كثيرا ما نسمع باسم القاص العراقي(محمد روزنامجي) حينما يكون الحديث عن رواد التجديد في القصة العراقية، واهمية ما انجزوه من ابداع قصصي رائد في سياق التعاطي النقدي مع مفاهيم التجديد في الكتابات السردية، ولكن غياب هذا الاسم او تغييبه وسط هوس الحضور الاجباري للظواهر الثقافية الاخرى، هو ما يثير الاستغراب، وربما الحزن، فالنقاد الذين عاصروه، والباحثين الذين عنوا باشتغالات الدرس التاريخي والتجريبي للقصة العراقية يكتفون عادة بالاشارة اليه فقط كعلامة من علامات هذا التجديد، دونما معاينة فنية لها خصوصيتها في المعالجة والنقدية اسوة بالتي اشتغل فيها الكثيرون على تجارب الرواد عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي ومحمود عبد الوهاب ومهدي عيسى الصقر وهم من الذين عاصروا تجربته.
قرأت قبل مدة مقالا للمبدع الكبير محمد خضير وهو يتحدث عن غياب محمد روزنامجي بشيء من المرارة، شعرت بخجل حقيقي ورعب عميق، هو رعب النسيان والاهمال وكأن هذا الغياب هو المصير، والذي قد يدفع البعض الى الانزواء الذي يشبه الاحتجاج على واقع ضاج بالرعب والخيبات وقلة الوفاء، مثلما ان هذا الاهمال النقدي اضحى جزءا من سلوك سسيوثقافي تكرس للاسف في منظومتنا الثقافية منذ عقود طويلة، والتي اسهمت في صناعة ظواهر فيها الكثير من الرعب الاجتماعي والاخلاقي، وربما فيها الكثير من المطرودين عنوة من جنة الاستذكار!!
اعتقد ان مسؤولية اعادة انتاج النسق الثقافي وضبط تشكلات ظواهره ومنجزاته من الضرورات التي ينبغي ان نستعيدها، لان هذا النسق يمثل علامة على تكامل نمو الظواهر الثقافية وتواصل اجيالها، فضلا عن ان النصوص التي انجزها الرواد تحمل قيمة معرفية، وقوة اخلاقية، وارهاص بمغامرة التجديد، وهذه السمات تشكل لوحدها باعث يؤكد القيمة المعرفية في الكتابة التي انجزتها اشتغالات اجيال كثيرة في ثقافتنا الابداعية، تلك التي تركت فم التاريخ مفتوحا لنا.
في هذا السياق اجد من المسؤولية بمكان ان تبادر وزارة الثقافة والاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق والجهات المدنية الثقافية الى استعادة محمد روزنامجي ضمن النسق الثقافي العراقي اولا، والى قراءة تجربته الرائدة في سياقها التاريخي ثانيا، والعمل على طبع قصصه التي اشار اليها محمد خضير والمحصور زمن كتابتها بين 1949-1957، ولااعتقد ان هذه المهمة مستحيلة ومعقدة، لان هذا الاستعادة الاخلاقية والثقافية ستكون مقدمة لاعادة تأهيل النسق الثقافي المقطوع الذي افقدته اختلالات الحياة العراقية عبر صراعاتها وانقلاباتها الدموية الطاردة وهيمنة ايديولوجياتها الابوية وحروبها الساحقة الكثير من قدرتها على البقاء والتواصل والاثراء، مثلما هي استعادة انسانية لشخصية روزنامجي عبر اعادة حقوقه واعتباره وحضوره..
ان التعرّف على تجربة محمد روزناجي يعني التعرّف عن مقطع مهم من مقاطع الحياة العراقية، وتلمس حيوات وصراعات استبطنتها تجربته الرائدة، وكذلك الكشف عن معطى تجريبي لنمط من الكتابة اتسمت به والتي عدّها البعض نموذجا في التجديد، ليس لان ابطالها قد تأثروا بثقافات اخرى وبدوا وكأنهم يحملون رؤى مغايرة للواقع، بقدر ما ان معطى هذا الوعي يمثل انعكاسا لتحولات وجودية عميقة استغرقتاه الحياة العراقية منذ منتصف الاربعينات، ناهيك عن خصوصية النمط الفني الذي تحوز عليه هذه القصص. ولو لم تكن هذه القصص تملك خصوصية في انماط كتابتها لما كثرت الاشارات اليها، وذهب الى تأكيدها النقاد والباحثون الذي وجدوا في تجربة محمد روزنامجي خصوصية وتميز داخل فضاء الكتابة القصصية العراقية الجديدة خارج ما الفته من انماط حكواتية بسيطة، وواقعية اقرب الى السذاجة، وتميز داخل فضاء ما كان يكتبه رواد التجديد في القصة العراقية..
اشكر بعمق المبدع الكبير محمد خضير لانه ازاح الغبار عن تجربة مهمة كثيرا ما نتداول الحديث عنها، لكننا نهمل ان نقلّب اوراقها، وندعو الجهات المعنية لان تعيد النظر بقيمة ما يمثله اعادة ترتيب وتأهيل النسق الثقافي العراقي، فالعالم الان بات يعطي لهذا النسق اهمية قصوى، ويكلّف جهات بحثية واكاديمية لترميم العطب الحادث فيه، لان انتاج هذا النسق، يعني انتاج المتحف الثقافي الذي يدرك من خلاله الابناء الجدد ما انجزه الاباء والاجداد، ويتعرّف المعنيون في الجهد النقدي والبحثي على قيمة ما تصنعه النصوص من قوى معرفية، ناهيك عما تختزنه من حيوات يمكن من خلاله قراءة التاريخ والاحداث والوقائع والازمات التي ساكنتها الحياة العراقية..