما أدواته الخاصة في تحليلها وقراءتها وكيفية استنباط القوانين الروحية للديانة والفكر السومري حيث قسمها إلى أربعة أنواع هي كمايلي
أساطير الخليقة
أساطير العمران
اساطيرالخراب
أساطير الموت
في أساطير الخليقة تحدث عن نشوء الكون ودور الإله نمو في ذلك حيث كان الكون يتألف من كواكب هي الشمس والقمر والأرض والسماء وأيضا خلق الإلهة السومرية القديمة وخلق الإنسان وتحدث ألماجدي عن خمسة أساطير لخلق الإنسان أرجعته إلى أصل حيواني ونباتي وهناك أسطورة ترجعه للماء والرابعة تتحدث عن مزج الطين مع دم الآلهة والخامسة تتناول اللوغوس حيث تكون الكلمة أصل العالم وتمثل ذلك بتسمية انليل وأنكي.
أما أساطير العمران فقد تناول فيها كيفية نشوء المدن السومرية والأساطير التي رافقت نشؤها وخصوصا مدن أريدو ونيبور واروك ثم عرج على سومر باعتبارها مركز العالم أو السرة التي تربط السماء بالأرض وفي مكان هذه السرة يقع في مكان اسمه اوزموا وهو في مدينة نيبور التي فيها خلق الإنسان أي في سرة العالم وعن أساطير الخراب التي جاءت بعد إن انتهت أساطير العمران التي ترتبط بالحب والفرح والانبعاث حيث لقاء الإله ديموزي وانانا ثم يتحول إلى الجزء الحزين منها المتمثل بنزول اينانا إلى العالم السفلي ونزول تموز كذلك وهنا تبدأ أساطير الخراب حيث بدء تصدع العالم وقد استغرق هذا التحليل كثيرا من وقت المحاضرة إذ بعد النزول تظهر مجموعة من الآلهة في العالم الأسفل تبدأ بمهاجمة الأرض والحياة والخصب وعلى رأسهم الإله كور وكيف تحاول عشتار منعهم من تحطيم الأرض. ثم تأتي أسطورة مهمة من أساطير الخراب هي أسطورة الآلهة اينانا مع الفلاح شوكليتدا فبعد إن يغتصب الفلاح اينانا يتم عقوبة البشر بشتى الطرق حيث تمتلىء أبار الماء بالدم وتسلط عاصفة قوية تمحق البشر ثم تطفو مياه العالم الأسفل إلى الأعلى وهذا مقدمة وفاتحة لحدوث أسطورة الطوفان التي تحدث عنها ألماجدي وكان بطلها زيوسيدرا الذي أنقذ البشرية في مركبه لتبدأ دورة لحياة جديدة. وفي نهاية المحاضرة جرى حوارا مفتوحا بين ألماجدي والحاضرين وقد قاد النقاش إلى الحديث عن مفهوم الحضارة القديمة والحضارة الغربية وأسئلة أخرى تعلقت بالميثولوجيا أجاب المحاضر عنها.
أحزان السنة العراقية
في الأمسية التالية والتي خصصت لشعر ألماجدي الذي صدر بثلاثة أجزاء عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وسيصدر الجزر الرابع مكرسا لمجموعته خزائيل، اختار ألماجدي مجموعة من نصوصه الجديدة التي قرأها لأول مرة وقد وضع لها عنوانا ndash;أحزان السنة العراقية- يقول الشاعر لقد اخترت سنة 2006 لتكون أيامها بؤرة لمجموعتي الجديدة لما حمله هذا العام من مآسي وألام إنها نصوصا يومية على مدار العام تقع ب 365 نصا توثق الوجع العراقي ونسغ الأرواح الصاعدة وصور البلاء الذي حلت على البلاد، من بين النصوص اخترنا لكم اثنين من النصوص الأول بعنوان ndash; نساء السواد- ويرصد فيه ماأل إليه وضع المرأة العراقية في ظل ظروف الاحتلال والإرهاب والطائفية حيث يقول
غسلوا عن وجوهن النور
ثم وضعوا الماكياج الفاسد
أفرغوا قاماتهن من الزهور
وأدخلوهن في أكياس سوداء
أشبعوهن وخزا بالمخايط والمسامير
مزقوا شبابهن وعبثوا بشباكهن الحرير
حاملات النهار ملؤا قواريرهن بالقبح
ونفخوا في شموعهن السموم
والنص الثاني هو- مرثية لبغداد- جاء فيه
مجدافي في التراب
ودهري مقطع على لساني
لم اعد أتراشق بالورد مع الماضي
صار الماضي يرشقني بالسهام كل يوم
الكلام حجر منتشر أمام البيوت
الوسائد أحلام مربكة
انشق أيامي بعصاي وارى القناديل
المطفئة في بيتي
نسلي يتحطم في زجاج الزمان
وأنا انظر من النافذة لخراب بلادي
وامسح عنها المطر الأحمر.
الشعر وبوابة المسرح
فتح له الشعر بوصفه المادة الرئيسة للدراما بوابة المسرح حيث غادر مهنته في مجال الأبحاث المجهرية بوزارة الزراعة لينتقل إلى وزارة الثقافة والإعلام - دائرة السينما والمسرح باحثا ومؤلفا وهذه كانت فرصة ثمينة لكي يدخل ألماجدي مختبر الفن الرابع عن قرب ويعيش هموم الخشبة، فتوالت نصوصه التي تجاوزت ألان أكثر من ثلاثة عشر نصا منها عزلة الكريستال، حفلة الماس، هاملت بلا هاملت، نزول عشتار إلى ملجأ العامرية، الليالي البابلية، قيامة شهرزاد، سيدرأ، رياح صفراء، سردينال وغيرها.
إن معظم نصوص ألماجدي المسرحية قد سعت إلى توظيف شحنة الأسطورة التعبيرية وبكل ماتحمله من عمق فلسفي وتأريخي داخل كيان المسرح الذي استوعب الشعر والأسطورة معا وبما يتماشى مع مفهوم المسرح المعاصر الذي يمنح الصورة المسرحية بعدا يتوازى إن لم يتفوق على مدلول الكلمة مولدا بذلك بنية مشهديه وخطابا يمور بالرؤى والرموز والدلالات التي احتواها الفضاء المسرحي.
اغلب هذه النصوص أخرجها مسرحيون معروفون بتجاربهم وخبرتهم المسرحية أمثال صلاح القصب، فاضل خليل، ناجي عبد الأمير، غانم حميد وآخرين بل جسدت على خشبة المسرح ومنها من شاركت في مهرجانات عربية ودولية وحصلت على جوائز تقديرية لما تتمتع به من لغة شاعرية عالية وحبكة درامية واضحة لمضامين إنسانية عميقة.