(تحيّة لذكرى الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود)
منْ واحةٍ لأبِي البحرِ، خضراءَ زرقاءَ،
من جُملَتَيْن افتراضيَّتَيـن مجازيَّتَيْن..
امتطينا رواحلَنا باتّجاهِ حجازيَّةٍ للشريفِ الرّضِيّ،
... عُجنا إلَى quot; عالِجٍ quot; و quot; زَرُودَ quot;،
رُحتُ مُسترسِلاً وأُفكِّرُ في ابن سُعُود، الملِكْ!
أُولَى تصاويرِهِ في الكويتِ!،
عبدِ العزيزِ هذا الطّويلِ القتيلِ بأشواقِهِ: هل يعُود؟
لَم يَسلْ: هل أعُود؟
بَل فَعَلْ:
أنْ أعُود!.
أمسحُ فوضَى الطباشيرِ عنْ فكرتي:
كيفَ أطلقَ عبدُالعزيزِ مخيالَهُ واقتنَص؟
كيفَ حقَّقَ مخطوطةَ البرِّ، واستخلَصَ النّصَّ مِن ألف نصّ؟
استطاعَ النُّفُوذَ مِن بين هذا الزّحامِ،
كما تتخطّى فُرُوسيَّةُ السّيلِ صخرَ الجَبل!
جرَّ بالرّسَنِ الزَّمَنَ، افتضَّ عُذْرَتَهُ، ثُمَّ قالَ:
انبَثِقْ أيُّها العُشبُ في أرضِ قحطانَ عدنانَ.. حيثُ الهضَابُ الوِطَاءُ
تحت الجيادِ الصّوافِنِ،
خلَّفَ صرحاً مِن الكونكريت المسلَّحِ، فرَّخَ فيه طيرُ الحمام،
ونصَّصَ ما بَيْن سيفَيْن نافُورةً، وأطارَ الحجَل
في فضاءِ الكلام
فصارَ الكلامُ الحجل،
فَمنْ دلَّ شعْبَ البُداةِ على سُبُلِ الكَنزِ إلا حساسيَّةُ الحَدْسِ، والصَّحَرَاءُ؟
أيُّ شديدِ القُوى، المُتَمَتْرِسُ بالبدويِّ الّذي فيه...
كي يستطيع النّجاحَ في خُطَّةِ الكنزِ؟
يا لَيتَنِي بدويٌّ لأعرفَ....
**
.. حَدَّثَنا عن أبيهِ عن جدّه الرّملُ!،
قالَ: أنا نثرُ مَن عبروني
أنا شِعرُ مَن سوفَ يعبُر بِي!
حيثُ كانَ الزّمانُ غُباراً يُفرِّغُ حتَّى الهواءَ من الماءِ،
أهلُ الجزيرَةِ يستنبطُونَ المياهَ،
ويستهلكُون الأرزّْ
والخُبزْ
وضَعُوا في الصّناديقِ أشياءَهُم، ثُمَّ نامُوا على الخَيْشِ،
واستوطنُوهُ.. زمانَ السّلالِ مِن خُوصْ!
ولإيلافِهِمْ نورسَ البحرِ،
إيلافِهِمْ قصعَةَ التّمرِ،
إيلافِهِمْ حصَّةَ الشِّعرِ،
لم يدلفُوا في تحدِّي الجُيُوشِ، وكُلَّ غُزاةٍ ونورسُهُمْ في اليفاعِ،
وكُرَّاسُهُم في العِشَشْ!
وخطّافُهُم دائريُّ المحوَّمِ، والرّيمُ في القاع!،
هُم قومٌ اتّخذُوا في الخريطةَ مُنتَبَذَاً،
وارتأَوا أنْ يكونُوا دُوارَ الغُبارِ في طاسةِ النّثْرِ،
كانُوا يُسِنُّونَ طبعَ الحِرابِ فتاوى!،
إلَى أن أطلَّ أبوها، أبو الأرضِ، غربلَها بالغرابيلِ...
شالَ وحطَّ،
طوى، وفَرَشْ!. /
ليتَنِي بدويٌّ لأعرفَ كيفَ يُهيَّلُ هالٌ،
وكيفَ تُغنَّى الرّباباتُ....
كيفَ تُناخُ النّياقُ،
كيفَ تصيرُ الصُّقُورُ صقُوراً على اليَد!
يا ليتني بدويٌّ لأشهدَ تكوينَ صلصَالِ هذا الصّباحِ على الدّعْصِ!
نحنُ العَرَبْ
أهلَ الجزيرةِ، من سامنَا حَسَدا
ردَدْناهُ مُمتلئاً مِن ندى!
وَمن نالَنا بأذَى
عَبَأْنَا حقائبَهُ مِن شميمِ العرارِ شَذَى....
وَمن رادنا بيد الكَيدِ،
قُدنا لَهُ موتَهُ كائداً كيدَهُ،
حدَّثَ الرّملُ قالَ: ما ماتَ مَنْ أَنْسَنَ الرّمل!،
إنَّا ذرَعْنَا الجزيرةَ
طالَ الطّريقُ
وَطَالَ الطَّريق...
كشَفتُ الغطاءَ عَن سَلَّةِ الخُوصِ...
كيفَ عبدُالعزيزِ السُّعوديُّ كوَّنَ تكوينَهُ مِن فراغٍ؟،
وأشعَلَ في عتمةٍ قَصَبَاً وتقصَّبَ بِه
عقالاً، ولم ينتِبه
للحجارَةِ سدَّت عليه السُّبُل
وألقَى المحالَ، وقدَّ أياسَ الخُطى مِن قُبُل!
**
في الطّريقِ إلَى يَثرِبٍ زِدتُ شَوقاً...
إذاً يثربٌ / طيبةٌ قَصدُنَا،
مِنْ بَسَاتِينَ شَرْقِيَّةٍ لحدَائِقَ غَربِيّةٍ، وَالبَرَارِي ولادةٌ،
فَكَأَنَّ المَدَى أَبَدٌ مُبْحِرٌ أَبَدا.
كمْ قوافلَ مرَّتْ؟، وكمْ حاديَاً بالجِمالِ حَدَا، والجَمالُ حَدَا؟
وكم مرَّ مِنْ شُعراءَ، وكمْ مَرَّ مِن شُهَدا..
ومِنْ تُعساءَ،
ومِنْ سُعَدَا!
كَمْ وكَمْ؟! /
هِي أمّ اللغاتِ،
مُبتدَأُ الرّيحِ والخَبَرُ المبتدَا!
كانَ في هدأةِ الَّليلِ، رُكَّابُ باصِ المدينةِ يغفونَ، والمسجّلُ يصدَحُ،
رحتُ أفكِّرُ: كيفَ أُتيحَ لشخصٍ بمُفردهِ أنْ يكونَ لهُ كلّ هذَا المدى؟!
يا لهُ مِنْ مليكٍ على فِكرةٍ ثُمَّ نصَّصَهَا في الخرائطِ،
كيفَ حَوتْ يدُه البحرَ والبرَّ،
أنجدَ قلبي وأتهَمَ،
حدَّثني الرّملُ عن أبيه عنْ جدّهِ...
أَنَّه مِثْلَمَا يَقْنِصُ الصَّقْرُ شَادِنَاً شَرَدَا
اصْطَادَ عبدُ العزيزِ السعودِيُّ ظَبْيَ البَرَارِي.. وَهَذَا الصَّدَى!
لَمْ يَمُتْ،
فالرّدى فاشِلٌ فِي حصارِ الصَّدَى.
يا لهُ مِن عِصامٍ أرادَ وسادَ،
ولم يذهب السّهرُ الهندسِيُّ سُدَى...
أيّ طُغراءَ تختصِرُ الفَذَّ مِنْ أُسرَةِ الرّملِ،
جَدَّ حَتَّى وجَدْ
لَمْ يَنَمْ مثل أعدائِه، هل تأمّلتَ أولى تصاويره في الكويت؟
أَيَّ ذَكِيٍّ سَخِيٍّ؟ وَأيَّ أَلِف
مُؤْتَلِفَاً وَسِوَاهُ، لَكِنَّهُ المُخْتَلِفْ!
زَرَعَ وَحَصَدْ.
واستوى في الجزيرة بَيتٌ أحد.
لعلّ بقامته شُبّهَ النخلُ،
يأكلُ تمراً، ويصعدُ خيلَ اختراقاتِه،
ويَهُبّ على الرّمل والبحرِ والسّهلِ والجبلِ الصَّعْبِ،
كيف تُختصرُ الرّيحُ في رَجُلٍ
والتَّضاريسُ فِي امرأةٍ وَاحِدَه؟! /
فطنةٌ رَائِدَه.
**
.. نزلنا على بدويٍّ، لأوَّلِ مرَّه
أنا ضيفٌ على بدويٍّ،
تقهوَيتُ من قهوةِ الأُنْسِ، صرتُ ثقيلاً لأنَّ مُروءَتَهُ سَقَطَتْ بغتةً
في متاعي!، سأُنشدُ لَه:
قهوةٌ وسَهَر
أيُّها البدويُّ الأغرّ
وسَمَر
والحنينُ.. حنانُ الوبرْ،
أرى في البداوةِ ما لا أرى في الحضَر!
أصبحَ البرُّ بحراً بمفهُومِ نفسِيَ، والبحرُ برّ!
... ليتَني بدويٌّ لأُدركَ كيفَ يكونُ البَشَر...
بشَرَاً خالصَاً يستضيفُ البَشَر
ويُربِّي الغنَم
ويُغنِّي الألَم...
ويَخُضُّ الضَّجر
مثل هذا الَّلبَن!
ليتني خيمةٌ في خيامِ الوطَن!
لأطيلَ الزَّمَنْ...
خيمةٌ مِن وبَر
وعليها قَمر...
أو عليها مطر...
تستضيفُ البَشَر!
سَمر
في سَمر...
**
.. الجمرُ في المَنقله.
دِلالٌ مِن القهوةِ اسودَّ مُذْهَبُها،
والأثافي قُلُوبٌ تموضَعنَ في خانة العِشقِ، والَّليلُ هذا رشَاشُ رذَاذٍ معَ الرّيحِ،
والذّئبُ يعوي.
يا عازِفَاً وتري في ربابتِه، لا عداكَ اشتهاؤُك!
ولا شحَّ ماؤُك!
تبكي الرّبابةُ أم تضْحكُ؟،
اختلفَ الرّأْيُ... كالذّائقه!
تبكي وتضحكُ!
يا عازِفَاً وتري في الرَّبابَةِ، قلبِي توتَّرَ!
فاعزِفْ إلَى أنْ أكونَ معَكْ
أضلُعَكْ!
quot; كم عاشِقَاً عَرَفَ البدوُ؟، كم عاشِقَه؟ quot;
.. إذْ قالَ لِي: سَمْ! ؛
سَمومٌ لأعدائنا، ولنا البسمله!
قُلتُ،
بلِّغ سلامي لمنْ حَمَسَ الشّوقَ مِن أجلِنا، ولِمن هيَّلَه....،
كم بيتَ شِعرٍ حفظتَ؟! quot;
فقالَ: quot; أحصِ ما حلَبَ البدوُ من ماعزٍ quot;،
قُلتُ: quot;.. يا صاحبي، قُصَّ لِي قصَّةَ الآلَةِ الزّاهِده quot;،
فحكى كيفَ أنَّ سيِّدةً خاصَمتْ زوجَهَا،
quot; لَن أعود إلا إذَا ما حكى العُودُ quot;، قالَت لَهُ زوجُهُ....
فأشارتْ عجوزٌ عليه أن انتخبِ القَوْسَ مِن شَعرِ ذَيل الفَرَسْ
ثمَّ غَنِّ على مذهَب النَّايِ والنّايلِ الرُّوحَ / رُوحكْ!.
تُشفِ جُروحَك!
فغنَّى ،
وغنَّتْ لَهُ زوجُهُ العائده!
تقولُ العجوزُ لَهُ: quot; لا تُدوِّنْ لها، فالرّبابةُ سِرٌّ عصيٌّ على الفضِّ،
حيوانةٌ حيَّةٌ quot;، /
كانَ ليلٌ غنيٌّ،
وطلٌّ خفيفٌ على الَّليلِ،
والذّئبُ يعوي!
سأصنعُها مِن عُواءِ الذّئابِ، مِن جلدةِ الذّئبِ أصنعُها،
ثُمَّ أسندُها في يديَّ على قدَمِي، فكأنِّي سأعزفُ ذِئباً ويعزِفنِي الذّئبُ....
مِن ذئبَةٍ يطلُعُ الصَّوتُ أشجى حنيناً مِن النَّاقَةِ الْ ضَيَّعَتْ
في المتيه.. الفصيل!
النّعيمُ القليل...
هاهُنا لَكثيرٌ جزيل....
**
/ جُرَّ قوسَكَ أيُّها العزَّافُ، واشرحنِي،
أنا الهائمُ في قاموسِهِ الشّجَويِّ بين الرّملِ واليامال، طوِّحني
على اليامالِ، أفرَحُ!
جُرَّ قوسَكَ أيُّها العزَّافُ، أطلِقْ صوتَكَ الرّاعشَ في البيداءِ، وامنحني
بلاغَ الصَّقرِ، أجنَحُ!
قُلْ لأوتاري الخفيَّةِ:
لا تُراعي،
لا تُراعي..
قُل لها إنَّ الأذَى أنْ يُصبحَ البدويُّ مَشْرَعَةً لأهواءِ الرّياحِ الهوجِ، لكنَّ الأذَى
أن تُخرجَ البدويَّ مِن صحرائِهِ وحنانِها لمراوِحِ البازِلت،
أن يكتظَّ بُنيانٌ، وتخلُو حُجرةُ الصّحراءِ من قُطَّانها الأفذاذِ، أصفَحُ!
جُرَّ قوسَكَ أيُّها العزَّافُ واعزفني،
ولا تُبكِ الضلوعَ فحُزنها يكفي، ودلّلنِي بقصَّةِ عاشِقٍ تركَ الحبيبَةَ رَهنَ قُطعانٍ،
وسافرْ...
جاءَ لأهلها، ردُّوهُ محنيَّاً كقوسِكَ، خائباً كالغيثِ، غادرَهُم،
وسافَرْ...
بعد دهرٍ.. عادَ يبحثُ عن حبيبَتِه الَّتِي،
ورأى عجوزاً عند مُنعَطَف التلالِ الرُّبد ترعى ماعزاً وتهشُّ،
[ ساءلها: عرفتِ فُلانةً؟
قالت لهُ: أنا تلك! ]
أُسقطَ في يديه،
وخرَّ مبكيَّاً عليه..
جُرَّ قوسَكَ هذهِ الفُصحى الحَصَانَ،
وأغرِها بمكامِنِ المسحُوبِ من قيعانِ قاعِ البئرِ..
دلِّلْها تُدلِّلْكَ!
اسفكِ الذكرى بآلتكَ الوحيدةِ،
جُرَّ قوسَكَ أيُّها العزَّافُ واحملنِي على سرْجِ البُراقِ الظّاعِنِ الرَّحَّال
بَيْن الرّملِ واليامال!
جُرَّ القوسَ
جُرَّ القَوسَ
جُرَّ القَوس.... /
**
.. كنتُ مسترسِلاً في خيالِيَ لمَّا تراءتْ لنا قُبَّةُ الّلونِ، خضراءَ...
إنّا ذَرَعْنَا الجَزِيرَةَ سَيِّدةَ العَرَبِ،
الأصلَ
أمَّ البلادِ
وأهلَ اللغَه /
حكمةٌ بالغَه!
وَصَلْنَا إِذَاً ؛
صَبَاحٌ حِجَازِيُّ سِقْطِ النَّدَى!

/ 2005