ما ليس في ثقافة العرب (3)


... آه، كم القصائد ضئيلة الأثر عندما تكتبها باكرا في حياتك. عليك أن تنتظر وتجمع الرشد والحلاوة طيلة عمر كامل، إن أمكن، وبعد ذاك، قرب النهاية تماما، ربما أمكنك أن تكتب عشرة

(1) لويس كارول: الكلمات تشتغل
(2) والتر بنيامين: تقنية الناقد في 13 اطروحة

أبيات صالحة. فالقصائد ليست، كما يخطر للناس، عواطف ببساطة (للمرء، بديها عواطف في بدء بكوريته)- إنها تجارب. من أجل قصيدة واحدة، عليك أن ترى مدنا عديدة، بشرا وأشياء كثيرة، عليك أن تفهم الحيوانات، أن تحس كيف تحلّق الطيور، وأن تعرف الايماءة التي للأزهار عندما تتفتح في الصباح. عليك أن تكون قادرا على العودة بأفكارك إلى شوارعَ في ضواح مجهولة، إلى لقاءات غير متوقعة، وإلى فراقات تنبأتَ بها قبل حدوثها بوقت طويل؛ إلى أيام في الطفولة سرُّها ما زال غير مُـكتـَـنَهٍ، إلى والدين كان ينبغي لك أن تؤذيهما حينما آتيا بفرحة لم تشاركهما فيها (لقد كانت فرحة نـُوِيت لشخص آخر-)، إلى أمراض طفولة بأية غرابة بدأت مصحوبةً بتحولات جمّة عميقة وصعبة، إلى أيام أُمْـضيت في غرف هادئة، كتيمة وإلى صباحات جوار البحر، إلى البحر بالذات، إلى بحار، إلى لياليَ سفر اندفعتْ عاليا في الفضاء وحلّقت مع كل النجوم، - ومع ذلك لا يكفي أن تكون قادرا على التفكير بكل هذا. ينبغي أن تكون لك ذكريات ليال كثيرة من الحب، تختلف الواحدة منها عن كل الأخريات؛ ذكريات نساء يصرخن من آلام الطلق، وعن فتيات نيّرات، شاحبات، نائمات وَلَدن لتوّهنّ وها هن ينغلقن مرة أخرى. لكن عليك أيضا أن تكون سهرت مع المحتضرين، أن تكون جلست مع الموتى في الغرفة ذات النافذة المفتوحة والضوضاء النثيرة. وليس كافيا بعد أن تكون لك ذكريات. عليك أن تقدر على نسيانها عندما تكون كثيرة، وعليك أن تملك صبرا هائلا على الانتظار حتى تعود إليك. فالذكريات بحدّ ذاتها ليست مهمّة. فقط عندما تكون قد تحولتْ إلى دمنا نفسه، إلى النظر والإشارة، وصارت بلا أسماء، غير متمايزة مع أنفسنا- آنذاك فقط قد يحدث ذات ساعة نادرة جدا أن ترتفع من وسطها الكلمة الأولى في قصيدة ما وتمضي منطلقةً منها.... (quot;فراديسquot; العد 6/7، نوفمبر1993)

ترجمها عن الانجليزية سركون بولص